شركات ناشئة تُحدث ثورة في صناعة البرمجيات

إيرادات كبيرة تحققها منصات البرمجة الإيقاعية.. وتقييمات مستقبلية أعلى.
الخميس 2025/06/05
وظائف المبرمجين يبتلعها الذكاء الاصطناعي

قطاع تطوير البرمجيات يشهد تحوّلًا جذريًا في إستراتيجياته الاستثمارية، مع تصاعد الرهانات على الذكاء الاصطناعي كعامل حاسم في رسم ملامح المستقبل الرقمي، وتحول إلى محور تنافسي تدور حوله طموحات الشركات حول الحصص في السوق.

نيويورك - بعد عامين من إطلاق شركة أوبن أي.آي برنامج  تشات جي.بي.تي، ظل عائد الاستثمار في الذكاء الاصطناعي التوليدي بعيد المنال، لكنّ مجالًا واحدًا يبرز وهو تطوير البرمجيات.

وتحظى شركات توليد الشفرات البرمجية الناشئة بتقييمات خيالية، حيث تتطلع مجالس إدارة الشركات إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة مهندسي البرمجيات البشريين ذوي الأجور المرتفعة، وأحيانًا استبدالهم.

وجمعت كورسور، وهي شركة ناشئة لتوليد الشفرات البرمجية مقرها سان فرانسيسكو، 900 مليون دولار بتقييم 10 مليارات دولار في مايو من قائمة من نخبة من مستثمري التكنولوجيا، بما في ذلك تريف كابيتال وأندرسون هورووينز وأكسيل.

ويمكن لبرنامج كورسور اقتراح وإكمال أسطر الشفرات البرمجية وكتابة أقسام كاملة منها بشكل مستقل.

ولفتت ويندسورف، وهي شركة ناشئة مقرها ماونتن فيو، وصاحبة أداة برمجة الذكاء الاصطناعي الشهيرة كوديوم، انتباه أوبن أي.آي، والتي تجري حاليًا محادثات للاستحواذ على الشركة مقابل 3 مليارات دولار، وفقًا لمصادر مطلعة تحدثت لرويترز.

سكوت وو:  الذكاء الاصطناعي غيّر دور مهندس البرمجيات كثيرا
سكوت وو: الذكاء الاصطناعي غيّر دور مهندس البرمجيات كثيرا

وتُعرف أداتها بترجمة الأوامر الإنجليزية البسيطة إلى رموز، وهو ما يُسمّى أحيانًا “ترميز الاهتزاز”، والذي يسمح للأشخاص الذين لا يعرفون لغات الكمبيوتر بكتابة البرامج.

وقال سكوت وو الرئيس التنفيذي لشركة كوغنتيشن الناشئة لتوليد الرموز لرويترز “لقد أتم الذكاء الاصطناعي جميع الأعمال المتكررة والمملة. لقد تغير دور مهندس البرمجيات بشكل كبير. لم يعد الأمر يتعلق بحفظ قواعد اللغة المعقدة.”

ويعتقد مؤسسو الشركات الناشئة لتوليد الرموز ومستثمروها أنهم في وضع صعب، مع تقلص فرصهم في اكتساب قاعدة حرجة من المستخدمين وترسيخ أداة برمجة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم كمعيار في هذا المجال.

ولكن لأن معظمها مبني على نماذج أساسية للذكاء الاصطناعي طُوّرت في أماكن أخرى، مثل أوبن أي.آي وأنثروبيك وديب سيك، فإن تكاليف الاستعلام لكل طلب آخذة في الارتفاع أيضًا، ولا يُحقق أيّ منها أرباحًا حتى الآن.

كما أنها معرضة لخطر التعطيل من قِبل غوغل ومايكروسوفت وأوبن أي.آي، والتي أعلنت جميعها عن منتجات جديدة لتوليد الأكواد في مايو، وتعمل أنتروبيك أيضًا على منتج واحد، وفقًا لمصدرين مطلعين على الأمر لرويترز.

