ستيفاني ويليامز تحمل واشنطن والدبيبة وزر تعقيد الملف الليبي

طرابلس - كشفت المبعوثة الأممية السابقة إلى ليبيا، ستيفاني ويليامز في حوارٍ مطول، عن تفاصيل دقيقة لدور الولايات المتحدة "الغامض" في الأزمة الليبية، وراء كواليس المحادثات التي أجرتها بين الأطراف المتنازعة، لم تتردد في توجيه انتقادات لاذعة لرئيس الحكومة المنتهية ولايتها، عبدالحميد الدبيبة، متهمةً إياه بنكث تعهداته بشأن عدم الترشح لمنصبه، وهو ما وصفته بـ"الخيانة السياسية".
وتُسلط ويليامز في حوارها مع وكالة "نوفا" الإيطالية، مستندةً إلى كتابها الجديد، الضوء على ما وصفته بـ"الفوضى والارتباك العام" داخل الإدارة الأميركية خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى.
وكشفت عن أن هذا الارتباك، الذي تمثل في "انقطاع عميق وانعدام في التواصل بين البيت الأبيض والبنتاغون ووزارة الخارجية"، أدى، حسب ويليامز، إلى "الضوء الأخضر الشهير" لهجوم قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر على طرابلس في أبريل 2019.
وشددت على أن وزارتي الخارجية والدفاع لم تكونا على علم باتصال ترامب بحفتر، مشيرة إلى تأخير دام أربعة أيام بين المكالمة والبيان الرسمي، وهو أمر "لا يحدث أبدًا في واشنطن"، مؤكدةً أن هذه الفوضى، إلى جانب "ميل ترامب إلى نهج معاملاتي في السياسة الخارجية، أثارت مخاوف مشروعة بشأن الاتجاه الذي قد تتخذه السياسة الأميركية في ليبيا."
ولم يتوقف الدور الأميركي عند هذا الحد، إذ تشير ويليامز إلى "ضوء أخضر" ثانٍ من الولايات المتحدة في اتفاقية النفط "السرية" التي وُقّعت في يوليو 2022 في أبوظبي "بين عائلتي حفتر والدبيبة".
اعتبرت ويليامز أن استبدال مصطفى صنع الله على رأس المؤسسة الوطنية للنفط نتيجة لهذا الاتفاق، كان له "أثر مدمر على استقلالية المؤسسة وسلامتها، التي لطالما حظيت بحماية المجتمع الدولي واعتبرتها مقدسة". وأضافت أن هذا الاتفاق، الذي حظي "بموافقة ضمنية من البيت الأبيض"، خلق "وضعًا مقلقًا للغاية بشأن الشفافية والاستقرار الاقتصادي في البلاد"، وهو ما دفعها تحديدًا إلى ترك منصبها في الأمم المتحدة في يوليو 2022.
وجهت ويليامز انتقادا شديدا للقادة الليبيين أنفسهم، مشيرة بشكل خاص إلى أن رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة، خلال ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي نظمناه برعاية الأمم المتحدة، أعلن علنًا ورسميًا عدم ترشحه للرئاسة. بل وقّع إعلانًا رسميًا بذلك، إلا أنه بعد بضعة أشهر، نكث وعده ما يمثل خرقًا صارخًا. وقد اعتبر العديد من الليبيين هذا الخيار خيانة سياسية أضعفت عملية السلام وعرقلت الطريق نحو الانتخابات."
وتُمثل انتخابات 24 ديسمبر 2021 الفاشلة إحدى أكثر اللحظات حرجًا في تاريخ ليبيا الحديث. وتقول ويليامز "لقد حددنا مواعيد نهائية واضحة في إطار الحوار السياسي الليبي... وعندما اتضح أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق دستوري بحلول فبراير 2021، كان ينبغي على المجتمع الدولي التدخل فورًا. وكان عدم القيام بذلك خطأً استراتيجيًا فادحًا."
وأشارت إلى صعوبة الذهاب إلى صناديق الاقتراع دون إطار دستوري واضح يتناول "المسألة الشائكة المتعلقة بمعايير أهلية المرشحين للرئاسة"، وهي قضية "لم تُحل بعد" وتتمحور حول "شخصية واحدة في ليبيا وتتطرق إلى قضايا حساسة مثل الجنسية المزدوجة وإمكانية ترشح الضباط العسكريين في الخدمة".
