حفلات الطلاق ظاهرة نسوية خطيرة تهدد تماسك الأسر العربية

عديد النساء يلجأن للاحتفال بانتهاء مراسم الطلاق على نحو مبالغ فيه، فيحضرن كيكة خاصة بالمناسبة أو قد يحجزن في فندق ضخم لإعلان الانفصال رسميا.
الخميس 2025/06/12
تقليد غربي دخل البيوت العربية

تونس ـ تثير ظاهرة الاحتفال بالطلاق أو الخلع جدلا واسعا بين من يعتبرها وسيلة لتخفيف العبء النفسي للتجربة، وبين من يرى فيها استخفافا بمنظومة الأسرة وتأسيسا لثقافة الطلاق في المجتمعات العربية.

وقد غزت الظاهرة جل البلدان العربية التي تعاني نسبا مرتفعة للطلاق، مثل السعودية والعراق والأردن، وانتشرت بين شريحة واسعة من النساء، في مؤشر يعزوه مراقبون ومختصون اجتماعيون إلى التحولات الاجتماعية التي تمر بها المجتمعات العربية، والتي غيرت كثيرا من المفاهيم والعادات السائدة. فبعد عقود طويلة من اعتبار طلاق المرأة وصمة عار اجتماعية، بات اليوم بالنسبة إلى كثيرات مناسبة للاحتفال والتباهي والإشهار، حتى أن هناك تجارة أصبحت قائمة بحد ذاتها تقدم خدماتها للراغبين بالاحتفال بالطلاق والخلاص من الرباط المقدس.

وعلى غرار حفلات الزواج، تلجأ عديد النساء للاحتفال بانتهاء مراسم الطلاق على نحو مبالغ فيه، فيحضرن كيكة خاصة بالمناسبة أو قد يحجزن في فندق ضخم لإعلان الانفصال رسميا.

وفي عام 2020، أثارت السعودية أميرة الناصر جدلا على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بنشرها مقطع فيديو مصورا لها أثناء ارتداء فستان زفاف أبيض من تصميم مصمم سعودي، حيث أعلنت أنه كان من المفترض أن ترتديه في حفل عيد زواجها لكنها ارتدته احتفالا بطلاقها، ناصحة كل فتاة بعدم إيقاف حياتها على شخص واحد.

الخلع لم يعد وسيلة نادرة، بل تحول إلى خيار تلجأ إليه الكثير من النساء للتخلص من علاقة مليئة بالخذلان

وتابعت أميرة نصيحتها قائلة “اعتبريه مات”، وللتأكيد على خبر انفصالها نشرت في مقطع آخر وثيقة الطلاق، فانهالت التعليقات بين داعم لها ورافض لذلك الفعل، إذ اعتبر البعض ما فعلته تشويها لسمعة “المطلّق.”

وفي عام 2018 احتفلت المصرية أوليفيا حنا، وهي طبيبة أسنان، بطلاقها في واشنطن، وأقامت حفلا في أحد الملاهي مع عدد كبير من المدعوين، وارتدت فستان زفاف أبيض، ورقصت مع صديقاتها أمام قالب حلوى الطلاق.

وقد أثار مقطع الفيديو جدلا بين المصريين حينها، وعلقت عليه أوليفيا في أحد البرامج قائلة “عشت تجربة زواج مريرة ومن حقي أن أحتفل ببداية حياة جديدة،” ونشرت على صفحتها في فيسبوك صورا من حفل طلاقها.

وفي شهر مارس من عام 2020 نشرت الممثلة التونسية لمياء العمري صورة عبر حسابها الشخصي على فيسبوك أعلنت من خلالها عن طلاقها.

وتمثلت الصورة التي شاركت من خلالها العمري جمهورها عبر فيسبوك في قالب حلوى يبدو أنها أعدته بنفسها لتعلن به عن طلاقها حيث كتبت “مطلقة.. أشعر براحة كبيرة الحمد لله.”

وبعدها بشهرين أصبحت فداء، الفتاة الفلسطينية من قطاع غزة، حديث مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن نشرت صورا لحفلة طلاق أقامتها للتعبير عن فرحتها الغامرة بالانفصال عن طليقها.

