الدبيبة وثوار مصراتة يقودون تحركات أمنية بنوايا سياسية غامضة

طرابلس – برزت مؤخرا تحركات لافتة في العاصمة طرابلس، تمثلت في اجتماع حاسم جمع رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، عبدالحميد الدبيبة، وعدد من قادة "ثوار مصراتة"، وذلك في خضم المشهد الليبي المعقد الذي تتشابك فيه خيوط السياسة والأمن.
وهذه الخطوة، التي أُعلن على إثرها عن تشكيل "غرفة عمليات مشتركة" بمهام أمنية واسعة، تُثير تساؤلات عميقة حول دوافعها الحقيقية ونواياها السياسية الكامنة، خاصة في ظل المطالبات المتزايدة بإنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات، مما يضع علامات استفهام حول ما إذا كانت تسعى لفرض الاستقرار والدفع بالبلاد نحو حل دائم، أو أنها محاولة لترسيخ نفوذ وسلطة مع تزايد الشكوك حول التزام الأطراف الفاعلة بالمسار الديمقراطي.
وكشفت مصادر خاصة لقناة "روسيا اليوم" الثلاثاء أنه تم الاتفاق على تشكيل غرفة عمليات مشتركة أوكلت إليها سبع مهام أمنية رئيسية تهدف إلى تعزيز الاستقرار في العاصمة طرابلس، ومنع أي انزلاق أمني يعطل المسار السياسي.
وبحسب المصادر شدد المجتمعون على ضرورة الإسراع في إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، مؤكدين رفضهم القاطع لأي مرحلة انتقالية جديدة أو تشكيل حكومة بديلة لا تستند إلى صناديق الاقتراع، وأكدوا تمسكهم بالمسار الديمقراطي كخيار وحيد لحل الأزمة السياسية المستمرة في ليبيا.
وذكرت المصادر أن المهام السبع الموكلة لغرفة العمليات المشتركة تتمثل في: تنفيذ الترتيبات الأمنية التي أقرها المجلس الرئاسي، ومتابعة مدى الالتزام بها على الأرض، رصد التحركات المشبوهة وغير المنسقة داخل العاصمة، والتدخل الفوري لمنع أي تصعيد عسكري، تفكيك ودمج التشكيلات المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة ضمن مؤسسات الجيش والأمن النظامية، تأمين المنشآت السيادية والمرافق الحيوية ومنع أي محاولات اعتداء أو تهديد مسلح ضدها، تنسيق الجهود الأمنية بين وزارتي الدفاع والداخلية لضمان توحيد القرار الميداني، دعم اللجنة المؤقتة للترتيبات العسكرية في تنفيذ مهامها وتعزيز جهود الاستقرار، وتثبيت الحضور الأمني الرسمي في الشارع وطمأنة المواطنين عبر منع الانزلاق إلى المواجهات.
وتأتي هذه الخطوة تماشيا مع إعلان الدبيبة الأسبوع الماضي أنه سيقدم بمبادرة سياسية للخروج من حالة الجمود السياسي التي تعيشها بلاده منذ أعوام، وردّا على المطالب الشعبية التي تدعو لرحيله وحكومته من السلطة.
وتتضمّن المبادرة 3 مسارات، تبدأ بإعادة هيكلة الحكومة على أساس الكفاءة وبعيدا عن المحاصصة أو التأثيرات الموازية، ثم إطلاق مشروع الاستعلام الوطني كمسار جامع ومعبّر عن الإرادة الشعبية، ووضع آلية واقعية لتأمين الانتخابات، وإنهاء ذريعة وجود حكومة موازية.
وتُشير هذه الخطوة بوضوح إلى سعي الدبيبة لترسيخ قبضته على السلطة في طرابلس، فتشكيل غرفة العمليات المشتركة مع كتائب مصراتة يُظهر رغبته في تحييد أي تشكيلات مسلحة قد تُزاحمه النفوذ، وذلك تحت غطاء "فرض سلطة الدولة" و"تحقيق الاستقرار".
وعلى الرغم من تصريحاته المتكررة حول الانتخابات كحل للأزمة، إلا أن هذه الإعلانات تبدو فضفاضة ومجرد وسيلة لامتصاص الضغوط، حيث يبدو مترددا في التنازل عن منصبه، حتى مع تزايد المطالبات الداخلية والخارجية بإنهاء المرحلة الانتقالية. فالاستقرار الأمني، وإن كان ضروريا، قد يُستخدم هنا كأداة لتعزيز موقعه، لا كهدف بحد ذاته يمهد لرحيله.
مع ذلك، تُبرز هذه التحركات تحديات جمة، فالوعود بتفكيك ودمج التشكيلات المسلحة تتكرر في ليبيا، لكنها تصطدم دوما بتضارب المصالح والولاءات العميقة لهذه المجموعات. فتأكيد الدبيبة على الانتخابات كخيار وحيد، ورفضه لأي حكومة بديلة، قد لا يكون إلا محاولة للبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، في ظل مسار سياسي يشوبه التأجيل المستمر.
