كاميكازي "الدولمة" العراقية العميقة

على البرلماني العراقي الحذر من خصلتين بحسب خبرة سند السياسية “الضعف والطيبة”.. الحياة في صالون العراق النيابي تحتاجُ وجهين: وجه لا يرحم مع الزملاء وودود مع الشارع.
الخميس 2025/06/05
باقون إلى يوم القيامة

النائب العراقي، مصطفى سند، وصف زملاءه في البرلمان العراقي بـأنهم “مو خوش أوادم”؛ أي غير جيَّدين. عاد بعدها لحشوه بالمزيدٍ من التفصيلات “الجيدون في البرلمان لا تتجاوز نسبتهم الأربعين في المئة وهم على الصامت.” سند، رغم كُل شيء لديه إيمان بخلود هذا النظام “باقون إلى يوم القيامة.” يرى كذلك أن نسبة المشاركة الجماهيرية في الانتخابات النيابية لا تؤثِّر على شرعية النظام “سواء واحد أو خمسة في المئة.” وعليه فإن اتصال الصندوق الانتخابي بالمخرجات السياسية المرغوبة شعبياً في العراق يكون دائماً على وضع الـ”أوفلاين”.

أحمد البشير، الكوميدي العراقي الشهير بانتقاداته للنظام العراقي، كان واحداً من الأسباب البارزة التي أدَّت إلى ظاهرة “تَمَخَض البرلمان فولد سنداً.” النُسخة الأقدم من هذه الظاهرة تسلَّقت البرلمان حينها بفضل مبارزاته اللفظية مع البشير. نوع من الاحتفال الروماني بعودة جنرالٍ منتصر، لكن بدل إكليل الرأس نال مقعداً نيابياً. شَعَرَ النظام بالحاجة إلى هذا النصر الروماني المؤقت لأنَّ شَعْر شرعيَّته كان كفتاةً في سيارةٍ مكشوفة، يتطايرُ في كُل الاتجاهات مع كُل ضغطةٍ من انتقادات البشير على دوَّاسة برنامجه.

أصبح الكوميدي العراقي بعدها رئيس “جمهورية البشير شو”. السياسيون العراقيون بدأوا يحجون إلى برنامجه زرافاتٍ ووحدانا؛ فصعود سيارة مكشوفة في مرآب البرنامج أسلمُ من ركوبها مع البشير عن بُعد. النتيجة التي أرادها النظام السياسي هي حُقنة قبول تنفعهم شعبياً.

النائب سند نوعٌ مختلف. هو درسٌ مجّاني للَّاعبين السياسيين في كيفية الدخول “أونلاين” مع الشعب. التصريحات النارية على السوشيال ميديا تُعطي الناس القُدرة على “التنفيس” بحسب النائب، وأيضاً لحظات بسيطة من التواصل بين النيابي والفرد العادي لا تتجاوز ثواني مقطع “ريلز” على منصات التواصل الاجتماعي.

شكوك الناس البسطاء المسلوقين بصعوبات الحياة تذبل سريعاً، ويرضى الناس بهذه السياسة الكاميكازية لأن "القوانين تعبانة" في البلاد على حدِّ تعبير النائب

الدرس الآخر للنائب هو كيفية أن تكون “انتحاريا” في التصريحات وتبقى حيَّاً في السياسة العراقية. يجب على البرلماني العراقي الحذر من خصلتين بحسب خبرة سند السياسية “الضعف والطيبة”. الحياة في صالون العراق النيابي تحتاجُ وجهين “وجه لا يرحم مع الزملاء وودود مع الشارع.”

