الإفراج عن عشرات الضباط في الجيش السابق يثير جدلا في سوريا

دمشق - أثار الإفراج عن عشرات الضباط في الجيش السوري السابق جدلا كبيرا على الساحة السورية، ما اضطر الحكومة إلى الخروج وتبرير القرار.
وقال وزير الإعلام السوري حمزة المصطفى، الأربعاء، إن “جميع ردود الفعل مفهومة، وكل مباعث القلق يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار، حتى الغضب مشروع، لأن الأمر يتعلق بالذاكرة، ولأن هذه القضايا لا تحتمل النسيان.”
وشدّد وزير الإعلام على أن الدولة السورية الجديدة والحكومة تعيان تماماً حساسية هذه المسألة، وتدركان الثمن الباهظ الذي دفعه السوريون لنيل حريتهم طيلة 14 عاماً.
وأشار إلى أن الدولة اتخذت منذ البداية جملة من الإجراءات، أبرزها تشكيل هيئة مستقلة للعدالة الانتقالية بصلاحيات واستقلالية واضحة، مضيفاً “مسار العدالة الانتقالية قد بدأ، وننتظر من اللجنة الوطنية أن تبلور طروحاتها وخريطة الطريق التي ستُعرض قريباً على الجمهور.”
قرار الإفراج عن الضباط وما استتبعه من تصريحات صوفان لاحقا أثار موجة غضب لاسيما لدى المنظمات السورية، التي اعتبرت الأمر محاولة لإعادة تأهيل متورطين في جرائم حرب
ودعا المصطفى إلى التمييز بين مساري العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، مشدداً على أن السلم الأهلي في عموم سوريا يختلف عن نظيره في المناطق التي شهدت أحداثاً في آذار الماضي، في إشارة إلى منطقة الساحل.
وتابع “المجموعة التي تم إطلاق سراحها تضم ضباطاً سلّموا أنفسهم بعد سقوط النظام مباشرة، وليس حديثاً، وبعد استكمال التحقيقات وورود مطالب من الأهالي، رأت اللجنة أن إنهاء هذا الملف قد يشكّل مبادرة.”
ولفت الوزير السوري إلى أن الدولة تواجه تحديات جمّة حالياً، ليس فقط على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، بل أيضاً في الحفاظ على وحدة سوريا وتجاوز الانقسامات، مضيفاً: “لدينا ملفات مثل قسد، السويداء، والساحل، وهذه المبادرة كانت محاولة استباقية لتجنب تعكير الاستقرار، مع إدراكنا لحجم الضغوط الخارجية.”
وعكس قرار الإفراج عن ضباط في الجيش السوري السابق، رغبة لدى السلطة الانتقالية في استيعاب هؤلاء لاسيما الذين لم تكن لهم مسؤولية مباشر، أو كانوا في سلطة القرار الأمني والعسكري، حتى لا يجري استغلالهم من قبل خصومها وهم كثر لخلق بؤر توتر كما حصل في أحداث الساحل.
وتواجه السلطة الانتقالية التي يرأسها أحمد الشرع تحديات كبيرة في ضبط الوضع الأمني، وهذا يتطلب، وفق مراقبين، الابتعاد عن النزعة الانتقامية، وتبني نهجا تصالحيا، خصوصا مع أولائك الذين وجودا نفسهم مجبرين على الاصطفاف مع النظام السابق في إحدى الفترات.
ويرى مراقبون أن الرئيس الشرع أظهر براغماتية شديدة منذ وصوله إلى دمشق، فهو لم يذهب مثلا في خيار استعداء أركان المنظومة الاقتصادية السابقة، بل سعى إلى فتح حوار وتواصل مع رجال الأعمال الذين كانوا مقربين من نظام بشار الأسد، وهو اليوم يتبنى نفس النهج في التعاطي مع المنتمين للجيش والأجهزة الأمنية السابقة.
وأعلنت وزارة الداخلية السورية، الأحد، إطلاق سراح العشرات من الموقوفين في اللاذقية، ممن أُلقي القبض عليهم خلال عملية “ردع العدوان” التي أطاحت بنظام الأسد.
وقال عضو اللجنة العليا للسلم الأهلي حسن صوفان في مؤتمر صحفي الثلاثاء إن الضباط المفرج عنهم هم “ضباط عاملون” منذ عام 2021، وقد سلّموا أنفسهم طوعاً على الحدود العراقية وفي منطقة السخنة، وذلك ضمن ما يُعرف بحالة “الاستئمان.”
وزارة الداخلية السورية تطلق سراح العشرات من الموقوفين في اللاذقية ممن أُلقي القبض عليهم خلال عملية "ردع العدوان" التي أطاحت بنظام الأسد
وأوضح أن الموقوفين خضعوا لتحقيقات قانونية لم تثبت بحقهم أي تهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب، مشدداً على أن استمرار احتجازهم لا يحقق مصلحة وطنية، ولا يستند إلى أي مشروعية قانونية.
وأشار صوفان إلى أن الإفراج عن بعض الشخصيات الأمنية البارزة في النظام السابق مثل فادي صقر قائد ما يسمى قوات الدفاع المدني سابقًا، يعود إلى دورها في درء المخاطر التي تتعرض لها البلاد، على حد تعبيره.
قرار الإفراج عن الضباط وما استتبعه من تصريحات صوفان لاحقا أثار موجة غضب لاسيما لدى المنظمات السورية، التي اعتبرت الأمر محاولة لإعادة تأهيل متورطين في جرائم حرب ومنحهم أدواراً اجتماعية.
وقالت منظمة “ملفات قيصر من أجل العدالة” إن العدالة الشاملة تشكل أساس الاستقرار، ولا يمكن تحقيق سلم حقيقي دون محاسبة مرتكبي الانتهاكات بحق الشعب السوري خلال حكم بشار الأسد.
ووصفت المنظمة التصريحات التي تربط الاستقرار والسلم الأهلي بتأجيل العدالة بـ”المغالطة المفاهيمية الخطيرة”، مشيرة إلى أن تغليب الاستقرار على المحاسبة يعيد إنتاج العنف ويهدد فرص السلام الدائم.
من جهته انتقد مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، فضل عبدالغني، قرار الحكومة بإطلاق سراح عدد من الضباط السابقين، محذراً من خطورة هذه الخطوة على مسار العدالة وحقوق الضحايا.
وشدد عبدالغني في تصريحات لـ”تلفزيون سوريا” على أن قرار الإفراج عن متهمين بارتكاب جرائم جسيمة “ليس من صلاحية الحكومة أو الأجهزة الأمنية،” مشيراً إلى أن هذه المسألة يجب أن تكون بيد السلطة القضائية المستقلة وحدها.