حل الحكومة السودانية يُدخل البرهان في متاهة إرضاء الحلفاء

الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا تطالب بحصتها من السلطة التنفيذية.
الخميس 2025/06/05
أمام مهمة صعبة

يواجه رئيس الوزراء السوداني الجديد كامل إدريس، ضغوطا من أطراف عدة بينها الحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش، والتي تريد أن تضمن لها حصة في الحكومة الجديدة.

الخرطوم - أعاد قرار رئيس الوزراء السوداني المعين حديثا كامل إدريس حل الحكومة تمهيدا لتشكيل أخرى، الخلافات بين القوى المتحالفة مع الجيش، حيث تطالب تلك القوى بحصتها من السلطة التنفيذية. واعتبرت حركة العدل والمساواة التي يقودها وزير المالية (المُقال) جبريل إبراهيم أن قرار حل الحكومة الحالية مخالف لاتفاق سلام جوبا، ويؤثر على تماسك الجبهة الداخلية.

وقال المتحدث باسم حركة العدل والمساواة معتصم أحمد صالح على فيسبوك إن حلّ الحكومة بالكامل مخالفة صريحة لنص المادة 8.3 من اتفاق جوبا للسلام، وإن قرار الحل يتجاوز النص والضمانات المتفق عليها دوليًا.

ويعبّر رفض الحركة للقرار على لسان المتحدث باسمها عن رغبة في استطلاع موقف رئيس الحكومة الجديد من الحركات المسلحة، وحجز مكان في فريقه الوزاري لقيادات الحركات التي تسيطر على وزارات مهمة، في مقدمتها المالية والمعادن، والسيطرة على الوزارتين يفوق في أهميته تواجد الحركات في هياكل السلطة التنفيذية الكبرى.

ويخشى حاكم إقليم دارفور مني آركو مناوي، وهو رئيس حركة جيش تحرير السودان في دارفور، أن يطال تعديل هياكل السلطة موقعه أيضا، واختار طريق المهادنة مع رئيس الوزراء الجديد، ويطمع مناوي أيضا في أن تبقى حركته في وزارة المعادن التي يرأسها محمـد بشيـر أبونمو قبل صـدور قرار بإقـالته مع الـوزراء الآخرين.

الشفيع أديب: المجموعات المتحالفة مع الجيش تحاول فرض إملاءاتها
الشفيع أديب: المجموعات المتحالفة مع الجيش تحاول فرض إملاءاتها

ويبدو أن الصراع على مقاعد الوزارات في الحكومة الجديدة سيكون حادا، رغم الاتجاه نحو اختيار تكنوقراط لقيادتها، وقد تذهب الحركات للقبول بأخف الأضرار بحثا عن ترشيح عدد من المحسوبين عليها لتولي مناصب وزارية. وهو الأمر ذاته بالنسبة إلى القوى الإسلامية والمجموعات المسلحة والكتلة الديمقراطية المنشقة عن قوى الحرية والتغيير، وسيتم تقديم العون السياسي للجيش، وحال رضخ كامل إدريس لتلك التدخلات قد يفشل في مهمته قبل أن تبدأ.

وما يبـرهن على عــدم رضـاء الأطراف المتحالفة مع الجيش عن تشكيـل حكـومـة جديـدة أن قــائده الفـريق أول عبـدالفتاح البـرهـان واجه عثـرات في عمليـة اختـيار وتعيين رئيس وزراء مـدني، وجـرت مشاورات عـدة مـن دون أن تسفـر عن نتيجة، خشية من لعبة الحسـابات السياسية والفـواتير التي وجد الجيش نفسه مضطرا لدفعها.

وظهرت خلافات بين الأطراف المتحالفة مع الجيش في العلن بين حين وآخر قبل أن يتمكن قادته من إخمادها، ولا أحد يضمن هذه المرة قيامه بالأمر ذاته، مع وضعية الصراع الدائر في السودان، والذي يحمل طابعا سياسيا في علاقة بالسيطرة على السلطة.

وقال المحلل السياسي السوداني الشفيع أديب إن الصراع على السلطة سبب رئيسي لاندلاع الحرب بين قوات الجيش والدعم السريع، والمجموعات التي تتحالف مع الأول تلقت وعودا تحدث عنها البرهان في خطابات سابقة بشأن إشراكهم في السلطة، ويحدث ذلك بما لا يؤثر على التحالفات القائمة، والربط بين إقالة الوزراء واتفاق جوبا للسلام ليس في محله، لأن اتفاق الحركات كان مع قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) وهو خارج السلطة الآن، كما أن الفترة الانتقالية وفقا للوثيقة الدستورية انتهت مطلع العام الماضي.

