بداية غير موفقة للفيلق الأفريقي في منطقة الساحل

الفيلق الأفريقي، الذي خلف مجموعة فاغنر، لم يكد يستقر حتى واجه صدمة أولى من خلال مواجهات مع جهاديين أفضت إلى تكبيده خسائر في الأرواح والعتاد، بالرغم من الرهان الروسي عليه ليكون قوة فعالة تمثل البلاد بصفة معلنة بدل الرهان على المرتزقة.
الجزائر - اصطدم الفيلق الأفريقي، وهو الذراع العسكرية الروسية في منطقة الساحل، بأولى ردود الفعل الميدانية، حيث تلقى ضربة عسكرية من مسلحي الفصيل الجهادي جبهة تحرير أزواد، ما يبرز حجم التحديات العملية التي تنتظر الفصيل المسلح، والصعوبات التي تعتري دوره الجديد في المنطقة، بعد الإعلان عن استخلافه مجموعة فاغنر، مباشرة بعد إعلان انسحابها من مالي.
وأفاد بيان لجبهة تحرير أزواد، وقعه الناطق الرسمي محمد المولود رمضان، بأن “قوات الجيش المالي مدعومة بقوات الفيلق الروسي، قد تكبدت هزيمة جديدة في شمال البلاد، بعد الهجوم الذي نفذته قوات جبهة تحرير أزواد على رتل لتحالف الجيش المالي وقوات الفيلق الأفريقي، على المحور الرابط بين أغلهوك وأنفيف.” وأضاف “الرتل القادم من غاو نحو أغلهوك، كان يتشكل من 30 مركبة عسكرية، تتمثل في مدرعات، شاحنات نقل، شاحنات صهريج، مركبات من نوع (كيا)، آليات تجريف، ورغم التغطية الجوية فقد تم استهدافها طيلة ساعات الصباح (الجمعة).”
ولفت البيان إلى أن الهجوم أسفر عن مقتل وجرح عشرات الجنود من أفراد التحالف (الجيش المالي وقوات الفيلق الأفريقي)، وأن 15 جثة من هؤلاء بقيت في عين المكان، فضلا عن تدمير وتعطيل عدد من المركبات والآليات، كالدبابات والمدرعات وناقلات الجند.
وتأتي هذه المواجهة المفاجئة بعد مرور أيام قليلة على الإعلان عن قوات الفيلق الأفريقي الذي شكلته روسيا لاستخلاف مجموعة فاغنر من أجل دعم وتثبيت دعائم التحالف الإستراتيجي الذي تؤسس له في المنطقة، انطلاقا من شرق ليبيا إلى غاية بوركينا فاسو، الأمر الذي يبكر بطرح الاستفهامات حول جدوى وقدرة الفصيل المذكور على مساعدة جيوش الحكومات المحلية في القضاء على التنظيمات المسلحة المعارضة.
ويبدو أن سيناريو الهزيمة، التي منيت بها مجموعة فاغنر العام الماضي في منطقة تينزواتين على الحدود الجزائرية، يتكرر مع الفيلق الأفريقي، الذي يكون قد تلقى أولى الصدمات الميدانية مباشرة بعد تلقيه المهام الجديدة له، وهو ما يفتح المجال أمام منعطف مستجد في مسار الأذرع العسكرية الروسية في تجربتها الجديدة بأفريقيا، ويضعها على محك حقيقي لاختبار قدرات روسيا العسكرية داخل جغرافيا سياسية تختلف كثيرا عن تجاربها السابقة خارج أفريقيا.
◙ سيناريو الهزيمة، التي منيت بها مجموعة فاغنر العام الماضي في منطقة تينزواتين على الحدود الجزائرية، يتكرر مع الفيلق الأفريقي
وعوضا عن إرسال مرتزقة أو دعم أنظمة حليفة عبر شبكات غير رسمية، أنشأت موسكو ما يُعرف بـ”الفيلق الأفريقي”، وهو وحدة عسكرية خاضعة لسيطرة وزارة الدفاع ومرتبطة بالاستخبارات العسكرية الروسية، وتحديدا الوحدة 29155 ذات السجل الطويل في العمليات السرية بأوروبا.
وتشير التقارير إلى أن روسيا زوّدت هذا الفيلق أيضا بقدرات جوية، بعدما رُصدت طائرة هجومية من طراز “سو – 24” في قاعدة باماكو الجوية. ولتعزيز هذا الوجود شرعت موسكو في تجنيد مقاتلين من الداخل الروسي بعقود رسمية، تشمل رواتب تصل إلى 2.1 مليون روبل (نحو 26.500 دولار)، مع منح أراض ومكافآت.
وتلفت الباحثة كاثرين ستاسيفيتش إلى أن “الفيلق الأفريقي ليس مجرد بديل عن فاغنر، بل تطوير للنموذج. إنه يعكس رغبة الكرملين في تقنين وجوده وإخضاعه لهرم القيادة الرسمية. وبهذا يتحوّل الدور الروسي من مجرد داعم في نزاعات أفريقية إلى فاعل رئيسي يعيد هندسة النفوذ والسيادة.”
