حرب الدعاية الإسرائيلية تبني سرديتها على غضب الإيرانيين

تعد الدعاية الإسرائيلية من أنجح الدعايات الإعلامية عالميا، بسبب الإمكانات الضخمة التي تملكها، وقد ركزت في الحرب الحالية مع إيران على نقاط ضعف النظام فيها، مستغلة الغضب الشعبي ومروجة لمساع للانقلاب على النظام القمعي والبدء بالتمرد.
القدس – بالتوازي مع الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على إيران والتي كبدتها خسائر فادحة، تنشط وسائل الإعلام العبرية في حرب الدعاية والضربات الموجهة بالاعتماد على المعارضين لنظام المرشد الأعلى علي خامنئي الذين يناضلون منذ عقود للتخلص من قبضته على البلاد.
وبدأت ماكينة الإعلام الإسرائيلية في التركيز على الغضب الشعبي الإيراني الذي صدم كما السلطة من حجم الاختراق الإسرائيلي للبلاد، حيث كشف تقرير لمنصة “حدشوت يسرائيل” العبرية، أن أجواء الانقلاب على النظام بدأت تتبلور بالفعل في إيران وأن حالة من الغضب تعم الشارع الإيراني ومواقع التواصل الاجتماعي.
وتركز وسائل الإعلام العبرية على إبراز مظاهر الغضب الإيرانية في الشوارع ومواقع التواصل الاجتماعي، وتنشر تصريحات للعديد من الشباب المعارضين، رغم أنه من غير المعروف إذا كانت هذه التصريحات حقيقية أم تدخل في إطار الترويج والدعاية التي تستند إلى عملاء إسرائيل داخل إيران.
إسرائيل تستخدم تقنية الدبلوماسية العامة التي تربط حرب المعلومات بالأهداف الإستراتيجية لتصدير صورة إيجابية لها
ونقل تقرير المنصة العبرية تصريحات لناشطة إيرانية معارضة تدعى أزيتا، قالت فيها منذ ليلة الخميس والجمعة، “تراوحت مشاعرنا، نحن المعارضين للنظام، بين النشوة والخوف الشديد. بين فرحة عارمة بالتغيير الذي يحدث، وحزن عميق على بلدنا الذي وصل إلى هذه الحالة.”
وأوضحت الناشطة المعروفة، أن “هذا أحد أسباب بقائنا في منازلنا، مشلولين تمامًا، لا نتحرك ولا ننظم صفوفنا.” وبحسب أزيتا، “يحاصرنا النظام بكل الطرق، حتى إن الإنترنت بالكاد يعمل. هذه هي طريقتنا الوحيدة للتواصل مع بعضنا البعض دون أن يسمعنا النظام.”
وتضيف أن “هناك أيضًا خوفًا كبيرًا من مغادرة المنازل. لأن كثيرًا من الإيرانيين، ومعظمهم من مؤيدي النظام، مصدومون من الهجوم الإسرائيلي والتسلل إلى الأراضي الإيرانية دون حماية، والهجوم على المنشآت وكبار العسكريين والعلماء.”
وتنشر إسرائيل هذه التصريحات في الوقت الذي يحذر فيه جيشها وقيادة الجبهة الداخلية من نشر أي معلومات أو توثيقات تساعد “العدو”، وقال إنه ألقى القبض على عناصر خلية تجسس جديدة لصالح إيران.
وتُعد الدعاية الإسرائيلية من أنجح الدعايات الإعلامية على المستوى العالمي، لما يملكه الإسرائيليون في العالم من إمكانات اقتصادية ومالية ضخمة، إضافة إلى معرفتهم بكيفية مخاطبة العقل الغربي، إذ سهّلت عليهم جذورهم الغربية أن يحققوا أكبر عملية إقناع لمصلحة “قضيتهم” ومن أهم ما أنتجته هذه الدعاية لتحقيق أهدافها هو “الهاسبارا.”
و”هاسبارا” كلمة في اللغة العبرية تعني “الشرح” أو “التفسير” أو “التوضيح”. وهي من الإستراتيجيات التي تعتمدها إسرائيل من أجل بناء صورتها في الخارج، وأيضا من أجل تفسير سياساتها، وتقديم تقارير عن الأحداث ونشر معلومات إيجابية عنها لمواجهة أي نقد تتعرّض له.
بحسب تقديرات الإعلام الإسرائيلي، "هناك تمرد أو انقلاب يتولد، ويرصدونه يوميًّا، ومن ملامح الانهيار أن جميع وكلائه يتساقطون، دون أن يحرك ساكنًا لمساعدتهم".
وتعتبر أشبه بحملة علاقات عامة دولية لمصلحة إسرائيل، يقوم بها خبراء في التواصل وأساتذة جامعات وطلاب أكاديميون وضباط استخبارات وإعلاميون في مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية.
وغالبا ما تُستخدَم كلمة “هاسبارا” لوصف الدعوة المؤيدة لإسرائيل، ويُطلق عليها أيضا تقنية الدبلوماسية العامة التي تربط حرب المعلومات بالأهداف الإستراتيجية لتصدير صورة إيجابية لإسرائيل على المسرح العالمي، أو توضيح وجهة نظر الحكومة الإسرائيلية وتعزيزها في مواجهة الصحافة المنتقدة لها، ولشرح سياساتها وتبرير أفعالها والدعاية لإسرائيل عموما.
وفي هذا الإطار تبدو تصريحات المعارضين الإيرانيين المزعومة متناغمة مع الأسلوب الإسرائيلي في الدعاية.
