الضربات الإسرائيلية على إيران تدفع دولا عربية لاتخاذ تدابير استثنائية

لندن - اتخذت دول عربية عدة إجراءات احترازية مكثفة تحسبًا لتصعيد إقليمي وشيك، في أعقاب الهجوم الإسرائيلي غير المسبوق على منشآت نووية وقادة عسكريين إيرانيين فجر الجمعة، والذي أطلقت عليه إسرائيل اسم "الأسد الصاعد".
وهذه الإجراءات شملت إيقاف حركة الطيران، والدعوة لمغادرة مناطق التوتر، وإغلاق مناطق حدودية، واعتراض مسيرات، وتقديم شكوى لمجلس الأمن.
وقامت وزارات الخارجية في عدد من الدول بإصدار تحذيرات لمواطنيها، إذ حثت وزارة الخارجية العمانية في بيان، مساء الجمعة "المواطنين الموجودين في المناطق المتوترة على توخي الحيطة والحذر فيما يتعلق بسلامتهم وأمنهم، وعلى مغادرتها متى ما سمحت الظروف بذلك"، داعية المواطنين الراغبين في السفر إلى تلك الدول (لم تسمها) إلى تأجيل سفرهم في الوقت الراهن.
كما أهابت الخارجية الكويتية، بمواطنها في مناطق التوتر بأخذ أقصى درجات الحيطة والحذر والعمل على مغادرة تلك المناطق متى سمحت الظروف في "تطورات الأوضاع في المنطقة"، بحسب بيان.
وشهدت عدة دول عربية تعليقا شاملا لحركة الطيران وإغلاقا مؤقتا لمجالها الجوي كإجراء وقائي.
وأعلنت وزارة النقل العراقية، في بيان، الجمعة، استمرار إيقاف حركة الطيران بشكل تام في جميع المطارات العراقية وإغلاق الأجواء العراقية بشكل مؤقت إلى إشعار آخر حفاظاً على سلامة المسافرين"، مرجعة ذلك إلى "التوترات الإقليمية".
كما قررت هيئة الطيران المدني الأردني، في بيان، إغلاق المجال الجوي للمملكة مؤقتا، تحسبا لتصعيد بالمنطقة.
وأعلنت هيئة الطيران المدني في سوريا، إغلاقا مؤقتا لأجواء البلاد، جراء المستجدات الإقليمية الراهنة عقب العدوان الإسرائيلي على إيران فجر الجمعة، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السورية "سانا" عن رئيس الهيئة أشهد الصليبي.
وأكد الصليبي، على أن "ذلك يأتي في إطار الإجراءات الاحترازية التي نتخذها لضمان سلامة حركة الطيران المدني، وسط المستجدات الإقليمية الراهنة".
كما أعلنت الخطوط الجوية السورية، توقف مؤقت لجميع الرحلات من وإلى الإمارات والسعودية، الجمعة، مرجعة ذلك إلى إغلاق الأجواء السورية والأردنية والعراقية نتيجة التوترات المستمرة في المنطقة، وفق "سانا".
وأوضحت الخطوط أنها "تتابع تطورات الوضع بشكل مستمر، وستقوم بالإعلان عن أي مستجدات تتعلق باستئناف الرحلات الجوية فور توفرها".
ولاحقا، أعلنت الخطوط الجوية السورية وقف جميع الرحلات الجوية التابعة لها مؤقتاً وحتى إشعار آخر "إلى حين تحسّن الأوضاع في المنطقة وعودة الأجواء إلى طبيعتها".
وأضافت في بيان نشرته وكالة "سانا" أن "هذا القرار يأتي حرصاً على سلامة الركاب والطواقم، وفي ظل الأوضاع المتوترة في المنطقة".
وأشارت إلى أنه "سيتم تحويل مسار الرحلة رقم RB444 القادمة هذه الليلة من إسطنبول إلى مطار حلب الدولي (شمال) بدلاً من مطار دمشق الدولي".
ولفتت إلى أنه "سيتم تأمين نقل الركاب الذين سيصلون مطار حلب إلى مدينة دمشق عبر حافلات مخصصة من قبل الشركة".
وعلى الصعيد الدبلوماسي، تقدمت وزارة الخارجية العراقية بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن ضد "خروقات الكيان الصهيوني لأجوائه واستخدامها في تنفيذ اعتداءات عسكرية في المنطقة"، مطالبة المجلس بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية لردع إسرائيل ومنع تكرار هذه الانتهاكات.
ولم تقتصر الإجراءات على الجانب الأمني والدبلوماسي، بل شملت أيضًا تدابير اقتصادية، فقد أعلنت وزارة البترول المصرية عن تفعيل خطة الطوارئ الخاصة بأولويات إمداد الغاز الطبيعي بعد توقف إمدادات الغاز من الشرق (الغاز الإسرائيلي).
وقررت الوزارة إيقاف إمدادات الغاز الطبيعي لبعض الأنشطة الصناعية ورفع استهلاك محطات الكهرباء من المازوت والسولار، كإجراء احترازي للحفاظ على استقرار شبكة الغاز الطبيعي وتجنب تخفيف أحمال شبكة الكهرباء.
وأفادت وزارة البترول المصرية، في بيان، بأنه "نظرًا للأعمال العسكرية التي نشبت بالمنطقة وتوقف إمدادات الغاز من الشرق (الغاز الإسرائيلي)، قامت وزارة البترول والثروة المعدنية بتفعيل خطة الطوارئ المعدة المسبقة الخاصة بأولويات الإمداد بالغاز الطبيعي".
