الشرع حقق الكثير خلال أشهر لكن طريق بناء سوريا لا يزال طويلا

مساعي الشرع لبسط سيطرته تصطدم بمطالبة الأكراد بصيغة حكم لامركزي تمكنهم من مواصلة إدارة مؤسساتهم، وهو ما ترفضه دمشق.
الأربعاء 2025/06/04
براغماتية تذيب الرفض الدولي

دمشق - تمكّن الرئيس السوري أحمد الشرع، خلال ستة أشهر من وصوله إلى دمشق، من استقطاب المجتمع الدولي ورفع عقوبات اقتصادية خانقة، لكنه يواجه تحديات كبرى، وفق محللين، أبرزها إرساء حكم فعال والنهوض بالاقتصاد، مع الحفاظ على بلده موحدا.

حين وصل إلى دمشق في الثامن من ديسمبر الماضي، بعد الإطاحة بحكم الرئيس بشار الأسد، وجد الشرع نفسه أمام أربع سلطات: حكومة مركزية في دمشق، حكومة إنقاذ تسيّر شؤون إدلب (شمال غرب)، وأخرى تتولى مناطق سيطرة فصائل موالية لأنقرة شمالا، إضافة إلى الإدارة الذاتية الكردية. ولكل منها مؤسساتها الاقتصادية والعسكرية والقضائية والمدنية.

يقول المدير التنفيذي للمركز السوري للدراسات السياسية والإستراتيجية في واشنطن رضوان زيادة “أن يتمكن الشرع من أن يضمن الاستقرار في بلد هش سياسيا في مرحلة عصيبة، فهذا إنجاز كبير يُحسب له.”

ووفق زيادة يعد “إنجاح المرحلة الانتقالية” التي حدّد مدتها بخمس سنوات، “التحدي الأكثر صعوبة”.

وزعزعت أعمال العنف ذات الطابع الطائفي التي طالت الأقلية العلوية وأسفرت خلال يومين عن مقتل أكثر من 1700 شخص، ثم المكون الدرزي، الثقة بقدرة السلطة على فرض الاستقرار وحفظ حقوق أقليات قلقة على دورها ومستقبلها.

ويوضح زيادة “التعامل مع الأقليات من أبرز التحديات الداخلية، وبناء الثقة بين المكونات المختلفة يحتاج إلى جهد سياسي أكبر لضمان تحقيق التعايش والوحدة الوطنية.”

نيل كويليام: أكبر تحديات الشرع رسم مسار للمضي قدما
نيل كويليام: أكبر تحديات الشرع رسم مسار للمضي قدما

وتصطدم مساعي الشرع لبسط سيطرته بمطالبة الأكراد بصيغة حكم لامركزي تمكنهم من مواصلة إدارة مؤسساتهم، وهو ما ترفضه دمشق.

ويقول القيادي الكردي البارز بدران جيا كورد “على الحكومة المؤقتة أن تبتعد عن الحلول الأمنية والعسكرية لمعالجة القضايا” العالقة وأن “تنفتح أكثر على قبول المكونات السورية.. وإشراكها في العملية السياسية.”

ولا يلحظ الإعلان الدستوري إجراء أي انتخابات في الفترة الانتقالية، على أن يصار في ختامها وبعد وضع دستور جديد إلى إجراء انتخابات تشريعية.

وحذر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الشهر الماضي من أن السلطة الانتقالية “في ضوء التحديات التي تواجهها، قد تكون على بعد أسابيع.. من حرب أهلية شاملة” تؤدي “فعليا إلى تقسيم البلاد”.

ويقول الباحث لدى مركز تشاتام هاوس نيل كويليام لفرانس برس إن أكبر تحديات الشرع هي “رسم مسار للمضي قدما، يريد جميع السوريين أن يكونوا جزءا منه، وأن يتم ذلك بسرعة كافية، ومن دون تهور.”

ومقارنة مع دول شهدت تبدلا سريعا في السلطة، تمكّن الشرع عموما من ضمان استقرار نسبي، رغم حلّه أجهزة الأمن والجيش السابقة.

لكن الأمن لم يستتب بالكامل بعد. فتُسجل دوريا عمليات خطف وقتل واعتقال، من قبل فصائل تابعة للسلطة أو مجموعات مجهولة، وفق ما يوثقه المرصد السوري لحقوق الإنسان وسكان ينشرون شهاداتهم عبر الإنترنت.