وتعيش مالي خلال الأيام الأخيرة على وقع تطورات متسارعة زادت من هشاشة الوضع في البلاد، خاصة بعد تسجيل تصاعد في أعمال تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين المقرب من القاعدة، حيث تقدمت المواجهات إلى تخوم العاصمة باماكو، كما دخل أعيان قبائل من المحايدين والموالين للحكومة المركزية في مفاوضات مع قادة التنظيم لتسليم سلاحهم مقابل ضمان أمن قبائلهم وعدم التعرض لمصالحهم.
وفي هذا الشأن نشرت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، في غضون هذا الأسبوع، مقاطع فيديو دعائية تُظهر 22 جنديا ماليا أسيرا، وهم يكشفون هوياتهم الكاملة بالصوت والصورة: الاسم، اللقب، والرقم العسكري. المقاطع، التي تداولتها المنصات الجهادية على شبكات التواصل الاجتماعي، جاءت ردا على ما أسمته بـ”مزاعم السلطة المالية عن محدودية الهجوم الذي استهدف وحداتها في منطقة بوليكسي.”
ويبدو أن التنظيم الذي يتماهى في غايته مع نشاط المجموعات المسلحة الانفصالية الأزوادية، قد انتقل من البيانات المكتوبة إلى الصوت والصورة والاعترافات الصوتية، من أجل التأثير على الرأي العام، وتهيئته لأي سيناريو يكرر تجربة عام 2012، حتى لو تحالفت الحكومة المركزية مع روسيا وقوى إقليمية أخرى، ووضعت فصيلا مسلحا في خدمة الجيش الحكومي.
وكانت تقارير محلية قد تحدثت خلال الأسابيع الأخيرة عن ارتباك داخل وحدات الجيش المالي، نتيجة غياب الانسجام والتكامل مع أفراد مجموعة فاغنر، مقابل دخول طرف مهم على خط المواجهة، وهو دولة أوكرانيا التي تكون قد زودت العناصر الأزوادية بمستشارين ميدانيين وطائرات مسيرة، ساعدت كثيرا في تحقيق توازن وحتى نتائج عملية على حساب تحالف مالي وفاغنر.
◙ لجوء روسيا إلى سحب مجموعة فاغنر، واستخلافها بالفيلق الأفريقي الغرض منه هو التحكم أكثر في الأوضاع العسكرية بالمنطقة
ورغم تضارب المعلومات في هذا الشأن، يؤكد دخول طائرات مسيرة في سلاح جبهة تحرير الأزواد في العديد من الهجمات فرضية دخول كييف على الخط، كانتقام منها على الحرب التي يشنها الروس على أراضيهم منذ ثلاث سنوات.
وذكر متابعون لشؤون المنطقة أن لجوء روسيا إلى سحب مجموعة فاغنر، واستخلافها بالفيلق الأفريقي، الأكثر عدة وعددا وتنظيما والواقع تحت الوصاية المباشرة لوزارة الدفاع، بقدر ما انطوى على دلالات سياسية وإستراتيجية، فإن الغرض منه هو التحكم أكثر في الأوضاع الأمنية والعسكرية بالمنطقة، تحسبا للمضي في إرساء قواعد التحالف الإستراتيجي، غير أن الخسائر المفاجئة تفتح المجال للتساؤل عن جدوى وقدرة الفصيل الروسي على مواجهة التحديات الجديدة.
وبالموازاة مع ذلك، فإن تصاعد نشاط تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، الطامح إلى توسيع نفوذه في عموم منطقة الساحل، قد يدرج المصالح الروسية كأهداف مشاعة لنشاطه، الأمر الذي يضع موسكو أمام تحد مفاجئ، فبعدما ظلت بعيدة طيلة العقود الأخيرة عن استهداف التنظيمات الجهادية، ستجد نفسها مجبرة على مواجهتها على مساحات واسعة، من آسيا إلى أفريقيا.
وعلى صعيد آخر نظم أمس السبت ناشطون ومناضلون أزواديون وقفة احتجاجية أمام محكمة العدل الدولية بلاهاي، للتعبير عن إدانتهم لما أسموه بـ”الجرائم والانتهاكات التي ينفذها الجيش المالي والفصائل العسكرية الروسية في حق المدنيين الأزواديين،” الأمر الذي يعتبر منعطفا جديدا في الصراع بين الطرفين، يضع روسيا أمام حرج سياسي وحقوقي حيال الرأي العام الدولي.
ومنذ عام 2012 تواجه مالي أعمال عنف تنفذها جماعات جهادية مرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، ومجموعات أخرى. وتأسست جبهة تحرير أزواد في العام الماضي وهي تحالف يضم عدة حركات مسلحة أغلبها من الطوارق.