الغزيون يخاطرون بحياتهم من أجل الحصول على المساعدات

127 فلسطينيا قُتلوا بينما كانوا يحاولون الحصول على المساعدات من مواقع التوزيع التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية.
الأربعاء 2025/06/11
مباريات الجوع

غزة - عندما كان الأستاذ الجامعي نظام سلامة في طريقه إلى نقطة مخصصة لتوزيع المساعدات في جنوب غزة الأسبوع الماضي، تعرض لإطلاق النار مرتين والسحق وسط حشد من الجائعين اليائسين ومع ذلك غادر في نهاية المطاف خالي الوفاض دون الحصول على أي طعام.

بدأ إطلاق النار في المرة الأولى بعد وقت قصير من مغادرته خيمة أسرته في الثالثة من صباح الثالث من يونيو الجاري لينضم إلى حشود على الطريق الساحلي المتجه نحو موقع لتوزيع المساعدات في مدينة رفح تديره مؤسسة غزة الإنسانية، وهي منظمة جديدة مقرها الولايات المتحدة تعمل مع متعاقدين عسكريين من القطاع الخاص لإيصال المساعدات في غزة.

أما المرة الثانية التي تعرض فيها سلامة لإطلاق النار فكانت عند دوار العلم القريب من موقع تسليم المساعدات، حيث شاهد ست جثث.

وقالت السلطات الصحية الفلسطينية إن 27 شخصا قُتلوا في ذلك اليوم في إطلاق نار من قوات إسرائيلية على من توجهوا لتلقي المساعدات. وقالت إسرائيل إن قواتها أطلقت النار على مجموعة ممن اعتبرتهم يشكلون تهديدا وإن الجيش يحقق في الواقعة.

وأظهرت لقطات من كاميرات مراقبة نشرتها مؤسسة غزة الإنسانية اصطفاف طوابير في منحنيات داخل أسوار تشبه الأقفاص عند موقع تسليم المساعدات، المعروف باسم (إس.دي.إس1)، قبل أن تُفتح بوابات تسمح بالدخول إلى منطقة محاطة بحواجز رملية حيث تُركت عبوات الإمدادات على طاولات وفي صناديق على الأرض.

النجاة تكون للأقوى وللذين يتمتعون بلياقة بدنية عالية ويستطيعون الوصول مبكرا والدفع بقوة أكبر للفوز بحزمة مساعدات

وقال سلامة إن اندفاع آلاف الناس بمجرد فتح البوابات كان بمثابة “مصيدة للموت”.

وأضاف أن النجاة تكون للأقوى ممن يتمتعون بلياقة بدنية عالية ويستطيعون الوصول مبكرا والدفع بقوة أكبر للفوز بحزمة مساعدات. ووصف سلامة شعوره في تلك اللحظة قائلا إن ضلوعه كانت وكأنها تلتحم ببعضها ولم يستطع التنفس بينما كان الناس يصرخون.

ولم يتسن التحقق بشكل مستقل من جميع تفاصيل رواية سلامة لكنها تطابقت مع شهادتي اثنين آخرين من طالبي المساعدات التقت بهما رويترز وتحدثا عن الزحف والانحناء بينما كان الرصاص يتطاير فوقهما في أثناء التوجه إلى مواقع توزيع المساعدات أو خلال الخروج منها.

وقال الشهود الثلاثة إنهم شاهدوا جثثا على الطرق المؤدية إلى مواقع تسليم المساعدات في رفح.

وأكد بيان من مستشفى ميداني قريب تابع للصليب الأحمر عدد القتلى الذين سقطوا في الهجوم الذي وقع بالقرب من موقع المساعدات في الثالث من يونيو الجاري.

وقال سلامة (52 عاما) إن ما سمعه عن منظومة توزيع المساعدات الجديدة جعله يدرك أنه سيكون من الصعب الحصول على مساعدات، لكن أبناءه الخمسة، وهم اثنان بالغان وصبيان وطفل في التاسعة من عمره، كانوا بحاجة إلى الطعام. وأضاف أنهم يعيشون منذ شهور على تناول العدس أو المعكرونة فقط، وغالبا ما يتناولون وجبة واحدة في اليوم.

