حمدوك يقوض رواية الجيش: الخرطوم لا تساوي السلام في السودان

رفض حمدوك حكومة الجيش ينبع من قناعته بأن أي حل عسكري لن يجلب الاستقرار للسودان، فهو يراها "زائفة" لا تعالج جذور الصراع الحقيقي.
الخميس 2025/06/05
حمدوك يحذّر من حكومة الجيش "الزائفة"

مراكش (المغرب) - رفض رئيس وزراء السوداني السابق عبدالله حمدوك الأربعاء تحركات الجيش لتشكيل حكومة جديدة ووصفها بأنها "زائفة"، مؤكدا أن انتصاراته العسكرية الأخيرة، بما في ذلك استعادة العاصمة الخرطوم ومناطق أخرى، لن تنهي الحرب الأهلية المستمرة منذ أكثر من عامين في البلاد.

وتأتي تصريح حمدوك، وهو شخصية مدنية بارزة قادت مرحلة انتقالية ديمقراطية قصيرة في السودان، ليضيء على تعقيدات الأزمة السودانية وتحدياتها.

ففي الوقت الذي جرى فيه تسويق تقدم الجيش بسيطرته على الخرطوم في 20 مايو الماضي على أنه بداية نهاية الحرب لصالحه، يرى حمدوك أن هذا الانتصار العسكري لا يمثل نهاية للصراع، حيث يشير الواقع إلى أن المعارك قد تمتد إلى فترة طويلة، ومن الصعب حسمها عسكريا على ضوء المعارك الأخيرة.

وفي مقابلة نادرة مع وكالة أسوشيتد برس، على هامش مؤتمر الحوكمة الذي تنظمه مؤسسة مو إبراهيم في المغرب، شدد حمدوك على أنه "لا يمكن لأي انتصار عسكري، سواء في الخرطوم أو في أي مكان آخر، أن ينهي الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف وشردت الملايين من منازلهم."

وأضاف "سواء تم السيطرة على الخرطوم أم لا، فإن ذلك غير ذي صلة. لا يوجد حل عسكري لذلك. لن يتمكن أي طرف من تحقيق انتصار حاسم."

وتحمل هذه التصريحات ثقلا خاصا بالنظر إلى الخلفية السياسية لحمدوك، الذي أصبح في عام 2019 أول رئيس وزراء مدني للسودان بعد عقود من الحكم العسكري.

واستقال حمدوك في يناير 2022 بعد فترة مضطربة تخللها انقلاب ثم عودته لفترة وجيزة. ومنذ ذلك الحين، ظل منصب رئيس الوزراء شاغرا حتى تعيين كامل إدريس من قبل رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبدالفتاح البرهان، وسط توقعات بإعلان حكومة جديدة خلال أسابيع.

وينبع رفض حمدوك لتشكيل الحكومة الجديدة من قناعته الراسخة بأن أي حل عسكري، مهما بدا منتصرا، لن يجلب الاستقرار المنشود للسودان، فهو يرى أن محاولة تشكيل حكومة في ظل استمرار الحرب، ودون معالجة الأسباب الجذرية للصراع، هي خطوة "زائفة" لا تقدم حلولًا حقيقية.

هذا الموقف يتعارض بشكل مباشر مع توجهات الجيش الذي يسعى لترسيخ سلطته بعد مكاسبه الميدانية، وتعهد البرهان للحركات المسلحة التي شاركت في القتال بضمان حصة لها في الحكومة الجديدة، مما يضفي عليها صبغة عسكرية أكثر من كونها مدنية شاملة.

وتأتي الخلافات بين القوى المتحالفة مع الجيش لتؤكد وجهة نظر حمدوك، حيث أثار حل رئيس الحكومة الجديد للحكومة السابقة تمهيدا لتشكيل أخرى، نزاعا حول توزيع السلطة التنفيذية.

وهذه المطالبات بالحصص والمغانم، في ظل استمرار المعاناة الإنسانية الهائلة، تعكس عدم التركيز على أولويات الشعب السوداني. بالنسبة لحمدوك، فإن تشكيل حكومة بهذا الشكل، حتى لو كان الهدف هو استيعاب الأطراف المسلحة، سيفشل في بناء الثقة وتحقيق السلام الدائم، بل قد يزيد من تعقيدات المشهد السياسي ويطيل أمد الأزمة.

واندلع النزاع في السودان بين الحليفين السابقين البرهان ونائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع في 15 أبريل 2023 وسرعان ما امتدت الاشتباكات التي بدأت في الخرطوم إلى معظم ولايات البلد المترامي الأطراف.

وقد أدت الاشتباكات بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية إلى مقتل ما لا يقل عن 24 ألف شخص، على الرغم من أن الكثيرين يعتقدون أن العدد الحقيقي أكبر بكثير.

ووصف حمدوك، الاقتصادي السابق البالغ من العمر 69 عاما والذي يقود الآن التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة "صمود" من المنفى، فكرة أن الصراع يتراجع بأنها "هراء مطلق". وقال إن فكرة بدء إعادة الإعمار في الخرطوم بينما يستعر القتال في أماكن أخرى هي "سخيفة تماما".

وفي جوهر رؤية حمدوك، يكمن الإيمان الراسخ بأن أي محاولة لتشكيل حكومة في السودان اليوم هي "زائفة" و "غير ذات صلة" إذا لم يتم معالجة الأسباب الجذرية للحرب.

يدعو حمدوك إلى وقف إطلاق النار وإطلاق عملية موثوقة لاستعادة الحكم الديمقراطي المدني، مؤكدًا على ضرورة مواجهة التفاوتات العميقة في السودان. وتشمل هذه التفاوتات التنمية غير المتكافئة، والقضايا بين المجموعات السكانية المختلفة، والتساؤلات حول دور الدين في الحكومة.

وأضاف "الثقة في أن الجنود سيجلبون الديمقراطية هي ادعاء خاطئ".

واختتم حمدوك تصريحاته بتحذير واضح "الثقة في أن الجنود سيجلبون الديمقراطية هي ادعاء خاطئ" وهذه العبارات تلخص رؤيته لمستقبل السودان، حيث لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار إلا من خلال عملية شاملة تعالج القضايا الجوهرية التي أدت إلى هذا الصراع المدمر، وتضع الحكم المدني الديمقراطي في صميم أي حل مستقبلي.