من الأخطاء الجسيمة الأخرى، وفقًا لويليامز، "خيانة الصلاحيات التي منحها المنتدى للحكومة الجديدة. كان من المفترض أن تكون سلطة تنفيذية مبسطة... لم يكن من المفترض أن تتحول إلى نظام محاصصة تقليدي، وهو ما حدث بالضبط"، مما أضر بمصداقية العملية الانتقالية والشروط اللازمة لتصويت شامل وشفاف.
في قسمه الثالث، يتناول كتاب ويليامز القضايا الحاسمة التي لا تزال تعيق المصالحة الليبية، وهي: "غياب سياسة ملموسة لنزع سلاح الميليشيات وتسريحها وإعادة دمجها، وانتشار الهياكل الاقتصادية الريعية التي تغذي الصراعات المحلية، وفوق كل ذلك الإفلات الواسع النطاق من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان، والذي لا يزال سببًا رئيسيًا لاستمرار العنف."
كما أكدت ويليامز وجود "تضليل إعلامي مدمر" للمجتمع الليبي المنقسم بشدة حتى على الإنترنت، مع وجود "جيوش إلكترونية أجنبية حقيقية، بما في ذلك الروس والأتراك، منخرطة في خلق روايات متعارضة ومستقطبة".
واستذكرت مقتل النائبة سهام سرقيوة التي اختفت في بنغازي بعد حملة تشهير على وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفةً "لقد دار الصراع في ليبيا عبر الإنترنت بقدر ما دار على الأرض."
وقالت إن ليبيا "دولة فيسبوك"، حيث "نشرت جامعة ستانفورد تقريرًا معمقًا للغاية ... يحلل ليس فقط الوضع في ليبيا، بل أيضًا في سوريا والسودان، ويربط التضليل بشكل مباشر بشبكات يفغيني بريغوجين ... وكذلك بمصادر في دول الخليج ومصر وأماكن أخرى في المنطقة."
أعربت ويليامز عن إدانتها الواضحة للفرضيات التي انتشرت في الصحافة الدولية مؤخرًا حول اتفاق محتمل لنقل جزء من سكان غزة مؤقتًا إلى ليبيا.
وقالت "لا أتصور أن الشعب الليبي يقبل بمثل هذا الاتفاق. أي ليبي شارك حتى في هذا النوع من النقاش، في رأيي، سيُستبعد تلقائيًا من أي منصب مسؤول في البلاد." واعتبرت ويليامز أن هذه "مبادرة ساخرة وتجارية بحتة.
كما انتقدت ويليامز استخدام ليبيا كمنصة لرفض المهاجرين قائلة إنه "أمرٌ لا يقل خطورة"، مؤكدة أن "ليبيا ليست بلدا آمنا لأي مهاجر... لطالما عارضت الأمم المتحدة إعادة المهاجرين إلى ليبيا وإلى مراكز الاحتجاز تلك التي تُعتبر، بكل بساطة، جحيمًا على الأرض."
وانتقدت الدبلوماسية الأميركية إيطاليا لتركيزها المفرط على قضية الهجرة، بينما تميل فرنسا إلى النظر إلى ليبيا من منظور مكافحة الإرهاب، مشيرةً إلى إعادة إطلاق عملية برلين.
ترى ويليامز أن إحدى أهم القضايا الحرجة التي واجهتها المنطقة في الآونة الأخيرة تتعلق هي تهميش الملف الليبي في الأجندات الدولية، خاصة في عام 2019.
وقالت ويليامز "كانت المشكلة أن ليبيا لم تعد أولوية سياسية في جميع العواصم تقريبًا. غالبا ما كانت القرارات المتعلقة بالملف الليبي خاضعة لاعتبارات سياسية ثنائية مع جهات فاعلة رئيسية في المنطقة... أصبحت ليبيا عنصرًا ثانويًا في العلاقات الاستراتيجية الأوسع."
وشددت وليامز على ضرورة أن تعود ليبيا إلى صميم جدول الأعمال، مؤكدةً أن "اليوم، هناك فرصة حقيقية لإعادة ليبيا إلى صميم جدول الأعمال. هناك حاجة إلى التزام جاد ومنسق ودائم".
كما شددت على الدور الاستراتيجي لروسيا وتركيا، اللتين تعملان الآن في "نوع من السيادة المشتركة" على الأراضي الليبية، وهو وضع "هش وخطير"، رغم ضمانه هدوءًا نسبيًا.
وناشدت ويليامز بـ"قيادة أوروبية قادرة على اقتراح حلول شاملة وحقيقية، لا تراعي المصالح الآنية فحسب، بل تُعنى أيضًا بإحلال السلام الدائم والمستدام في ليبيا".