مصر تستعين بأراضي الدولة لخفض مستوى الدين العام

تواصل السلطات المصرية عزمها على إيجاد حلول مبتكرة ومستدامة من أجل مواجهة تحديات الديون، وتدرس وزارة المالية حاليا استخدام قطعة أرض في منطقة رأس شقير على البحر الأحمر، كأصل لتسديد الدين الناشئ عن إصدار صكوك جديدة.
القاهرة - قررت الحكومة المصرية الاستعانة بأراض مملوكة للدولة كضمانة لإصدار صكوك سيادية، وهي جزء من خطة أوسع تهدف إلى تقليل أعباء الدين العام، وتعزيز الاستثمارات الأجنبية في البلاد.
وتكمن أهمية الخطوة في أنها تعكس حسن الاستفادة من الأصول العامة،وتنويع أدوات التمويل التي تعتمد عليها الدولة، ما يترتب عليه تخفيف أعباء خدمة الدين العام، وتشكل أحد أكبر التحديات التي تواجه الاقتصاد في الوقت الحالي. وتم تخصيص أرض رأس شقير، والبالغة مساحتها 174 مليون متر مربع، لصالح وزارة المالية بموجب القرار الجمهوري رقم 299 لسنة 2025.
ومن المقرر أن تستخدم الأرض كأصل أساسي ضمن برنامج التصكيك الجاري الإعداد له، وهي من الأصول العامة التي يمكن استخدامها كضمان مالي لتخفيض الدين العام بإصدار الصكوك، ويتم تحويل الإيرادات المتوقعة من استغلال هذه الأرض إلى أداة تمويل يتم توريقها.
وتتمثل أهمية الخطوة في أنها تأتي في إطار خطة مصر لتحسين إدارة أصول الدولة واستخدامها بشكل أكثر كفاءة لدعم الاقتصاد، وتخفيف أعباء الديون التي تتزايد بشكل مستمر.
وتستهدف المبادرة تحسين صورة الاقتصاد المصري في أعين المستثمرين المحليين والأجانب، وتوفير مصدر تمويل مستدام للقطاع العام. ويعد القرار الخاص باستخدام الأراضي كضمانة لإصدار الصكوك السيادية جزءًا من خطة أكبر ترمي إلى تعزيز قدرة مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وتأمل القاهرة في إعادة إنتاج قصة نجاح صفقة رأس الحكمة التي شكلت سابقة في مجال جذب الاستثمارات الأجنبية ودعم الاقتصاد، وتمت بالتعاون مع دولة الإمارات.
ورغم التحديات التي يواجهها البلد، إلا أن صفقات مثل رأس الحكمة ورأس شقير تؤكد وجود فرص كبيرة في قطاعات مختلفة، إذا تم استغلال الأصول بشكل إستراتيجي ومدروس. ومع إصدار الصكوك، تفتح القاهرة الباب أمام القطاع الخاص والمستثمرين المحليين والدوليين للمشاركة في مشاريع الإنتاج والتنمية التي قد تستفيد من هذه الأراضي.
ويشير محللون إلى أن هذه الصكوك ستساعد في توفير الأموال اللازمة للمشاريع الوطنية، وتعزز الاقتصاد بشكل عام، بما في ذلك تحسين فرص العمل وتحفيز النمو في قطاع الإنشاءات والبنية التحتية.
والخطوة جزء من سياسة الحكومة الرامية إلى تخفيف الاعتماد على أدوات الدين التقليدية التي تحمل تكاليف مرتفعة، وتسعى إلى تنشيط أدوات التمويل الإسلامي، والتي تزايد إقبال المؤسسات المالية عليها في الآونة الأخيرة.
ويلعب توافق الصكوك مع الشريعة الإسلامية دورًا حاسمًا في جذب مجموعة واسعة من المستثمرين، بما في ذلك مؤسسات مالية إقليمية ودولية تفضل هذه الأدوات من حيث الشفافية والتوافق مع المبادئ الدينية.
ومن خلال استخدام الأراضي كضمان لهذه الصكوك، تسعى القاهرة لجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والخارجية التي تبحث عن فرص آمنة ومربحة أيضا. ويعكس هذا التوجه رغبة الحكومة في تنويع مصادر التمويل بعيدًا عن أدوات الدين التقليدية، للحد من تأثير الأعباء المالية المرتبطة بالاقتراض التقليدي.
وقال الخبير الاقتصادي المصري مدحت نافع لـ”العرب” إن القرار الذي تم اتخاذه يحمل دلالات إيجابية، ولا يجب النظر إليه عبر عدسة التشكيك التي ظهرت مؤخرًا.
