المنفي والدبيبة يعيدان رسم خارطة الأمن في طرابلس لترسيخ نفوذهما

قرار المنفي والدبيبة بحظر المظاهر المسلحة وتولي وزارة الداخلية المهام الأمنية تشير إلى مناورة سياسية معقدة لإحكام قبضتهما على العاصمة عبر ميليشيات مقنعة بالشرعية
الخميس 2025/06/12
الدبيبة والمنفي يقودان طرابلس إلى المجهول

طرابلس – يثير قرار رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي الأربعاء بحظر المظاهر المسلحة بالعاصمة طرابلس تزامنا مع إعلان رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، عن استعداد وزارة الداخلية لتولي المهام الأمنية الشكوك حول نواياهم الحقيقية، ويوحي بتنسيق مسبق ليس هدفه الأول فرض القانون، بل إعادة ترتيب المشهد الأمني لخدمة أجندتيهما.

ونصّ قرار المنفي الذي جاء بعد مفاوضات أجراها مع عدد من الأجهزة الأمنية والعسكرية، على أن تتولى مديرية أمن طرابلس والشرطة العسكرية ضبط وفرض الأمن داخل العاصمة.

وقبل ساعات، كشف الدبيبة عن استعداد وزارة الداخلية لاستلام كامل المهام الأمنية في العاصمة طرابلس ومواقعها الحيوية كافة، مؤكدا أن هذه الخطوة تأتي ضمن خطة شاملة تهدف إلى إنهاء وجود التشكيلات المسلحة الخارجة عن مؤسسات الدولة.

وقال الدبيبة خلال لقائه مع المبعوثة الأممية هانا تيته إن هذه الإجراءات تأتي في إطار الترتيبات الأمنية والعسكرية التي يشرف عليها المجلس الرئاسي.

وأوضح أن الخطة تنص على انسحاب شامل وفوري لكافة التشكيلات المسلحة من العاصمة إلى معسكراتها المخصصة، واصفا هذه الخطوة بـ"المشروع الوطني" الذي يهدف إلى تمكين الأجهزة الأمنية الرسمية من بسط سيطرتها الكاملة وتأدية مهامها في حفظ الأمن والنظام العام.

وأشار إلى الدور المحوري للمجلس الرئاسي في الإشراف على تنفيذ هذه الخطة، معبرا عن تقديره للتنسيق القائم بين المجلس والحكومة، ومؤكدا أن العمل مستمر حتى استكمال تنفيذ الخطة بشكل كامل.

وتأتي تحركات المنفي والدبيبة بعد اجتماع عقده الأخير مع "أمراء حرب" وقادة ميليشيات موالية لسلطته من مسقط رأسه مصراتة، وهو الاجتماع، الذي كشفت تقارير إعلامية عن توصله إلى اتفاق على تفكيك ودمج التشكيلات المسلحة وتأمين المنشآت الحيوية، هو في الواقع محاولة لشرعنة نفوذ ميليشيات معينة على حساب أخرى، واستيعابها ضمن هياكل صورية لتعزيز قبضته.

وهذا التكتيك لا يُفهم على أنه "فرض لسلطة الدولة" بل هو تدجين للميليشيات لتكون أداة طيعة في يد الدبيبة، مما يضمن له البقاء في السلطة ويُقصي أي تشكيلات مسلحة قد تُشكّل تهديدا لنفوذه.

وقرارات المنفي والدبيبة، رغم لغتها الرسمية التي تتحدث عن "إخلاء العاصمة من المظاهر المسلحة" و"تعزيز سلطة الدولة"، تبدو وكأنها تستغل الفوضى الأمنية الأخيرة التي شهدتها طرابلس لفرض واقع جديد يخدم مصالحهما.

فالاشتباكات الدامية التي اندلعت منتصف مايو الماضي، إثر مقتل عبدالغني الككلي، قائد جهاز "دعم الاستقرار"، المعروف بـ"غنيوة" وامتدادها إلى أحياء رئيسية طالت محيط مقر الحكومة، وأدت إلى تدهور كبير في الوضع الأمني، بما في ذلك فرار سجناء وارتفاع منسوب القلق بين السكان، وفرت الذريعة المثالية لهذه التحركات.

ويأتي قرار المنفي في سياق يغيب فيه الإطار القانوني الشامل والشفاف للتعامل مع التشكيلات المسلحة، وبالمثل، خطة الدبيبة لانسحاب التشكيلات المسلحة إلى معسكراتها المخصصة ليست بالجديدة، وقد فشلت محاولات مماثلة في الماضي لغياب الإرادة الحقيقية لتفكيك هذه القوى. ويبدو الأمر وكأنها مناورة لإعادة توزيع الأدوار والنفوذ، وليس إرساء لدولة القانون.

ويحمل هذا النهج، الذي يتبعه المنفي والدبيبة، في طياته تداعيات خطيرة على استقرار طرابلس وليبيا ككل. إذ يبدو أن الهدف هو خلق بنية أمنية موازية أو شبه رسمية موالية للسلطات الحالية. وهذا قد يؤدي إلى تفاقم الانقسامات بين الميليشيات "المُدمجة" وتلك التي تُهمّش، مما يُنذر باشتباكات مستقبلية أكثر عنفا ويُقوّض بشكل مباشر أي جهود لبناء دولة مدنية حقيقية.

كما أن دمج التشكيلات المسلحة دون معالجة جذرية لقضاياها ودون نزع سلاحها الفعلي، هو في الواقع شرعنة لوجودها وتعزيز لنفوذ أمراء الحرب عبر منحهم غطاء رسميا.

وعلى الرغم من لقاء الدبيبة بالمبعوثة الأممية هانا تيته وتأكيده على التنسيق، إلا أن هذه التحركات قد تُقوّض جهود الأمم المتحدة لبناء مؤسسات أمنية موحدة وشفافة في ليبيا.

وبينما يرفع المنفي والدبيبة راية "فرض سلطة الدولة"، تشير تحركاتهما إلى أنها مناورة سياسية معقدة لإحكام قبضتهما على العاصمة، مستفيدين من الوضع الأمني المتردي، ودافعين طرابلس نحو مستقبل يزداد فيه الالتباس حول من يحكم فعليا: الدولة أم الميليشيات المقنعة بالشرعية.