ويتوقف نجاح هذه الخطوة على قدرة الدبيبة على تطبيق هذه القرارات بفعالية على أرض الواقع، وسط بيئة أمنية وسياسية بالغة التعقيد، حيث تتزايد التهديدات للهدنة وتتواصل الهجمات على المؤسسات، مما يستدعي تدخلا جادا لضمان حماية المدنيين وتحقيق الاستقرار المنشود.
ويأتي هذا التوافق في وقت تشهد العاصمة طرابلس حالة من الانفلات الأمني المتصاعد، بلغت ذروتها باعتداء مجهولين على مقر هيئة الرقابة الإدارية، وسط توترات سياسية متزايدة ومخاوف من تصاعد العنف في المدينة.
وتزامن هذا مع خروقات متكررة للهدنة الهشة، بعد اندلاع مواجهات بين قوات "اللواء 444 قتال" التابع لحكومة الوحدة الوطنية بقيادة محمود حمزة، و"قوة الردع لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة" بقيادة عبدالرؤوف كارة، ما أثار ردود فعل محلية ودولية حادة.
وأدانت هيئة الرقابة الإدارية الاعتداء الذي استهدف مقرها الإداري في شارع 17 فبراير (الجمهورية)، حيث أضرم مجهولون النار في بعض المكاتب التابعة للهيئة، ما تسبب بأضرار مادية جسيمة.
وأعلنت الهيئة في بيان رسمي أنها باشرت تحقيقات عاجلة للكشف عن المسؤولين، مؤكدة استمرارها في أداء مهامها بمكافحة الفساد ورصد الجهات المختلفة، رغم الظروف الأمنية الصعبة.
وشددت الهيئة على أن الحادث لن يثنيها عن أداء دورها الرقابي، بل يعزز إصرارها في تعزيز الشفافية.
وفي ظل تدهور الوضع الأمني، اتهم النائب علي الصول في تصريح لـ"تلفزيون المسار" الدبيبة والمجلس الرئاسي بالمسؤولية عن الفوضى المستمرة في طرابلس.
وأشار الصول إلى أن التشبث بالسلطة من قبل الدبيبة ونشر الفتنة وتوريط الشباب في صراعات دموية تزيد الوضع تعقيدًا، داعيًا إلى إخراج التشكيلات المسلحة من العاصمة ووقف ما وصفه بـ"حكومة الحرب".
وشدد الصول على ضرورة استجابة الدبيبة لصوت الشارع، محذرًا من فشل الهدنة واحتمال تصاعد الصدامات.
من جهته، أبدى عضو مجلس الدولة أحمد لنقي قلقه من التوترات الأمنية المتصاعدة في طرابلس، محذرًا من أن اختراق الهدنة لا يخدم سوى زرع الفتنة وزيادة الانقسامات.
وطالب لنقي العقلاء بالتدخل لإنهاء حالة الانقسام العميقة التي تعصف بالبلاد، مؤكدًا أن وجود حكومتين في العاصمة يزيد من تعقيد الأزمة.
ودعا إلى ضرورة جمع الأطراف المتنازعة إلى طاولة المفاوضات من أجل حل جذري ومستدام.
على الصعيد الدولي، أدانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا خروقات الهدنة خلال عطلة عيد الأضحى، بما في ذلك الاشتباكات الأخيرة والاعتداء على مقر المفوضية الوطنية العليا للانتخابات.
ودعت البعثة جميع الأطراف لاحترام الهدنة وعدم تقويضها، مشددة على أن الهدف الأساسي من إنفاذ القانون هو حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية.
كما أكدت البعثة مراقبتها الدقيقة للانتهاكات وحثها على تجنب التصعيد واللجوء إلى الحوار عبر آلية الهدنة، مطالبة بمحاسبة المسؤولين عن الهجمات على المدنيين.
يأتي هذا التصعيد في ظل مشهد سياسي معقد يتسم بتنافس قوى مختلفة على السلطة ووجود تشكيلات مسلحة متعددة في طرابلس غير خاضعة لسيطرة مركزية.
ويُعد فشل الحكومة في فرض الأمن وتوحيد المؤسسات عاملًا رئيسيا في تفاقم الانفلات، بينما تؤدي الخلافات السياسية إلى تعميق الأزمة الأمنية، مما يجعل العاصمة عرضة لمزيد من التصعيد والعنف.
وتشكل التهديدات المستمرة لوقفات الهدنة والهجمات المتكررة على المؤسسات الرسمية تهدد جهود السلام وتزيد من معاناة المدنيين، ما يستدعي تحركًا عاجلًا من الأطراف الوطنية والدولية لضبط الأوضاع وتوحيد الجهود نحو حل سياسي شامل.
وتفرض الأوضاع في طرابلس تحديات كبيرة على الدولة، حيث تتداخل الأزمات الأمنية والسياسية، ويبرز ضرورة العمل الجاد على حماية المؤسسات وحفظ أمن المواطنين.