الظاهرة غزت جل البلدان العربية التي تعاني نسبا مرتفعة للطلاق، مثل السعودية والعراق والأردن، وانتشرت بين شريحة واسعة من النساء

ويرى خبراء علم الاجتماع أن هذه السلوكيات تؤسس لثقافة الانفصال مقابل مؤسسة الزواج، فيما يرى خبراء علم النفس أنها تخفي كثيرا من الأسى والمعاناة والتجارب القاسية.

وقال المختص في علم النفس التونسي أحمد الأبيض إن “الاحتفال بالطلاق إن حصل يدل على أن الشخص الذي قام بالفعل فشل في علاقته الزوجية وكان متأذيا منها، وعلى أن الطرف المحتفي كان متضررا متألما وحاسما في موقفه من الطرف الثاني.”

وأضاف لـ”العرب” أن “المرأة في حالة الطلاق تعتد ثلاثة أشهر أما في حالة الخلع فقد تعتد شهرا أو لا تعتد، وإن وصلت إلى الخلع فيعني ذلك أنها قطعت كل أواصر التواصل مع الآخر، ما يعني أن احتفالها يمكن أن يكون علامة على أنها سعيدة بانتهاء علاقة أنهكتها.”

بدورها حذّرت الباحثة الاجتماعية العراقية زينب خلف، من خطورة استمرار تصاعد حالات الطلاق والخلع في العراق وخصوصا في كركوك، مشيرة إلى أن “هذه الظاهرة تعكس أزمة حقيقية تهدد بنية الأسرة والمجتمع في حال عدم معالجتها بشكل جذري.”

وأوضحت خلف، أن من أبرز الأسباب وراء هذه الحالات الضغوط الاقتصادية وغياب الحوار بين الزوجين والتدخلات العائلية، وتنامي تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في خلق فجوات نفسية وعاطفية داخل الأسرة.

الاحتفال بالطلاق إن حصل يدل على أن الشخص الذي قام بالفعل فشل في علاقته الزوجية وكان متأذيا منها

وأضافت أن الخلع لم يعد وسيلة نادرة، بل تحول إلى خيار تلجأ إليه الكثير من النساء للتخلص من علاقة مليئة بالخذلان أو العنف أو الإهمال، لكنه في الوقت نفسه مؤشر على فشل المنظومة الاجتماعية في توفير الدعم والاستقرار الأسري.

ودعت إلى تبنّي برامج دعم وإرشاد نفسي وأسري، وتكثيف التوعية للشباب المقبلين على الزواج، إلى جانب تفعيل دور الإعلام في تعزيز ثقافة التفاهم والتسامح الأسري.

وتشهد محافظة كركوك تصاعدا مقلقا في حالات الطلاق والخلع، وفقا لإحصائيات رسمية وشهادات من نساء ومحامين، في وقت تعاني فيه الأسرة من ضغوط اقتصادية واجتماعية متراكمة، إلى جانب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات الزوجية.

وتشير إحصاءات محكمة كركوك، إلى تسجيل 945 حالة طلاق و139 حالة خلع خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، ليبلغ المجموع الكلي لحالات التفكك الأسري 1103 حالة، ما ينذر بإمكانية تخطي حاجز 2000 حالة مع نهاية العام إذا استمر هذا المعدل.

وأكدت الدكتورة ياسمين الخالدي المستشارة الأسرية والتربوية والنفسية أن “حفلات الطلاق تتنافى مع العادات والتقاليد الإسلامية والعربية.”

وقالت الخالدي “إذا بحثنا عن سبب هذه السلوكيات الغريبة من قبل بعض النساء نجدها مشاعر نفسية متراكمة تكتنز الرغبة في الانتقام من السنوات التي عشنها خلال حياة زوجية فاشلة وتعبيرا نفسيا متناقضا، وعوضا عن الانكسار النفسي يحاولن أن يخرجن من أوضاعهن بهذا السلوك.”

15