المصدرون الصينيون في مأزق رغم عودة الهدنة التجارية الأميركية

الضغط المتزايد على الشركات يعطي واشنطن فرصة سانحة للضغط على بكين مع استمرار المحادثات بين الجانبين لإعادة التوازن إلى علاقاتهما التجارية.
الخميس 2025/06/12
لا أجور بلا مبيعات

يرجح المحللون أن تُعيد المحادثات الأميركية – الصينية الهدنة التجارية بين أقوى اقتصادين في العالم إلى مسارها، لكن معاناة الرسوم مستمرة في الصين، وخاصة بالنسبة إلى صغار المصدرين، بينما بعض الشركات تبيع بالخسارة، وأخرى تؤجل دفع الأجور.

بكين - اتفق المسؤولون الأميركيون والصينيون الثلاثاء على سبل استعادة الهدنة التجارية وإلغاء قيود التصدير المتضاربة، بما في ذلك القيود المفروضة على المعادن النادرة، حيث تحتكر الصين الإنتاج تقريبًا وتتمتع بنفوذ كبير في المفاوضات.

لكن في غضون ذلك يتفاقم ألم الرسوم الأميركية في الصين، وخاصة بين المصدّرين الأصغر حجمًا، مثل شركة رين جي ستار للأجهزة الإلكترونية، التي لم تنقل جزءًا من إنتاجها إلى الخارج بعد أن فرض الرئيس دونالد ترامب الرسوم في ولايته الأولى.

ويقول جاكي رين، صاحب الشركة التي تصنع أجهزة المطابخ، إن المصدرين في قطاعه يبيعون الآن بخسارة للحفاظ على زبائنهم الأميركيين، مع ضعف قدرتهم على رفض طلبات خفض الأسعار على المنتجات التي تواجه رسومًا جمركية أعلى.

وإذا لم يُلبِّ المُصدِّر مثل هذه الطلبات، كما يقول رين، “فسيموت فورًا. لذا، يعتقد الناس أنه من الأفضل الموت ببطء.” ويعطي الضغط المتزايد على الشركات لبيع أعمالها بخسارة أو لخفض الأجور والوظائف للبقاء، واشنطن فرصة سانحة للضغط على بكين في الأسابيع والأشهر المقبلة، مع استمرار المحادثات بين الجانبين لإعادة التوازن إلى علاقاتهما التجارية.

وقال تشيوو تشن، أستاذ المالية بجامعة هونغ كونغ، لرويترز “إذا استمر هذا الوضع لأكثر من ثلاثة أو أربعة أشهر، أعتقد أن الكثير من هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة لن تتمكن من تحمله.” وأضاف “هذه بالتأكيد ورقة تفاوض للولايات المتحدة.”

تشيوو تشن: الشركات الصغيرة لن تتحمل الوضع لأكثر من أربعة أشهر
تشيوو تشن: الشركات الصغيرة لن تتحمل الوضع لأكثر من أربعة أشهر

ومن المتوقع أن تُعيد محادثات لندن هذا الأسبوع الجانبين إلى ما كانا عليه بعد نقاش أولي في جنيف الشهر الماضي، عندما اتفقا على خفض الرسوم من خانة العشرات إلى مستويات لا تزال تُلحق الضرر بالجانبين، مع السماح على الأقل باستئناف تدفقات التجارة.

ولا تزال الرسوم الأميركية على السلع الصينية أعلى بنسبة 30 نقطة مئوية مقارنة بالعام الماضي، ما سلط ضغوطا على المنتجين في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وفي أبريل، عندما بلغت الرسوم ذروتها، ارتفع عدد الشركات الصناعية الصينية الخاسرة بنسبة 3.6 في المئة بمقارنة سنوية ليصل إلى 164.467 ألف شركة، أي ما يُعادل 32 في المئة من الإجمالي، وفقًا للإحصاءات الرسمية.

وانخفض معدل استغلال الطاقة الصناعية إلى 74.1 في المئة بالربع الأول من هذا العام، عندما بدأت واشنطن برفع الرسوم من 76.2 في المئة بالربع الأخير من عام 2024، وفقًا لبيانات الحكومة الصينية. ولا يزال هذا المعدل قريبًا من أدنى مستوياته القياسية.

وبينما يُمكن تفسير معدل نمو الصادرات الصينية الإجمالي، البالغ 4.8 في المئة خلال مايو، على أنه مؤشر على مرونة الاقتصاد حتى مع انكماش الصادرات الأميركية بأكثر من 30 في المئة، فإن المنافسة الشديدة بين المُصنّعين الصينيين الباحثين عن نصيب من الطلب الخارجي المُنخفض تتجلى بوضوح في انخفاض الأسعار.

وتقول أليسيا غارسيا هيريرو، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في ناتيكسيس، لرويترز “ينسى الناس ذلك، لكن مستوى التعريفات الجمركية الحالي مؤلمٌ بالفعل.”