وقررت الوزارة "إيقاف إمدادات الغاز الطبيعي لبعض الأنشطة الصناعية مع رفع استهلاك محطات الكهرباء للمازوت إلى أقصى كمية متاحة والتنسيق لتشغيل بعض المحطات بالسولار وذلك في إجراء احترازي حفاظًا على استقرار شبكة الغاز الطبيعي وعدم اللجوء لتخفيف أحمال شبكة الكهرباء، ترقبًا لإعادة ضخ الغاز الطبيعي من الشرق مرة أخرى".
على الصعيد الأمني، أغلق الأردن، الجمعة، "معبر جسر الملك حسين" (اللنبي من الجانب الإسرائيلي) الحدودي مع الضفة الغربية المحتلة أمام حركة السفر، في إجراء مماثل من جانب تل أبيب، وفق بيان للأمن العام.
ودعا البيان، مستخدمي الجسر إلى "عدم التوجه للمنطقة لحين إعلان إعادة فتحه أمام الحركة من جديد، توفيرا لوقتهم وجهدهم"، وفق البيان ذاته.
وأعلن الجيش الأردني، في بيان، اعتراض عدد من الصواريخ والطائرات المسيرة قال إنها دخلت مجاله الجوي، في ظل موجة من التوترات المتزامنة مع العدوان الإسرائيلي غير المسبوق على إيران.
وبينما لم يحدد الجيش مصدر الصواريخ والمسيرات، أكد عدم سماحه لاختراق أجوائه تحت أي ظرف أو تحويله لساحة صراع.
وقال إن "عملية الاعتراض جاءت استجابة لتقديرات عسكرية بحتمية سقوطها داخل أراضي البلاد ومنها مناطق مأهولة بالسكان ما قد يتسبب بخسائر"
وتزامن ذلك مع إعلان الجيش الأردني، في بيان الجمعة، تنفيذ سلاح الجو الملكي طلعات جوية مكثفة على طول الحدود، بهدف "بهدف مراقبة المجال الجوي ورصد أي محاولات اختراق من أي طرف كان، حفاظا على سيادة المملكة وسلامة مواطنيها".
وتعتبر الإجراءات الاحترازية المتخذة من قبل الدول العربية خطوات حكيمة وضرورية لحماية مصالحها الوطنية وتقليل المخاطر المباشرة على مواطنيها واقتصاداتها.
وهذه التدابير تهدف إلى تقليل الخسائر البشرية والمادية المباشرة في حال استمرار الضربات، كما تعكس هذه الإجراءات قلق الدول العربية البالغ من الوضع ورغبتها في عدم الانجرار المباشر إلى الصراع، خاصة الدول غير المطلة مباشرة على مناطق الاشتباك الرئيسية.
ومع ذلك، يرى محللون أن هذه الإجراءات، وإن كانت مهمة، قد لا تكون كافية بمفردها لاحتواء تصعيد واسع النطاق إذا قررت الأطراف الرئيسية (إسرائيل وإيران والولايات المتحدة) المضي قدمًا في مسار التصعيد.
الصراع بين إسرائيل وإيران ليس صراعا حدوديا تقليديا يمكن احتواؤه بإجراءات وقائية بسيطة، بل هو صراع جيوسياسي معقد يتعلق ببرامج نووية ونفوذ إقليمي وأمن قومي، فيما يعود قرار التصعيد أو التهدئة في المقام الأول إلى إسرائيل وإيران، وبدرجة كبيرة إلى الولايات المتحدة.
وحتى لو لم تُستهدف الدول العربية مباشرة، فإن أي تصعيد كبير في المنطقة سيؤثر حتمًا على حركة التجارة، وأسعار النفط، السياحة، وثقة المستثمرين، مما سيخلق ضغوطًا اقتصادية كبيرة.
وفي خضم أي صراع كبير، قد تظهر تهديدات غير متوقعة أو "حوادث" يمكن أن تؤدي إلى توسيع نطاق الصراع بشكل يصعب احتواؤه.
وفجر الجمعة، أطلقت إسرائيل هجوما واسعا على إيران بأكثر من 200 مقاتلة، أسمته "الأسد الصاعد"، وقصفت خلاله منشآت نووية بمناطق مختلفة واغتالت كبار القادة العسكريين والعلماء النوويين الإيرانيين، في أكبر ضربة تطال البنية القيادية للنظام منذ سنوات.
ووفق وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء (خاصة) قتل 6 علماء نوويين في الهجوم وهم عبدالحميد منوشهر، وأحمد رضا ذوالفقاري، وأمير حسين فقهي، ومطلب زاده، ومحمد مهدي طهرانجي، وفريدون عباسي.
وأفاد التلفزيون الإيراني أن الموقع الرئيسي لتخصيب اليورانيوم في نطنز "ضُرب عدة مرات"، مشيراً في الوقت ذاته إلى "عدم رصد أي تلوث نووي حتى الآن".
وامتدت الهجمات إلى مدينتي تبريز شمال غربي البلاد، وكرمنشاه جنوب غربي إيران، في مؤشر إلى اتساع نطاق العملية العسكرية.
وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في مؤتمر صحافي إن "هدف العملية غير المسبوقة هو ضرب البنية التحتية النووية الإيرانية ومصانع الصواريخ البالستية والعديد من القدرات العسكرية".
بالمقابل، توعد المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي - برسالة وجهها إلى شعبه - إسرائيل، بـ"عقاب صارم"، ردا على الهجمات.