وأشار أديب في تصريحات لـ”العرب” إلى أن الحركات المسلحة لديها رغبة في أن يدخل البرهان طرفا على خط تشكيل الحكومة الجديدة بما يجعلها تضمن مواقعها، ما يعني التأثير على الصلاحيات الممنوحة لرئيس الوزراء الجديد، مع الحديث عن منحه الحرية في اختيار من يناسب الفترة المقبلة، وهناك تعويل على تعهدات البرهان بإرضاء الحلفاء، بشكل يضاعف التعقيدات أمام رئيس الحكومة الجديد، الذي وضع في أولوياته القضاء على الدعم السريع، بما يتماشى مع توجهات الجيش وحلفائه ويتعارض مع وقف الحرب.

ولفت المحلل السوداني إلى أن المجموعات المتحالفة مع الجيش تحاول فرض إملاءاتها، وتوظيف الصراع العسكري لصالحها، وحال لم يتجاوب البرهان، فإن الانشقاق سيكون أمرا واقعا، ومثلما انقسمت “تقدم” إلى “صمود” و”تأسيس” سيكون ذلك من الوارد بالنسبة إلى معسكر الجيش، وقد تخرج معارضة من داخله، فالسودان يشهد صراعا ظاهرا بين الجيش والدعم السريع، وآخر خفيا قوامه الأحزاب والتنظيمات السياسية والحركات المسلحة والقبائل، وكلما جرى اتخاذ خطوات سياسية سيظهر الصراع الداخلي للعلن.

وبموجب اتفاقية جوبا للسلام الموقعة في أكتوبر 2020، أدخلت تعديلات على الوثيقة الدستورية، منها حذف عبارة “لامركزية” في وصف الدولة واستبدالها بكلمة “فيدرالية”، وتمديد الفترة الانتقالية لتصبح 39 شهرا من تاريخ التوقيع على الاتفاقية، وانتهت في يناير من العام الماضي.

◙ عــدم رضـاء الأطراف المتحالفة مع الجيش عن تشكيـل حكـومـة جديـدة يعكس فشل البـرهـان في اختـيار رئيس وزراء مـدني

ونشرت وزارة العدل السودانية في فبراير الماضي الوثيقة المعدلة في الجريدة الرسمية، وألغي بموجب التعديلات أيّ ذكر لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع، وأقرت الوثيقة المعدلة تمديد الفترة الانتقالية إلى 39 شهرا، ما لم يتم التوصل إلى توافق وطني أو تنظيم انتخابات جديدة. ومنح التعديل مجلس السيادة صلاحيات واسعة، منها تعيين وإعفاء رئيس الوزراء بتوصية من السلطة التشريعية الانتقالية، وتعيين وإعفاء حكام الأقاليم وولاة الولايات.

وذكر الشفيع أديب لـ"العرب" أن إقدام السلطة السودانية على إدخال تعديلات على الوثيقة الدستورية أمر غير قانوني بسبب أطراف أخرى وقعت عليها لم تعد موجودة الآن، وكان يمكن إلغاء القديمة وتأسيس أخرى، بالتالي فالارتكان عليها يشوبه عدم شرعية، ما يجعل هناك وضعية لاحتمال حدوث تمرد لمجموعات مسلحة أو ظهور معارضة سياسية قوية للحكومة الجديدة.

ويمكن لرئيس الحكومة التغلب على المأزق الحالي بدعوة جميع القوى السياسية في الداخل والخارج لحوار سوداني – سوداني، يتم بمقتضاه التوصل إلى اتفاق على تشكيل حكومة جديدة، ويسبق ذلك صدور قرارات عفو من جانب البرهان بحق السياسيين الذين وجهت لهم اتهامات في ظاهرها قانوني وفي باطنها تحمل وجها سياسيا بشأن ارتكاب فظائع ووقف ملاحقتهم جنائيا، مثلما كان الوضع مع نائب رئيس مجلس السيادة مالك عقار الذي واجه اتهامات مماثلة.

ويقلل متابعون من إمكانية الانفتاح على جميع القوى السياسية حاليا، لوجود أطراف لديها تحالفات مع قوات الدعم السريع تحت تحالف "تأسيس"، كما أن قائد الجيش يهدف من خلال الحكومة السودانية إلى تجاوز مسألة عدم الاعتراف بالسلطة أمام الاتحاد الأفريقي، الذي وصف ما حدث في أكتوبر 2021 بالانقلاب على السلطة المدنية.

2