وأضافت “هذا يُمثل نقطة ضعف” لبكين، لكنها حذّرت من أنها “ليست ورقة رابحة” لواشنطن، التي تُساوِرها مخاوفها الخاصة بشأن ارتفاع التضخم وندرة المنتجات. وأكدت أن بكين واثقة أيضًا من قدرتها على تحمّل المزيد من المعاناة مقارنةً بمنافستها.

وقبل اجتماع سويسرا ازداد قلق بكين إزاء مؤشرات داخلية تُشير إلى أن الشركات الصينية تُكافح لتجنب الإفلاس، بما في ذلك في الصناعات كثيفة العمالة مثل الأثاث والألعاب، وفقًا لما ذكرته رويترز الشهر الماضي.

وربما يكون التراجع اللاحق عن الرسوم قد أنقذ الصين من سيناريو كارثي يتمثل في تسريح جماعي للعمال، لكن المحللين يقولون إن ملايين الوظائف لا تزال مُعرضة للخطر.

وتقول كانديس لي، مديرة التسويق في شركة لتصنيع الأجهزة الطبية في جنوب الصين، إن صاحب عملها لم يدفع أجور موظفيه خلال الشهرين الماضيين.

أليسيا غارسيا هيريرو: المنتجون ينسون الأسعار لكن مستوى الرسوم مؤلم بالفعل
أليسيا غارسيا هيريرو: المنتجون ينسون الأسعار لكن مستوى الرسوم مؤلم بالفعل

وعزت ذلك إلى مشاكل في التدفق النقدي ناجمة عن مطالب جديدة من زبائن أميركيين يرغبون في حماية أنفسهم من حالة عدم اليقين بشأن الرسوم الجمركية. وأكدت لي أن المشترين الأميركيين لم يعودوا يُقدمون دفعة مقدمة لطلباتهم، ويطلبون فقط سداد الدفعات بعد 120 أو 180 يومًا من التسليم.

ولأن الشركات الصينية الأخرى تقبل مثل هذه الشروط، فإن صاحب عملها ليس في وضع يسمح له بالرد. وقالت لي “إنهم يسيطرون علينا. يبدو الوضع هادئًا ظاهريًا، لكن من الصعب جدًا ممارسة الأعمال التجارية الآن.” وأضافت “الشركة لا تستطيع حتى دفع الأجور،” مشيرة إلى أن ربع الموظفين غادروا الشركة نتيجةً لذلك و”من الصعب جدًا الحفاظ على استمرارية الشركة.”

ومن المؤكد أن الشركات الصينية لا تعاني جميعها من هذا الضغط. فعلى المدى القصير لا تستطيع الولايات المتحدة، ولا الدول الأخرى، تقليل اعتمادها بشكل كبير على سلاسل التوريد من اقتصاد يُنتج حوالي ثلث سلع العالم.

ويُعاني القطاع الخاص من هذا الوضع بشكل خاص في الشركات الصغيرة التي لا تُصنّع منتجات أساسية، مثل زينة عيد الميلاد، أو تلك التي يُمكن استبدال الصين فيها بسهولة بمنتجين آخرين كقطاع الأجهزة المنزلية والإلكترونية منخفضة ومتوسطة الجودة.

وعلى مستوى الاقتصاد ارتفعت الأرباح الصناعية في الصين بنسبة 1.4 في المئة على أساس سنوي في الفترة الممتدة من يناير إلى أبريل، وفقًا للإحصاءات الرسمية التي تجمع بيانات من شركات تبلغ إيراداتها السنوية 20 مليون يوان (2.78 مليون دولار) على الأقل.

وقال شوانغ دينغ، كبير الاقتصاديين في ستاندرد تشارترد لشؤون الصين الكبرى وشمال آسيا، إن “مرونة الاقتصاد الصيني الرئيسية قد عززتها زيادة المستوردين الأميركيين للطلبيات قبل رفع الرسوم الجمركية، بينما عززت بكين إنفاقها المالي وخفضت الفائدة.” لكن مع تراجع هذه العوامل المخففة في الأشهر المقبلة، قد يزداد شعور بكين بعدم الارتياح، كما يحذر المحللون.

وقال هي-لينغ شي، أستاذ الاقتصاد بجامعة موناش في ملبورن الأسترالية، لرويترز “لا يزالون يعتمدون على قطاعات التصنيع منخفضة الكلفة، وخاصة قطاعات التصدير، لدعم اقتصادهم الكلي العام.” وأضاف “على الحكومة الأميركية أن تستجيب لضغوط الصناعات. الحكومة المركزية الصينية… لا تحتاج إلى رد فعل فوري، ولكن على المدى الطويل يظل الأمر مصدر قلق شديد.”

10