قطر تواجه ضغوط نتنياهو بدرع سميك من المصالح الحيوية مع إدارة ترامب

التجاذبات بين إسرائيل وقطر لا تخفي حقيقة أن تل أبيب تظل في حاجة إلى دور الدوحة لإدارة الصراع مع حركة حماس الفلسطينية في زمن السلم والتهدئة كما في زمن الحرب والتصعيد، كما لا تحجب حقيقة أن القطريين أحسنوا توظيف المقدرات المادية الضخمة لبلدهم في إقامة شبكة مصالح بالغة المتانة مع الولايات المتحدة وفّرت للبلد حصانة ضدّ الضغوط الإسرائيلية وأي تبعات عملية ممكنة لتلك الضغوط.
الدوحة- لا يعكس استنكار قطر لما تعتبره الدوحة مساعي إسرائيلية لإفساد علاقتها بواشنطن حليفتها الإستراتيجية الكبرى حقيقة أنّ تلك العلاقة باتت مؤمّنة بمصالح حيوية اقتصادية وعسكرية كبيرة يُستبعد أن تضحي بها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمجرّد استرضاء الحليفة الأخرى تل أبيب التي قد تمثّل في بعض الحالات عبئا على الولايات المتحدة على الرغم من العلاقات التاريخية والصلات الوثيقة بين الطرفين.
وفي خضمّ التصعيد المستمرّ للصراع بين الدولة العبرية وحركة حماس الفلسطينية والانسدادات التي يشهدها، عمدت جهات إسرائيلية بشكل متكرّر إلى توجيه اتّهامات لقطر بدعم الحركة المنتمية لتنظيم الإخوان المسلمين وذلك على سبيل الضغط على الدوحة على خلفية اعتقاد تلك الجهات بامتلاك القطريين قدرة في التأثير في مواقف قادة حماس ودفعهم إلى تقديم تنازلات كبيرة تقترب من الاستسلام الكامل لأركان حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والاستجابة لطلباتها في ما يتعلّق بالأسرى الإسرائيليين لدى الحركة.
واستنكرت قطر، الثلاثاء، تداول وسائل إعلام إسرائيلية تقارير وصفتها بالمفبركة بهدف إثارة التوتر وإحداث شرخ في علاقاتها مع الولايات المتحدة “خلال مرحلة دقيقة من جهود الوساطة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس”.
وجاء ذلك في بيان صدر الثلاثاء عن مكتب الإعلام الدولي بقطر “ردا على التقارير المفبركة التي تم تداولها على وسائل الإعلام الإسرائيلية”.
وكانت القناة 12 الإسرائيلية الخاصة قد بثّت الأحد تقريرا بشأن ما قالت إنّها وثائق قطرية تثبت وجود دور للدوحة في تعزيز القدرات العسكرية لحماس.
واعتبر البيان أنّ “نشر هذه الوثائق في مثل هذا التوقيت ليس أمرا عشوائيا بل هو محاولة متعمدة لصرف الأنظار عن التغطية الإعلامية السلبية لممارساتهم (الإسرائيليين)غير المسؤولة في قطاع غزة، كما كشفت عنها التقارير خلال الأسبوع الماضي، في لحظة تقترب فيها الجهود من تحقيق تقدم حقيقي”.
ولا يخلو التراشق القطري – الإسرائيلي بحد ذاته من مفارقة تتمثّل في أنّ تل أبيب نفسها ظلت دائما في حاجة أكيدة إلى الدور القطري لإدارة العلاقة مع حركة حماس سواء في زمن السلم وفترات التهدئة، أو في زمن الحرب والتصعيد كما هو جار في الوقت الحالي، حيث تمر مختلف الاتصالات والمفاوضات في نطاق جهود التهدئة وإطلاق سراح الأسرى بشكل حتمي عبر القناة الدبلوماسية القطرية.
◄ علاقة قطر بترامب لم تكن متينة لكن الدوحة أحسنت الاستثمار في براغماتيته باستخدام مقدراتها المادية الضخمة
وتم بفعل الجهود القطرية التوصل في أكثر من مرة لاتفاقات بين تل أبيب وحركة حماس لتبادل أسرى، لكن حكومة نتنياهو وجهات إسرائيلية مقربة منها ظلت توجّه اتهامات للدوحة بعدم الضغط على الحركة الفلسطينية للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين وبمواصلة تمويل حماس سرّا.
