محفوظ عبدالرحمن كاتب أشهر حكايات التاريخ في الدراما المصرية

القاهرة – تحل في الـ11 من يونيو ذكرى ميلاد واحد من أبرز كُتّاب الدراما التاريخية في مصر والعالم العربي، هو محفوظ محمد عبدالرحمن عرفات، الذي ولد في العام 1941، ورحل عن عالمنا في أغسطس 2017، تاركا وراءه رصيدًا كبيرًا من الأعمال المسرحية والتليفزيونية والسينمائية.
تنقّل الكاتب الراحل في طفولته بين محافظات مصر المختلفة بسبب طبيعة عمل والده كضابط شرطة، هذا التنقل المبكر أسهم في تشكيل وعيه بثقافات متعددة وتجارب إنسانية متباينة، ظهرت لاحقا في أعماله الإبداعية.
تخرج عبدالرحمن في كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1960، وبدأ مشواره المهني في الصحافة بدار الهلال، ثم انتقل إلى دار الوثائق التاريخية بوزارة الثقافة، حيث كان لهذا المنعطف تأثير بالغ على مشروعه الإبداعي، إذ تعمق هناك في الوثائق التاريخية، خاصة ما يتعلق بمشروع قناة السويس، وهو ما تجلى لاحقًا في أعماله مثل مسلسل “بوابة الحلواني” وفيلم “ناصر 56”.
استقال من العمل الحكومي عام 1982 ليتفرغ للكتابة، بعد أن نُشرت أولى قصصه في مجلة القصة. وتوالت بعدها إبداعاته، فصدرت مجموعته القصصية الأولى “البحث عن المجهول” عام 1967، وتلتها “أربعة فصول شتاء” عام 1984.
أحب الكاتب الراحل التاريخ بقدر ما أحب الأدب، ودمجهما معا في أعمال درامية تلفزيونية وسينمائية ومسرحية تركت بصمة لا تُنسى. تميز أسلوبه بالسرد الحكيم والبناء المتين، مع حس إنساني وتاريخي واضح.
كتب للدراما أعمالا خالدة مثل “بوابة الحلواني” الذي وثق فيه مراحل مهمة من التاريخ المصري الحديث، خاصة ما يتعلق بحفر قناة السويس، وكشف الخلفيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المصاحبة لتلك الفترة، ورسم صورة حية للحياة اليومية للمصريين في القرن التاسع عشر.
وأظهر المسلسل في أربعة أجزاء، نموذجا صريحا لانحياز الكاتب الوطني، ومن خلاله يمكن قراءة أسلوبه وفكره ككاتب جسد صفحات مهمة من تاريخ مصر، وانتصر للقيم والمبادئ والأعراف والتقاليد والهوية المصرية.
كما كتب مسلسل “أم كلثوم” الذي جسّد فيه حياة كوكب الشرق بطريقة درامية، وعرّف الأجيال الجديدة على شخصيتها وإنجازاتها، وأعاد تذكير الأجيال الأكبر بقيمتها الفنية والوطنية.
وكتب أيضا مسلسل “ساعة ولد الهدى” الذي تناول فيه السيرة النبوية بأسلوب درامي راقٍ، بعيدًا عن النمط الوعظي التقليدي، مما منحه أثرًا ثقافيًا وفكريًا عميقًا في الوجدان العربي والإسلامي.
كما كتب مسلسلات تاريخية عديدة أخرى منها “الزير سالم” و”عنترة” وليلة سقوط غرناطة”.
أما في السينما، فكتب أفلاما توثق حقبًا تاريخية بحرفية درامية عالية، أبرزها: “ناصر 56″، و”حليم”. كما ألّف مسرحيات عُرضت في مصر والكويت وتونس وسوريا، من بينها: “السندباد البحري”، و”عريس لبنت السلطان.”
ولم يقتصر إنتاجه على التلفزيون والمسرح، بل قدم أيضًا سهرات درامية وإذاعية مثل: “ذات يوم، ذات شهر، ذات سنة”، “الرجل الذي رحل”، و”إيزيس”، و”محاكمة السيد ميم” و”الحامي والحرامي” و”احذروا”، مؤكدًا بذلك تعدد مواهبه وتنوع اهتماماته.
أما عن زواجه من الفنانة سميرة عبدالعزيز، فقد تم خلال فترة تصوير عمل درامي في تونس، حيث كان محفوظ عبدالرحمن قد تقدم بطلب الزواج منها في وقت سابق. وأثناء وجودهما هناك، أكدت موافقتها، فقررا إتمام الزواج بطريقة الإشهار وبحضور الشهود، نظرًا لظروف العمل. وقد شهد على الزواج جميع الحاضرين، وشارك فيه أبناؤهما من زيجات سابقة. وعند عودتهما إلى القاهرة، تم توثيق عقد الزواج رسميًا في منزل الفنانة سميحة أيوب، بحضور الكاتب سعدالدين وهبة الذي وقع كشاهد على العقد.
وتقول الدكتورة سميرة أبوطالب في كتابها “محفوظ عبدالرحمن في عيون هؤلاء”: “عبدالرحمن درس التاريخ دراسة أكاديمية، لذلك أظهر شغفًا واضحًا بمفاصل التاريخ المصري ونقاط تحوله الحاسمة، ومثلما بدأ المفكر حسين فوزي كتابه ‘سندباد مصري’ من الجمعة الحزينة التي سقطت فيها هوية مصر على باب زويلة وانقلبت الدولة إلى دويلة عثمانية تابعة، ذهب محفوظ عبدالرحمن في مسلسل ‘الكتابة على لحم يحترق’ لنفس اللحظة وبلور عبرها نجاحاته ككاتب دراما تليفزيونية بعد نجاحه المسرحي، ثم واصل في ‘سليمان الحلبي’ و’ليلة سقوط غرناطة’ اللعب على مفاصل التاريخ ودراما السقوط، وفي ‘بوابة الحلواني’ قدم تأويله لتجربة حفر قناة السويس وانشغال المصريين البسطاء بالعلاقة مع الآخر الغربي.”
نال عبدالرحمن تقدير النقاد والجمهور على حد سواء، فحصد جوائز رفيعة أبرزها: جائزة الدولة التشجيعية عام 1972، أفضل مؤلف مسرحي عام 1983، الجائزة الذهبية بمهرجان الإذاعة والتلفزيون عن مسلسل أم كلثوم، جائزة الدولة التقديرية للفنون عام 2002، جائزة العقد لأفضل مبدع بمهرجان الإذاعة والتلفزيون.
ظل الكاتب الراحل يكتب حتى آخر أيامه، حيث كان يعمل على مشروعه الدرامي الكبير “سره الباتع” قبل أن يرحل في 17 أغسطس 2017 عن عمر ناهز 76 عامًا، بعد مسيرة إبداعية غنية جعلته من أعمدة الدراما العربية المعاصرة، و”حكّاء” التاريخ كما لم يروه أحد.