ويأتي النمو السريع لهذه الشركات رغم تنافسها على معقل عمالقة التكنولوجيا. فقد نمت إيرادات غيتهوب كوبيلوت من مايكروسوفت التي أُطلقت في 2021 وهي لاعب مهيمن في توليد الأكواد، إلى أكثر من 500 مليون دولار العام الماضي، وفقًا لمصدر مطلع.

ورفضت مايكروسوفت التعليق على إيرادات غيتهوب. وفي مكالمة أرباح في أبريل، قالت الشركة إن “المنتج لديه أكثر من 15 مليون مستخدم.”

سكوت راني: الأمر يتعلق بمن سيتمكن من بيع منتجاته بشكل أفضل
سكوت راني: الأمر يتعلق بمن سيتمكن من بيع منتجاته بشكل أفضل

ومع إحداث الذكاء الاصطناعي ثورةً في الصناعة، قد تُلغى العديد من الوظائف لاسيما وظائف البرمجة للمبتدئين التي تتطلب مهاراتٍ أبسط وأكثر تكرارًا.

ووجدت سيغنال فاير، وهي شركة رأس مال مخاطر تتابع التوظيف في قطاع التكنولوجيا، أن عدد الموظفين الجدد الذين تقل خبرتهم عن عام واحد انخفض بنسبة 24 في المئة خلال عام 2024.

وهذا الانخفاض تُعزى إليه المهام التي كانت تُسند سابقًا إلى مهندسي برمجيات مبتدئين، والتي أصبحت تُنجز الآن جزئيًا باستخدام الذكاء الاصطناعي.

كما صرّح الرئيس التنفيذي لغوغل في أبريل بأن “أكثر من 30 في المئة” من برمجيات الشركة تُولّد الآن بواسطة الذكاء الاصطناعي.

وسبق أن أكد الرئيس التنفيذي لأمازون، آندي جاسي، العام الماضي بأن الشركة وفرت “ما يعادل 4500 سنة من عمر المطورين” باستخدام الذكاء الاصطناعي.

وفي مايو الماضي، صرّح ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لمايكروسوفت خلال أحد المؤتمرات بأن ما يقرب من 20 إلى 30 في المئة من برمجياتهم تُولّد الآن بواسطة الذكاء الاصطناعي.

وفي الشهر نفسه، أعلنت الشركة عن تسريح 6 آلاف عامل حول العالم، وأكثر من 40 في المئة منهم من مطوري البرمجيات في ولاية واشنطن، موطن مايكروسوفت.

وقال متحدث باسم الشركة “نركز على ابتكار ذكاء اصطناعي يُمكّن المطورين من أن يكونوا أكثر إنتاجية وإبداعًا ويوفر الوقت.” وأضاف “هذا يعني أن بعض الأدوار ستتغير مع هذه الثورة، لكن الذكاء البشري يبقى محور دورة حياة تطوير البرمجيات.”

وتفخر بعض منصات “البرمجة الإيقاعية” بالفعل بإيرادات سنوية كبيرة، فقد حققت كورسور، التي تضم 60 موظفًا فقط، إيرادات متكررة بقيمة 100 مليون دولار بحلول يناير 2025، أي بعد أقل من عامين من إطلاقها.

4500

سنة وفرتها شركة أمازون من عمر المطورين باستخدام الذكاء الاصطناعي في العام الماضي وحده

أما ويندسورف، التي تأسست عام 2021، فقد أطلقت منتجها لتوليد الأكواد البرمجية في نوفمبر 2024، وتحقق بالفعل إيرادات سنوية بقيمة 50 مليون دولار، وفقًا لمصدر مطلع على أعمال الشركة.

لكن كلتا الشركتين الناشئتين تعملان بهامش ربح إجمالي سلبي، ما يعني أنهما تنفقان أكثر مما تجنيان، وفقًا لأربعة مصادر استثمارية مطلعة على عملياتهما.

وصرح كوين سلاك، الرئيس التنفيذي لشركة سورسغراف الناشئة المتخصصة في مجال البرمجة، لرويترز “سترتفع أسعار مساعدي البرمجة.”