الدرس الثالث للشباب الطامحين إلى دخول المجلس النيابي هو الحصول على “ثروة رمزية” بالرماية على أهدافٍ سياسية كبيرة. أمثلة النائب العملية للحصول على هذه الثروة عديدة، منها وصفه لمصطفى الكاظمي رئيس الحكومة السابق بأنَّه “رجل الصدفة الذي لا يستحق مكانه،” كما قيَّم محمد شياع السوداني رئيس الحكومة الحالية بالقول “ناجح كوزير فاشل كرئيس وزراء.” هذه الدروس الثمينة دفعت مُعجباً للتعليق “الآن فهمت كل شيء بهذه الدولمة العميقة.” وبالفعل فهذه الأكلة العثمانية الأصل التي تعتمد على الحشو، تشبهُ في نواحٍ كثيرة كيفية “التنسيق الإطاري” لحشو الفهم السياسي في رأس المواطن.

هذا النائب الكاميكازي “الرياح المُقدَّسة” استطاع الهبوب على “ستة عشر فاسداً” والرمي بهم خلف القضبان. كاميكازي 16غيغابايت استطاع ذلك لأن النظام العراقي – هذا من الدروس غير المدوَّنة في المنهاج السياسي – عصفور يريد أن يُنظِّف نفسهُ بنفسه، لا بملفات الفساد التي تدخل هيئاته الرقابية فتبيتُ صُراخاً إعلامياً وتُصبِحُ كرشاً منسيَّاً اسمهُ لجنة تحقيق. أمّا لبُّ المسألة فهو نتف اللاعبين السياسيين لريش بعضهم الآخر من الواجهات الاقتصادية – رجال الأعمال – و بالتالي حِفاظ صُنَّاع الملوك وأمراء السلاح في العراق على توزيع غيغابايت الثروات والنفوذ دون شريكٍ مُزعج.

شكوك الناس البسطاء المسلوقين بصعوبات الحياة تذبل سريعاً، ويرضى الناس بهذه السياسة الكاميكازية لأن “القوانين تعبانة” في البلاد على حدِّ تعبير النائب. جدار الشك عند آخرين غيرُ مرئي بالنسبة إليه، لأنه يمتلك جمهوراً يخترِقُ الحائط “جمهوري حشداوي”. هو إذاً “مستقل” ومن لا يُعجِبُه ذلك فليضرب رأسه بكل الحيطان.

النائب سند ممكنٌ تعريفه بـ”تطبيق سياسي مكتوب بكودات شعبوية تتوفر دائماً نُسخة منه في متجر بلي نظام ما بعد 2003.” لكن ما يُعاب على مثل هكذا تطبيقات أمران أساسيان. الأول، هو احتمالُ منافستها من قبل تطبيقات أحدث ولهذا تبحثُ عن مموِّل حزبي لها في كُل دورة انتخابية جديدة كي تُحدِّث “كوداتها” بمقعد نيابي. الثاني، يتعلَّق بقُدرته على المطاولة بسلوكٍ لا يُشبه “جمهوره السوشيالي والمُتحشِّد”. مع الأسف شعر النائب بالتعب قبل أسابيع نتيجة انتقاداتٍ وجِّهت له، دفعته لاستخدام “استقلاليته” والذهاب بسيارات دفعٍ رُباعية مع حمايته، إلى قناة فضائية تواجد فيها مُطلق تلك الانتقادات. كان الهدف أن يُريه عظائِم سند. الحمد لله أن “الأخلاق العشائرية” التي يفتخِرُ النائب بها وحظ الناقد بالتواجد في “مضيف الشيخ” الفضائي أنقذته من العاقبة.

أختمُ بالإشارة إلى لقائي مع السياسي العراقي ظافر العاني في تحضيرات انتخابات 2018، والتي أُثير فيها حديث عن ضرورة مشاركة الشباب في الحياة السياسية ما دفعهُ للتعليق “يجب أن لا يُخدعوا بالشعارات.” الإعلان الشبابي لم يكُن لعبة دعائية بقدر ما كان رافعة سياسية “ضرورية” لحزبٍ سياسي تأسس في يوليو 2017 – تفسيري الحالي – علماً إنهُ في الأنظمة السياسية المحترمة ولو بالحد الأدنى فإن الشباب والشيوخ سيجدون قوانين وسياسات متراكمة، يضيفون إليها أو يبتدعون منها وهم على امتلاء لا على فراغٍ يبحثُ عن سند.

8