وورد أيضا في البيان القطري أنه “لطالما استُخدمت هذه الأساليب من قبل أولئك الذين لا يأملون أن تكلل المساعي الدبلوماسية بالنجاح. فهم لا يرغبون في أن تثمر جهود دولة قطر بالتعاون مع إدارة الرئيس دونالد ترامب في ملفات قطاع غزة وغيرها من القضايا الإقليمية، سلاما عادلا ومستداما في المنطقة”.
وتابع البيان “تم استخدام أساليب مماثلة ضد من عبّروا عن رفضهم لاستمرار الحرب أو شاركوا في جهود دبلوماسية تهدف إلى إعادة الرهائن، بمن فيهم أعضاء في إدارة الرئيس الأميركي ترامب، وذلك في محاولة لتشويه سمعتهم وتقويض المسار الدبلوماسي”.
وتتصاعد الانتقادات داخل إسرائيل ضد نتنياهو من عائلات الأسرى والمعارضة، التي تتهمه بالخضوع لضغوط اليمين المتطرف داخل حكومته، وتمديد الحرب لتحقيق مصالح سياسية على حساب حياة الأسرى.
وتُقدر تل أبيب وجود 56 أسيرا إسرائيليا في غزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع في سجونها أكثر من 10 آلاف و400 فلسطيني يعانون من التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، ما أودى بحياة العديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
وأعلنت حركة حماس استعدادها لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين دفعة واحدة في مقابل إنهاء الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.
◄ التراشق القطري – الإسرائيلي لا يخلو بحد ذاته من مفارقة تتمثّل في أنّ تل أبيب نفسها ظلت دائما في حاجة أكيدة إلى الدور القطري لإدارة العلاقة مع حركة حماس
ورغم حالة الوفاق التاريخية بين الإدارات الأميركية المتعاقبة وإسرائيل، إلاّ أن خلافات طفت إلى السطح مؤخّرا بين إدارة ترامب وحكومة نتنياهو مأتاها الأساسي ما أصبحت تراه واشنطن في سياسات تل أبيب من تهديد لمصالحها الحيوية في المنطقة وخصوصا بلدانها الأكثر غنى.
وعلى الطرف المقابل، وعلى الرغم من أنّ علاقة قطر بإدارة ترامب الأولى لم تكن في أفضل حال، إلاّ أنّ الدوحة أحسنت استثمار مقدراتها المادية الضخمة لتحصين علاقتها مع الولايات المتحدة بمصالح بالغة الضخامة لمعرفتها ببراغماتية الرئيس الأميركي واتخاذه من المصالح الاقتصادية والمكاسب المادية معيار رئيسيا في التعامل مع شركاء بلاده شرقا وغربا.
ويوجد وجه أمني عسكري حيوي للعلاقة بين قطر والولايات المتحدة يتجلى في قاعدة العديد المقامة على الأرض القطرية وتعد أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط وتضمّ عددا هاما من نخبة القوات الأميركية ومعدّاتها الأكثر تطوّرا.
وفي نطاق الزيارة التي قام بها ترامب منتصف مايو الماضي إلى منطقة الخليج زار الرئيس الأميركي القاعدة المذكورة حيث أعلن عن استثمار قطري فيها بقيمة 10 مليارات دولار.
وكانت الزيارة ذاتها قد حملت المزيد من تشابك العلاقات الأميركية – القطرية من خلال توقيع اتفاقيات وعقد صفقات بأرقام ضخمة بلغت 1.2 تريليون دولار من بينها صفقة وصفت بالتاريخية لبيع طائرات بوينغ ومحركات جنرال إلكتريك للطيران إلى الخطوط الجوية القطرية بقيمة 96 مليار دولار.
وفي مظهر على حيوية العلاقة مع قطر بالنسبة إلى الولايات المتحدة قدّرت دوائر أميركية عدد الوظائف التي سيوفرها التعاون الاقتصادي مع قطر سنويا للأميركيين بـ154 ألف وظيفة.