قلق في الخليج من تداعيات الصراع الإسرائيلي - الإيراني على استقرار المنطقة

طهران وقعت أخيرا في محذور ما نبّهت بلدان خليجية لخطورته منذ سنوات طويلة.
السبت 2025/06/14
عامل المفاجأة ضاعف من وقع الضربة

الهجوم الإسرائيلي المباغت على إيران وضع منطقة الخليج شديدة الأهمية الإستراتيجية لمختلف بلدان العالم أمام محذور التحوّل إلى بؤرة للتوتّر وعدم الاستقرار في تجسيد عملي لما كانت البلدان العربية في تلك المنطقة قد حذّرت منه الجمهورية الإسلامية على مدى سنوات طويلة، داعية إياها إلى تغيير سياساتها المثيرة للقلاقل والصراعات التي ظنت طهران أنّها ستظل على الدوام قادرة على تصديرها إلى الخارج والإبقاء عليها بعيدا عن حدودها.

الرياض- أثارت العملية العسكرية الإسرائيلية المفاجئة ضدّ إيران حالة استثنائية من القلق في منطقة الخليج نظرا للتماسّ الجغرافي والترابط المكاني بين البلدان العربية في تلك المنطقة والجمهورية الإسلامية التي حوّلها الهجوم الإسرائيلي المباغت إلى بؤرة توتّر ملتهبة في قلب منطقة عالية الأهمية الإستراتيجية للعالم بأسره يجتمع فيها ويتشابك كم هائل من المصالح الكبيرة لبلدانه يتأسس أغلبها على ما تنتجه تلك المنطقة وتصدّره من نفط وغاز.

وجاء تفجّر هذا الصراع الكبير بمثابة تجسيد عملي لما حذّرت منه بلدان خليجية، وعلى مدى سنوات طويلة، جارتها إيران من خطورة سياساتها الخارجية المثيرة للقلاقل والتوتّرات التي كانت تتركز من قبل في بلدان تتخذ منها طهران جبهات متقدمة لخوض صراعاتها بالوكالة عن طريق أذرع لها هناك على غرار لبنان وسوريا والعراق واليمن والأراضي الفلسطينية، قبل أن تقوم إسرائيل هذه المرّة بنقل الشرارة إلى داخل إيران نفسها.

صنم وكيل: دول الخليج تواجه مخاطر حقيقية ويجب أن تلعب أوراقها بحذر

كما جاء مضادّا بشكل كامل لما سعت إليه المملكة العربية السعودية من تهدئة شاملة في المنطقة بهدف تبريد الصراعات وخفض التوترات لإيجاد الأرضية المناسبة لتسريع التنمية وتنفيذ برامج الإصلاح والتطوير بالغة الطموح، وبذلت لأجله جهودا كبيرة وبادرت إلى التصالح مع إيران نفسها متجاوزة على أخطائها بحق بلدان جوارها العربي، وصولا إلى إتاحة فرصة للسلام مع جماعة الحوثي الذراع اليمنية للإيرانيين.

وقال كريم بيطار الباحث في معهد العلوم السياسية في باريس، إن “دول الخليج باتت تدرك أن هذه الهجمات قد تقوّض مصالحها الاقتصادية وتزعزع استقرار المنطقة بأكملها”، موضحا أن الموقف القائم حاليا يشكل “تحولا ملحوظا مقارنة بما كانت عليه المنطقة قبل نحو عشر سنوات، حين كانت السعودية تحضّ الولايات المتحدة على ضرب إيران.”

ورأت الباحثة في معهد تشاتام هاوس البريطاني صنم وكيل لوكالة فرانس برس أن دول الخليج “تواجه مخاطر حقيقية ويجب أن تلعب أوراقها بحذر.”

وخالف التحرّك العسكري الإسرائيلي ضدّ طهران، أيضا، ما بذلته سلطنة عُمان من جهود كبيرة لتفادي الحل العسكري لقضية النووي الإيراني بتأطيرها ورعايتها مفاوضات بين طهران وواشنطن أملا في تكرار الإنجاز الذي كانت مسقط بحدّ ذاتها قد وقفت وراءه والمتمثّل في التوصل سنة 2015 إلى اتّفاق بين طهران وعواصم غربية بشأن البرنامج النووي لإيران.

وقال الخبير في شؤون الشرق الأوسط أندرياس كريغ إن السعودية ودولا خليجية أخرى “استثمرت جهودا كبيرة في سبيل بناء مقاربة إقليمية تشمل إدماج إيران”، مشيرا إلى الدعم الخليجي للمساعي العُمانية منذ أبريل للتوصل إلى تفاهم بشأن الملف النووي.

وجاء الهجوم الإسرائيلي على إيران بينما تتواصل الجهود العمانية لتقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن الأمر الذي أثار استياء السلطنة التي أدانت الهجوم، مبينةً أنه يأتي في توقيت بالغ الحساسية تتكثف فيه الجهود الدولية لاستئناف المفاوضات النووية بين طهران وواشنطن.