وأضاف أستاذ الإدارة التربوية أنه كان يرفض الذهاب إلى موقع المساعدات التابع لمؤسسة غزة الإنسانية لأنه عرف وسمع كم هو مهين الذهاب إليه، لكن لم يكن لديه خيار آخر بسبب الحاجة الماسة لإطعام أفراد أسرته.

وبحسب سلطات الصحة في غزة، فإن إجمالي 127 فلسطينيا قُتلوا بينما كانوا يحاولون الحصول على المساعدات من مواقع التوزيع التابعة لمؤسسة غزة الإنسانية، وسط إطلاق نار شبه يومي منذ بدء التوزيع بموجب المنظومة الجديدة قبل أسبوعين.

Thumbnail

وأوضح يان إيجلاند الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، وهو منظمة إنسانية كبرى، أن منظومة توزيع الغذاء تنتهك على ما يبدو بعض المبادئ الأساسية للمساعدات الإنسانية. وشبهها بما يعرف باسم (مباريات الجوع)، وهي روايات مأساوية عن أناس يركضون ويتقاتلون حتى الموت.

وأضاف إيجلاند “يُكافأ قليلون ويخاطر الكثيرون بحياتهم من أجل لا شيء.”

ولم ترد مؤسسة غزة الإنسانية بشكل مباشر على سؤال حول حيادها، إذ قالت إنها قدمت بشكل آمن مساعدات تكفي لأكثر من 11 مليون وجبة خلال أسبوعين. ويبلغ عدد سكان غزة نحو 2.1 مليون نسمة.

وسمحت إسرائيل في 19 مايو باستئناف عمليات إغاثة محدودة تقودها الأمم المتحدة بعد حصار دام 11 أسبوعا في القطاع. وكان خبراء قد حذروا قبل ذلك بأسبوع من مجاعة تلوح في الأفق.

ووصفت الأمم المتحدة المساعدات المسموح بدخولها إلى غزة بأنها “قطرة في محيط”. وبشكل منفصل عن عمليات الأمم المتحدة، سمحت إسرائيل لمؤسسة غزة الإنسانية بفتح أربعة مواقع في قطاع غزة، في تجاوز لمنظمات الإغاثة التقليدية.

انطلق سلامة وأربعة من جيرانه من منطقة المواصي في خان يونس بجنوب قطاع غزة إلى موقع توزيع المساعدات في الثالثة من صباح يوم الثلاثاء، واستغرقوا ساعتين للوصول إلى رفح التي تبعد عدة كيلومترات وتقع بالقرب من الحدود المصرية.

Thumbnail

وبدأ إطلاق النار في وقت مبكر من رحلتهم. وقال سلامة إن بعض النيران كانت قادمة من ناحية البحر، وهو ما يتوافق مع شهادات أخرى عن الواقعة. ويسيطر الجيش الإسرائيلي على منطقة البحر حول غزة.

ولدى وصولهم إلى دوار العلم في رفح على بعد كيلومتر واحد تقريبا من الموقع، كان هناك حشد كبير. كان هناك المزيد من إطلاق النار ورأى رصاصات تصيب مكانا قريبا منه.

وفي إحدى المرات، اضطر هو وكل من حوله الزحف على الأرض لمئات الأمتار خوفا من التعرض لإطلاق نار. وقال إنه رأى جثة بها إصابة في الرأس على بعد نحو 100 متر من موقع توزيع المساعدات.

وعندما وصل سلامة أخيرا إلى نقطة توزيع المساعدات في الثالث من يونيو، لم يجد شيئا متبقيا.

وعلى الرغم من نفاد المساعدات، لم يتوقف توافد الناس الساعين للحصول على أي غذاء. وقال إن تدفق الناس كان يدفعه إلى الأمام وهو يحاول العودة أدراجه.

وفي النهاية غادر سلامة خالي الوفاض مكتئبا وحزينا وغاضبا وجائعا أيضا.

2