تعطلت أجنحة الحرب بالوكالة: حزب الله والصدر ينأيان بالنفس عن الحرب

بيروت/بغداد – وجدت إيران نفسها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل بعد أن فقدت فاعلية أذرعها وتعطّلت ميكانيزمات بالوكالة نجحت في إرسائها في السنوات الأخيرة، في وقت أعلن فيه حزب الله الذي تلقى ضربات مؤلمة أنه لا يفكر بالرد بدلا من إيران، ونأى زعيم التيار الصدري مقتدى الصدري بنفسه وبالعراق عن حرب إيران مع إسرائيل.
ومهّدت إسرائيل لهجومها منذ خريف العام 2023 عبر تفكيك قدرات المجموعات الموالية لطهران، لاسيما حركة حماس وحزب الله اللبناني، مستهدفة قادتها وأسلحتها النوعية وطرق إمدادها الحيوية. كما أضعفت الحوثيين عبر سلسلة من الضربات، فيما باتت الميليشيات العراقية التابعة لإيران مهووسة بالتخفي لتجنب الضربات التي تلقاها حزب الله وقادته.
وقال مسؤول في حزب الله الجمعة لرويترز، إن الجماعة لن تشنّ هجوما منفردا على إسرائيل ردا على غاراتها على إيران، في رسالة واضحة على أن الحزب بات عاجزا عن الرد وأن الأولوية حاليا هي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من كادر الحزب ومقاتليه، في وقت يعتقد فيه مراقبون أن إسرائيل تضع الحزب تحت رقابة مشدّدة، وأن أي محاولة لتجميع القدرات أو التهيؤ لتنفيذ هجمات فسيكون الرد قويا مع نجاح إسرائيل في اختراق الحزب ومحيطه بشكل واسع، وفي ضوء تراجع الثقة بالحزب في الداخل اللبناني، وخاصة في حاضنته الشيعية.
إسرائيل تضع حزب الله تحت رقابة مشدّدة، وأي محاولة لتجميع القدرات أو التهيؤ لتنفيذ هجمات فسيكون الرد قويا
ولطالما شكّل حزب الله المجموعة الأكثر نفوذا في ما يعرف بـ”محور المقاومة” الذي تقوده طهران. لكنه مُني بضربات قاسية خلال المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، على خلفية فتحه في الثامن من أكتوبر 2023 جبهة إسناد من جنوب لبنان، دعما لحليفته حماس في غزة.
وخرج الحزب من حربه الأخيرة التي أعقبت أكثر من عام من تبادل القصف عبر الحدود اللبنانية – الإسرائيلية ضعيفا، حيث قضت إسرائيل على أبرز قادته على رأسهم الأمين العام السابق حسن نصرالله، دمّرت جزءا كبيرا من ترسانته العسكرية وقطعت طرق إمداده التقليدية، خصوصا من سوريا المجاورة بعد إطاحة حكم الرئيس المخلوع بشار الأسد.
ويعرب الباحث في “أتلانتيك كاونسل” نيكولاس بلانفورد لوكالة فرانس برس عن اعتقاده بأن “حزب الله لن يردّ في هذه المرحلة” رغم أن ذلك “قد يتغير تبعا لتطورات الأمور”.
ويوضح “أعتقد أن قوة ردع حزب الله قد تزعزعت خلال الحرب. لكنه مازال في وضع يخول له إلحاق الضرر بإسرائيل”، بعدما “احتفظ بقدرات كافية للقيام بذلك”.
لكن الأمر ليس بهذه السهولة. ويشرح بلانفورد “سيكون من الصعب عليهم سياسيا فعل ذلك.. لقد تغيرت الديناميكيات منذ الحرب” مع إسرائيل.
وفي الوقت الذي تنتظر فيه إيران تحركات ملموسة لأذرعها في العراق، برز زعيم التيار الصدري بموقف مغاير تماما، حيث قال إن “العراق وشعبه ليسا بحاجة إلى حروب جديدة”.
ودعا الصدر في تغريدة على إكس إلى “كتم الأصوات الفردية الوقحة.. والإصغاء إلى صوت الحكمة وصوت العلماء الأعلام”، في دعوة واضحة إلى عدم الاهتمام بما يقوله حلفاء إيران من دعوة إلى جرّ العراق إلى المواجهة دفاعا عن إيران.
ويدعم كلام الصدر توجها عاما عراقيا للنأي بالنفس عن حسابات إيران الإقليمية، ما قد يجر العراق إلى حرب لا مصلحة له فيها.
ولا يعرف إن كان ما يزال بإمكان إيران أن تنقل الحرب إلى أراضي العراق بدلا من أراضيها في وقت يتزامن مع انكفاء الفصائل العراقية الحليفة لها وتواري قياداتها وتلطيف خطابها لقناعتها بأن ضربات إسرائيلية أو أميركية مفاجئة ودقيقة يمكن أن تذهب بالمكاسب التي حُقّقت منذ غزو 2003.
ولطالما مثل الصدر ورقة مهمّة في أجندة إيران بالعراق رغم الخلاف مع شخصيات أخرى معروفة بولائها التام لإيران. وانسحابه من صفها في هذا الوقت قد يحوله إلى خصم لطهران وأذرعها وقد يحد من شعبيته بين الشيعة الموالين لها، لكن موقفه يوجّه ضربة قوية لنفوذها في العراق.
وبعد إضعاف حزب الله وحماس ثم الإطاحة ببشار الأسد، يبدو الحوثيون في اليمن اليوم وكأنهم آخر ركائز “محور المقاومة” في مواجهة إسرائيل.
ومنذ بدء الحرب في غزة، أطلق الحوثيون، الذين أكدوا الجمعة حق طهران “المشروع في الرد بكل الوسائل”، العشرات من الصواريخ والمسيّرات في اتجاه إسرائيل. واستهدفوا سفنا قالوا إنها مرتبطة بها أو متجهة إلى موانئها.
ولم تتمكن إسرائيل والولايات المتحدة من وقف تلك الهجمات رغم الضربات المتعددة العنيفة التي نفذتها ضد مواقع المتمرّدين في اليمن.
ومع تعهدهم بمواجهة إسرائيل بات الحوثيون قوة “لا غنى عنها” وذات أهمية كبرى بالنسبة إلى طهران. ويقول بلانفورد “أتوقع أن يرد الحوثيون بسرعة (على إسرائيل)، فهم لم يتأثروا تقريبا بالتطورات الأخيرة”.