وقالت وزارة الخارجية العمانية في بيان إنّ “سلطنة عمان تعبر عن إدانتها الشديدة للعدوان العسكري الغاشم الذي شنّته إسرائيل على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي استهدف منشآت سيادية وأوقع ضحايا.”

وأضاف البيان “تعتبر سلطنة عمان هذا العمل تصعيدا خطيرا ومتهورا يشكل انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، ويمثل سلوكا عدوانيا مرفوضا ومستمرا يقوّض أسس الاستقرار في المنطقة.”

وأردف أن “هذا الاعتداء يأتي في توقيت بالغ الحساسية، تتكثف فيه الجهود الدولية لاستئناف المفاوضات النووية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة.”

وكانت عمان قد أعلنت الخميس وقبل ساعات من بدء الهجوم الإسرائيلي على إيران أن مسقط ستستضيف الأحد المقبل الجولة السادسة من محادثات واشنطن وطهران بشأن برنامج إيران النووي.

وأثار الهجوم الإسرائيلي أيضا امتعاض السعودية التي عبّرت على لسان وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان عن رفضها استخدام القوة، مؤكّدة على وجوب اعتماد الحوار لمعالجة الخلافات.

وذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس” أن الأمير فيصل أعرب في اتصال هاتفي أجراه الجمعة مع وزير خارجية إيران عباس عراقجي “عن إدانة الاعتداء الإسرائيلي السافر على أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية”، مؤكدا “رفض استخدام القوة، وضرورة اعتماد الحوار لمعالجة الخلافات”، مشيرا إلى أن “أن الهجوم الإسرائيلي يعرقل الجهود الرامية لخفض التصعيد والتوصل إلى حلول دبلوماسية.”

وسارعت دولة الإمارات من جهتها إلى التعبير عن إدانتها بأشد العبارات للاستهداف العسكري الإسرائيلي الذي تعرضت له إيران، وعبرت عن قلقها العميق إزاء استمرار التصعيد وتداعياته على الأمن والاستقرار في المنطقة.

كريم بيطار: دول الخليج باتت تدرك أن هذه الهجمات تزعزع استقرار المنطقة بأكملها

وأكدت الخارجية الإماراتية، في بيان لها، أهمية ممارسة أقصى درجات ضبط النفس والحكمة لتجنب المخاطر وتوسيع رقعة الصراع.

وحذت الكويت حذو السعودية والإمارات وعمان في إدانتها للهجوم الإسرائيلي على إيران، حيث أعربت وزارة الخارجية الكويتية عن استنكار دولة الكويت الشديد لذلك الهجوم واصفة إياه بالانتهاك الصارخ لكافة القوانين والمواثيق الدولية، بالاعتداء السافر على السيادة الإيرانية محذرة من تبعاته على أمن واستقرار المنطقة.

وقالت الوزارة الجمعة في بيان صحافي “جددت دولة الكويت دعوتها للمجتمع الدولي، وعلى وجه الخصوص مجلس الأمن، إلى تحمل مسؤولياتهما في وقف هذه الانتهاكات بما يحفظ أمن واستقرار المنطقة.”

وعبّرت قطر من جهتها عن إدانتها الشديدة واستنكارها البالغ للهجوم الإسرائيلي الذي استهدف إيران، واعتبرته “انتهاكا صارخا لسيادة إيران وأمنها، وخرقا واضحا لقواعد ومبادئ القانون الدولي.”

وأعربت عن “بالغ قلقها إزاء هذا التصعيد الخطير، الذي يأتي في سياق نمط متكرر من السياسات العدوانية التي تهدد أمن واستقرار المنطقة، وتعرقل الجهود الرامية إلى خفض التصعيد والتوصل إلى حلول دبلوماسية”، وفقا لوكالة الأنباء القطرية الرسمية قنا.

ولم تخرج مملكة البحرين عن سياق الموقف الخليجي الرافض للخطوة الإسرائيلية، وذلك على الرغم من أنّ المملكة تعتبر من البلدان التي استُهدفت بشكل مباشر في أمنها واستقرارها من قبل الإيرانيين الذين سعوا في سنوات سابقة إلى تفجير اضطرابات داخلها مستغلين آنذاك وجود معارضة بحرينية مقامة على أسس طائفية شيعية.

وأدانت المنامة، في بيان صدر الجمعة عن الخارجية البحرينية الهجوم الذي شنّته إسرائيل على إيران، محذرة من تداعياته الخطرة على الأمن والاستقرار الإقليمي.

وقالت الوزارة في بيانها إن المملكة تدعو إلى وقف التصعيد العسكري فورا والتهدئة وضبط النفس وخفض حدة التوتر لتجنيب المنطقة وشعوبها انعكاساته على الاستقرار الإقليمي والأمن والسلم الدوليين، مؤكدة موقف البحرين الثابت والداعي إلى حل الأزمات عبر الحوار والوسائل الدبلوماسية.

3