وأثارت أعمال العنف ذات الطابع الطائفي، خصوصا ضد العلويين، شكوكا إزاء قدرة الشرع على ضبط فصائل مختلفة، من بينها مجموعات جهادية متشددة تثير قلق المجتمع الدولي وطالبت واشنطن الشرع بدعوتها إلى المغادرة.

واتخذت السلطات مؤخرا سلسلة من الإجراءات لتنظيم المؤسستين الأمنية والعسكرية، من بينها وجوب انضمام قادة الفصائل إلى الكلية الحربية قبل درس ترقيتهم.

وأثارت ترقية ستة جهاديين أجانب في صفوف وزارة الدفاع انتقادات على نطاق واسع.

وقال مصدر سوري، من دون الكشف عن هويته لفرانس برس، إن السلطة الانتقالية وجّهت في وقت سابق رسالة إلى واشنطن تعهدت فيها بـ”تجميد ترقيات المقاتلين الأجانب.”

كريم الشعار: وضوح الأفق يعد نقطة هامة على طريق التعافي الاقتصادي
كريم الشعار: وضوح الأفق يعد نقطة هامة على طريق التعافي الاقتصادي

ويشكل ملف المقاتلين الأجانب قضية شائكة، مع عدم قدرة الشرع على التخلي عنهم بعد قتالهم لسنوات إلى جانبه من جهة، ورفض دولهم عودتهم إليها من جهة أخرى.

يضاف إليهم الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية المحتجزين مع أفراد عائلاتهم لدى القوات الكردية. ولا تملك السلطة الحالية القدرة عدديا ولوجستيا على نقلهم إلى سجون تحت إدارتها.

ولا يقل التحدي الاقتصادي أهمية عن ضبط الوضع الأمني، فالاثنان وحدة غير منفصلة.

وورث الشرع من الحكم السابق بلدا على شفير الإفلاس: اقتصاده مستنزف، مرافقه الخدمية مترهلة، نظامه المالي معزول عن العالم، وغالبية سكانه تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة.

وانعكس التغيير على حياة الناس، من ناحية توافر الوقود وسلع ومنتجات من بينها فواكه لم يكن استيرادها ممكنا. وبات التداول بالدولار شائعا بعدما كان محظورا.

ومع رفع العقوبات الاقتصادية خصوصا الأميركية يولي الشرع، وفق مصدر مقرب منه، أولوية كبرى لمكافحة الفقر ورفع مستوى دخل الفرد. ويعتبر ذلك ممرا “لترسيخ الاستقرار”.

لكن رفع العقوبات لا يكفي وحده، ويتعين على السلطات اتخاذ خطوات كثيرة.

ويقول الخبير الاقتصادي كرم الشعار “وضوح الأفق، بمعنى الاستقرار السياسي، يعد نقطة هامة على طريق التعافي الاقتصادي، لكن هناك عوائق أخرى، أهمها الإطار الناظم ومجموعة القوانين اللازمة للاستثمار، والتي تبدو للأسف غامضة في جزئيات كبيرة.”

وأعلنت السلطات أنها تعيد النظر حاليا في قانون الاستثمار، وتعمل على تهيئة بيئة جاذبة للاستثمارات الخارجية، قال الشرع إن بلاده تعول عليها للنهوض بقطاعات البنى التحتية والمرافق الخدمية.

وتوفير خدمات الكهرباء والتعليم والإنتاج الزراعي، مسألة حيوية لإنماء المناطق المدمرة، من أجل عودة ملايين اللاجئين، وهو مطلب تريد تحقيقه دول أوروبية وأخرى مجاورة لسوريا، كتركيا والأردن ولبنان.

ولا يمر دعم سوريا ورفع العقوبات عنها من دون مطالب، عبّرت واشنطن عن أبرزها: الانضمام إلى اتفاقات التطبيع مع إسرائيل، التي شنت مئات الضربات الجوية في سوريا منذ الإطاحة بالأسد وتتوغل قواتها جنوبا.

ويقول كويليام إن استمرار التصعيد الإسرائيلي يجعل دمشق “بعيدة كل البعد عن التفكير في التطبيع، حتى لو تعرّضت لضغوط كبيرة من الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي.”

ولم تعلن دمشق موقفا واضحا من التطبيع، لكنها أقرت بتفاوض غير مباشر مع إسرائيل لاحتواء التصعيد.

 

اقرأ أيضا:

        • انفتاح سوري على اللغة الكردية يبدأ بدراسة إدخالها إلى التلفزيون الرسمي

        • خطة قطر لتوليد الكهرباء في سوريا مهددة بالفشل

2