العهد ملتزم بإعادة الإعمار في لبنان لكن تعوزه آليات التنفيذ

عاد ملف إعادة الإعمار إلى الواجهة مجددا في لبنان، في ظل تأكيدات أركان العهد بأن هذا الملف يشكل أولوية وطنية، لكن الإشكال يكمن في مدى القدرة على تنزيله على أرض الواقع في غياب الاهتمام الدولي.
بيروت - تسعى رئاستا الجمهورية والحكومة في لبنان إلى سحب ملف إعادة الإعمار من دائرة التجاذبات، عبر تعهدات كلامية وخطوات إجرائية، لكن محللين يشككون في قدرتهما على تحقيق ذلك ما لم يلمس المواطنون المتضررون تحركات فعلية على الأرض، وهو ما لا يبدو متاحا حاليا، في غياب القدرة على سد الفجوة التمويلية التي تقدر بالمليارات من الدولارات.
وتعرضت مناطق واسعة في لبنان بما في ذلك العاصمة بيروت لدمار هائل جراء المواجهة الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل، ويواجه العهد صعوبات في بدء الإعمار، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي يعانيها البلد منذ سنوات، وفي غياب الدعم الدولي.
وكشفت مصادر لبنانية الثلاثاء عن تعيين رئيس الجمهورية جوزيف عون، علي حمية، وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة نجيب ميقاتي، مستشار الرئاسة لشؤون إعادة الإعمار.
ولا تخلو الخطوة من خلفيات سياسية خصوصا وأن الوزير المعين ينتمي إلى حزب الله. وبدا واضحا أن الرئيس عون يحاول إشراك الحزب في عملية الإعمار، بعد الحملة التي شنها الأخير على العهد ولاسيما على رئاسة الحكومة التي يتهمها بالمماطلة في بدء الإعمار، وبمسايرة الولايات المتحدة في ربط الملف بنزع سلاحه.
وأكد رئيس الجمهورية الثلاثاء على أن عملية إعادة الإعمار تمثل أولوية وطنية لا يمكن تجاهلها في المرحلة الحالية، وعبر عون عن إيمانه بأن جهود الإغاثة والتعافي يجب أن تتصدر الأولويات، خصوصا بعد الأزمات المتكررة التي واجهها لبنان.
تركيز دولي لافت على إعادة إعمار سوريا، وهذا يعني تراجع الاهتمام الدولي بدعم لبنان في هذا الملف
ولفت عون إلى أن لبنان يواجه صعوبات اقتصادية واجتماعية تتطلب تضافر الجهود، مشددا على أهمية وضع خطة شاملة لإعادة الإعمار تشمل جميع القطاعات.
وتحدثت مصادر غربية ولبنانية مرارا عن أن المجتمع الدولي يربط أي دعم لإعادة إعمار ما هدمته الحرب في لبنان بقضية نزع سلاح حزب الله، وتفكيك بنيته العسكرية، لكن رئيس الوزراء نواف سلام نفى الاثنين الأمر.
وقال سلام عقب لقاء جمعه برئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل نبيه بري “عندما طرح الرئيس الفرنسي فكرة إقامة مؤتمر لإعادة الإعمار لم يكن مربوطاً بسحب السلاح، والبنك الدولي عندما أقر 250 مليون دولار لم يربطه بعملية سحب السلاح أيضا.”
وأشار سلام إلى أن حكومته تبذل جهودا كبيرة من أجل البدء في إعادة الإعمار، لافتا إلى أن هناك “حاجة إلى أكثر من 7 مليارات دولار، وأن البنك الدولي يقدر الأضرار بـ14 مليارا”.
وبدت تصريحات سلام ردا على الحملة التي يشنها نواب كتلة “الوفاء للمقاومة” التابعة لحزب الله، والتي محورها ضرب العلاقة بين رئيس الحكومة والمدنيين المتضررين، وهم بالآلاف.
ويقول متابعون إن حزب الله يدرك أن الدولة لا تملك الموارد الذاتية لبدء إعادة الإعمار، لكنه يحاول تشتيت انتباه العهد عن سلاحه، وهذا الأمر لا يصب في صالح لبنان.
ويشير المتابعون إلى أن هناك اليوم تركيزا دوليا لافتا على إعادة إعمار سوريا، وهذا يعني تراجع الاهتمام الدولي بدعم لبنان في هذا الملف، وبالتالي تعقيد مهمة العهد.
حزب الله يدرك أن الدولة لا تملك الموارد الذاتية لبدء إعادة الإعمار، لكنه يحاول تشتيت انتباه العهد عن سلاحه
ودعا الرئيس اللبناني المجتمع الدولي إلى دعم الجهود اللبنانية من خلال تقديم المساعدات اللازمة، ولفت إلى أهمية التعاون مع المنظمات المحلية والدولية لتحقيق رؤية مشتركة حول إعادة إحياء لبنان، وبيّن أن هذا التعاون سيسهم في استعادة الثقة بين اللبنانيين وفي بناء مؤسسات قوية.
وتطرق عون إلى بعض العقبات الداخلية التي تعوق عملية إعادة الإعمار، مؤكدا على ضرورة القضاء على الفساد وتحقيق الشفافية في جميع مراحل العمل.
وأشار عون إلى أن تحقيق أهداف إعادة الإعمار يتطلب شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص وأعرب عن تفاؤله بمستقبل لبنان، مشددا على أن الإرادة الشعبية هي القادرة على تغيير الواقع.
ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية خانقة منذ عام 2019 عندما انهار نظامه المالي تحت وطأة ديون الدولة الضخمة، ما تسبب في تخلفه عن سداد سندات دولية مستحقة قيمتها 31 مليار دولار في مارس 2020، وحرمان المودعين العاديين من مدخراتهم في النظام المصرفي.
وتوصل لبنان إلى مسودة اتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي في عام 2022 ولكن لم يتم المضي فيها بعد مماطلة المنظومة التي كانت تسيطر على السلطة في تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.
ومع دخول لبنان مرحلة جديدة في أعقاب الهزيمة التي مني بها حزب الله أمام إسرائيل، عاد تواصل لبنان مع المنظمات الدولية ولاسيما صندوق النقد الدولي.
وأكد رئيس بعثة صندوق النقد الدولي أرنستو راميرز ريجو، خلال لقائه الثلاثاء مع الرئيس عون في بيروت، استعداد الصندوق لمساعدة الدولة اللبنانية في مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية.
وأطلع ريجو الرئيس عون “على نتائج اللقاءات التي عقدتها البعثة الاثنين مع عدد من الوزراء والمعنيين والنقاط التي أثيرت والتي تحتاج إلى درس ومتابعة،” مركزا خصوصا على أن “الصندوق يولي الملف اللبناني اهتماما كبيرا، ولاسيما أن الحكومة اللبنانية بدأت خطوات إصلاحية في المجال المالي.”
ويرى خبراء اقتصاد أن توصل الدولة اللبنانية إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يضع لبنان على مسار التعافي، بما يشمل بدء ورشة إعادة الإعمار.