وتشرح أزيتا أن “مؤيدي النظام يشعرون بالخيانة عندما يسمعون أو يرون أن ضباط مخابرات إسرائيليين دخلوا إيران وفعلوا ما يحلو لهم، مدركين الآن ضعفهم وعجز النظام عن حمايتهم.” وتضيف أنهم “أكثر غضبًا منا الآن، يبحثون عن شخص يصبّون عليه غضبهم. يتجولون بالهراوات والأحزمة وغيرهما من الأدوات لاختطافهم. نحن الأهداف الأسهل، لأننا في نظرهم ممثلون لإسرائيل.”
وترصد الناشطة “انهيار النظام الإيراني حتى قبل الهجوم الإسرائيلي على إيران، ففي الأشهر الأخيرة، لم يكن هناك أي تطبيق من قبل السلطات أو هيئة الحياء. لم يعد أحد يهتم بملابس النساء، وأصبحت هناك مشاكل كثيرة، مثل التضخم، وانخفاض قيمة العملة، ونقص الطاقة الذي يتسبب في انقطاعات متكررة للكهرباء، واضطرابات في المدارس والمستشفيات ووسائل النقل والبنوك. وزيادة نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر.”
وبحسب تقديرات الإعلام الإسرائيلي، “هناك تمرد أو انقلاب يتولد، ويرصدونه يوميًّا، ومن ملامح الانهيار أن جميع وكلائه يتساقطون، دون أن يحرك ساكنًا لمساعدتهم. لا في لبنان، ولا في غزة، ولا في سوريا، ولا في اليمن، وها هو يجني ثمار ذلك.”
لكن صحيفة فاينينشال تايمز البريطانية تشير إلى واقع آخر، وتقول إن المجتمع الإيراني مستقطب بالفعل بين مؤيدي النظام ومعارضيه، وفي هذا البلد سيتردد النقاد الذين ألقوا باللوم على السلطات في صعوباتهم الاقتصادية في قول أو فعل أي شيء يمكن اعتباره دعمًا لإسرائيل. ففي العديد من المدن، خرج أنصار النظام إلى الشوارع في وقت متأخر من يوم الجمعة، احتفالًا بالضربات الانتقامية الإيرانية على إسرائيل.
وسائل الإعلام العبرية تركز على إبراز مظاهر الغضب الإيرانية في الشوارع ومواقع التواصل الاجتماعي
و قال أحمد “لقد كان من دواعي الارتياح رؤية جميع الإسرائيليين يفرون إلى الملاجئ هربًا من الصواريخ الإيرانية. يجب أن يعلموا أنهم لن ينتصروا علينا أبدًا بقتل قادتنا،” داعيًا إيران إلى مواصلة ضرب إسرائيل حتى “إبادتها الكاملة.”
والسبت، تم إرسال رسائل نصية إلى سكان طهران تدعوهم لحضور موكب عيد الغدير، التجمع العام السنوي، الذي يجذب عادةً حشودًا ضخمة مؤيدة للنظام، حيث يستغل النظام هذه المناسبة كعرض للدعم العام والشرعية.
وجاء في منشور على حساب إنستغرام للشاعر الإيراني البارز محمد رضا شافعي كدكاني. “إيران لا تسقط. إنها ترتعد، لكنها تنهض من رمادها كطائر الفينيق،” وقد حصدت هذه الرسالة الوطنية، عشرات الآلاف من الإعجابات والتعليقات من الموالين للنظام والمعارضين على حد سواء.
وقال محمد فاضلي، عالم اجتماع بارز، إن “حياته المهنية” كانت مكرسة لانتقاد “سوء الإدارة” في إيران وتذكر كيف أدت تعليقاته إلى فصله من منصبه كأستاذ جامعي. ومع ذلك، فقد دعا الآن إلى “التضامن الوطني” ضد “عدو أجنبي”. وكتب على إكس “يجب أن تبقى إيران، حتى نتمكن من السعي لبنائها من الداخل.”
ويلقي بعض معارضي النظام على مواقع التواصل الاجتماعي باللوم على عقود من السياسة الإقليمية “التدخلية” في الصراع الأخير. وقالت مريم 37 عامًا “انظر إلى سياساتهم الإقليمية وانظر كيفية معاملتهم لشعبهم. لقد تسببوا في مشاكل في كل ركن من أركان المنطقة. لماذا يحرضوننا ضد إسرائيل واليهود؟ لقد استفزوا شخصًا خطيرًا مثل نتنياهو لدرجة مهاجمتنا.”
وتساءلت الناشطة “لماذا نحتاج إلى تخصيب اليورانيوم؟ أين كهربائنا المولدة نوويًا؟ لقد استثمروا الكثير في الصواريخ والطاقة النووية. ماذا نحصل في المقابل؟ الحرب؟” معربةً عن أملها في أن تواصل إيران التفاوض مع الولايات المتحدة “لإنهاء هذه الفوضى أخيرًا.”
واستخدم نتنياهو الشعار الإيراني “المرأة، الحياة، الحرية” الذي يعود إلى الاحتجاجات التي اندلعت قبل ثلاث سنوات وحث الناس على الوقوف في وجه “نظامهم القمعي”، لكن ناشطات حقوق المرأة اتهمنه بالنفاق. وقالت ناستران، وهي مدافعة عن الحركة “إن هذا الشعار الذي يخرج من فم مجرم مثله لتحقيق مكاسب شخصية وسياسية يدمر معناه.”