ولتسهيل تحمل المستخدمين للكلفة المرتفعة، تقدم سورسغراف الآن قائمة تتيح للمستخدمين اختيار النماذج التي يرغبون في العمل بها، بدءًا من نماذج مفتوحة المصدر مثل ديب سيك وصولًا إلى نماذج التفكير الأكثر تقدمًا من أنثروبيك وأوبن أي.آي، ما يتيح لهم اختيار نماذج أرخص للأسئلة الأساسية.

ويقود كلٌّ من كورسور وويندسورف خريجان حديثان من معهد ماساتشوستس للتكنولوجي (أم.آي.تس) في العشرينات من عمرهما، ويُجسّدان حقبة التحوّل الذهبي في مشهد شركات الذكاء الاصطناعي الناشئة.

ويقول مارتن كاسادو، الشريك العام في شركة أندرسون هوروويتز، والمستثمر في أنيسفير، الشركة التي تقف وراء كورسور “لم أرَ أشخاصًا يعملون بهذا الاجتهاد منذ الطفرة الأولى للإنترنت.”

10

مليارات دولار قيمة كورسور لتوليد الشفرات البرمجية وهي نموذج لرهان الشركات الناشئة على هذه الطفرة

وما هو أقل وضوحًا هو ما إذا كانت شركات توليد الأكواد، التي يبلغ عددها حوالي 12 شركة، ستتمكن من الحفاظ على زبائنها مع دخول شركات التكنولوجيا الكبرى.

ويقول سكوت راني، المدير الإداري في ريدبوينت فونتورز، “في الكثير من الحالات، لا يتعلق الأمر بمن يمتلك أفضل التقنيات، بل بمن سيستغلها على أفضل وجه، ومن سيتمكن من بيع منتجاته بشكل أفضل من الآخرين.”

واستثمرت ريدبوينت في سورسغراف وبوليسايد، وهي شركة ناشئة لتطوير البرمجيات تعمل على بناء نموذج أساسي خاص بها للذكاء الاصطناعي.

وتعتمد معظم شركات برمجة الذكاء الاصطناعي الناشئة حاليًا على نموذج كلاود أي.آي من أنثروبيك، والذي تجاوزت إيراداته السنوية 3 مليارات دولار في مايو، ويعود ذلك جزئيًا إلى الرسوم التي تدفعها شركات توليد الأكواد.

لكن بعض الشركات الناشئة تحاول بناء نماذجها الخاصة. ففي مايو، أعلنت ويندسورف عن أول نماذج ذكاء اصطناعي داخلية مُحسّنة لهندسة البرمجيات في محاولة للتحكم في تجربة المستخدم.

كما وظفت كورسور فريقًا من الباحثين للتدريب المسبق لنماذجها الكبيرة الرائدة، ما قد يُمكّن الشركة من توفير تكاليف شركات النماذج الأساسية، وفقًا لمصدرين مطلعين على الأمر.

وتواجه الشركات الناشئة التي تسعى لتدريب نماذج برمجة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها صعوبة بالغة، حيث قد يكلفها شراء أو استئجار سعة الحوسبة اللازمة لتدريب نموذج لغوي كبير الملايين من الدولارات.

وفي وقت سابق، تخلت ريبليت عن خططها لتدريب نموذجها الخاص. وأعلنت بوليسايت، التي جمعت أكثر من 600 مليون دولار لتطوير نموذج خاص بالبرمجة، عن شراكة مع أمازون ويب سيرفيسز (أي.دبليو.أس)، وتجري حاليًا اختبارات مع الزبائن، لكنها لم تطرح أيّ منتج بشكل عام بعد.

أما ماجيك ديف، وهي شركة ناشئة أخرى لتوليد الأكواد، وجمعت ما يقرب من 500 مليون دولار منذ عام 2023، فأبلغت المستثمرين أن نموذج برمجة متقدمًا سيُطرح في صيف 2024، لكنها لم تُطلق أي منتج بعد.

10