4
مليارات دولار قيمة البرنامج التمويلي الذي تستهدفه الحكومة بطرح صكوك سيادية
وأوضح أن وزارة المالية تمتلك السلطة لإدارة الأصول التي تعود ملكيتها إلى الدولة بشكل خاص، مثل الأسهم التي تمتلكها في شركات قطاع الأعمال العام، وأن المنتج المالي الذي ورد في القرار يمثل خطوة إيجابية نحو الاستفادة من الأصول دون التفريط فيها أو بيعها أو إهلاكها.
ومعروف أن الصكوك بأنواعها، تعمل على توريق إيرادات استغلال الأصول واستثمارها، دون أن تمنح المكتتبين فيها حق ملكية الأصل، تماماً كما هو الحال مع سندات الإيراد.
وإلى جانب استخدام الأراضي في إصدار الصكوك السيادية المحلية، تنوي وزارة المالية إصدار صكوك سيادية في الأسواق الدولية بقيمة مليار دولار خلال أسبوعين. ويشكل الإصدار جزءا من برنامج تمويلي معتمد بقيمة 4 مليارات دولار، وتم تنفيذ شريحة أولى منه بقيمة ملياري دولار عبر إصدار سندات يوروبوند في يناير الماضي.
وهذا الإصدار جزء من إستراتيجية الوزارة لتعزيز الاحتياطي النقدي وتوفير السيولة الأجنبية التي تحتاجها الدولة لتلبية احتياجات الموازنة العامة. ومن المنتظر تنفيذ طرح آخر قبل نهاية العام المالي الجاري، ويستهدف توفير الأموال اللازمة لتمويل العجز في الموازنة العامة، والتخفيف من الضغط على سوق الصرف.
وأكد الخبير الاقتصادي المصري ياسر عمارة أن أيّ دولة ترغب في إصدار صكوك إسلامية يجب أن تقوم بتخصيص أرض أو أصول عقارية لصالح وزارة المالية، بحيث تستخدم هذه الأصول كضمان مخصص لتسديد الديون المرتبطة بتلك الصكوك. وأضاف في تصريحات لـ”العرب” أن هذه الخطوة تعد ضرورية لضمان الجدية والشفافية في عملية إصدار الصكوك.
ولفت إلى أن الصكوك الإسلامية تختلف بشكل كبير عن السندات التقليدية، وتتطلب أن تكون مدعومة بأصل حقيقي مثل العقارات أو الأراضي، وفقًا لأحكام الشريعة التي تحرص على أن تكون العمليات المالية متوافقة مع المبادئ الإسلامية.
وأوضح أن وجود هذه الضمانات يساهم بشكل كبير في تقليل الفوائد التي تتحملها الدولة عند الاقتراض عبر الصكوك، ما يجعلها وسيلة أكثر كفاءة وموثوقية للمستثمرين، خاصة في ظل التقلبات الاقتصادية.
وتحتاج الحكومة إلى تعزيز الترويج لهذه الأدوات المالية الجديدة، وتوفير ضمانات قوية للمستثمرين المحليين والدوليين لزيادة الثقة بالنظام المالي، كما أن الصكوك سوف تساهم في تحقيق الاستقرار المالي من خلال توفير التمويل اللازم لتنفيذ مشاريع التنمية الكبرى.
وتسعى وزارة المالية إلى تطوير أداة الدين العام بما يتماشى مع أفضل الممارسات العالمية، وهذا يشمل توظيف أصول الدولة غير المستغلة في توفير تمويل مستدام يساعد في تسديد الديون العامة.
وباستخدام الأراضي والموارد الأخرى كضمانات، تتمكن الدولة من تقليل تكاليف الاقتراض، حيث يتيح هذا النوع من التمويل للدولة الاستفادة من الأصول العامة دون الحاجة إلى بيعها أو التفريط في ملكيتها.
وتعتمد الحكومة في هذه الإستراتيجية على مبدأ مهم، وهو الحفاظ على ملكية الأصول العامة بينما تسعى لتوليد العوائد المالية اللازمة لدعم النمو الاقتصادي.
كما توفر عبر إصدار الصكوك المدعومة بالأراضي، فرصة جيدة للمستثمرين للحصول على عوائد ثابتة، والحفاظ على أصول الدولة في ملكيتها.
ورغم الفوائد المحتملة التي توفرها هذه المبادرات، إلا أن هناك تحديات قد تواجهها الحكومة في طريق تنفيذ هذه الخطوات، مثل صعوبة جذب الاستثمارات الخارجية بسبب الأوضاع العالمية والإقليمية. ويرى خبراء أنه يجب أن يتم تنفيذ هذه الصكوك بشكل شفاف ومتقن، وأن تضمن الحكومة للمستثمرين استرداد أموالهم باستغلال الأصول بفاعلية.