إستراتيجيات قطاع صناعة الأغذية بعيدة عن تجسيد أهداف المناخ

باريس - تكشف أحدث الدلائل والمؤشرات حول انخراط شركات قطاع صناعة الأغذية في تحقيق أهداف المناخ من خلال تجارة الكربون أن إستراتيجياتها لا تزال بعيدة عن التطلعات التي يترقبها ناشطو البيئة وحتى المراقبون.
وأكد معهد نيو كلايمت ومنظمة كاربون ماركت ووتش أنّ خطط خفض الانبعاثات بالحد من قطع أشجار الغابات مثلا، والتي وضعتها شركات دانون وجي.بي.أس ومارس ونستله وبيبسي كو غير قادرة بشكل كبير على إحداث اختراق جوهري في القطاع.
وجاء ذلك في إطار تقريرهما السنوي الرابع بشأن طموحات الشركات العالمية المتخصصة في مجالات متعددة من الأزياء إلى الصناعات الغذائية وخصوصا تلك التي تعتمد خطابا طموحا. وخُصص قسم من التقريرين نُشر الثلاثاء تحت عنوان “النزاهة الشاملة لإستراتيجيات المناخ” لخمس من الشركات العشر الكبرى المتخصصة في الصناعات الغذائية.
ومنذ سنوات تبدي الكثير من الشركات حول العالم وخاصة العملاقة استعدادها لكل شيء لتعويض انبعاثاتها، والظهور في مظهر الجهات المحايدة كربونيا، لكن المتابعين لهذا المسار يشككون في قدرتها على التعامل مع هذا الاستثمار على النحو الأمثل.
وبات أحد الخيارات الشائعة بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة شراء أرصدة من المشاريع، التي تساعد في تجنب انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري أو إزالتها من خلال طرق مختلفة. ومن بين تلك الأساليب الحفاظ على الغابات التي تخزن الكربون أو تحويل غاز الميثان المتسرب من مواقع دفن النفايات إلى غاز حيوي أو توزيع مواقد طهي أكثر كفاءة تستخدم وقودا أقل.
وحصلت مجموعة دانون الفرنسية على تصنيف متوسط من حيث النزاهة، بينما حصلت شركتا مارس الأميركية ونستله السويسرية على تصنيف سيء وحصلت بيبسي كو الأميركية وجي.بي.أس البرازيلية على أدنى تصنيف وهو سيء جدا.
وحددت مراكز الأبحاث خمسة مجالات رئيسية لخفض الانبعاثات وهي التحوّل نحو زيادة البروتينات النباتية، والالتزامات في ما يخص مكافحة قطع أشجار الغابات، وخفض استهلاك الأسمدة الكيماوية، وتقليل النفايات والهدر، ومجال خامس يشمل التحوّل في مجال الطاقة في المواقع الصناعية، والتغليف، والنقل.
وبدا معدو التقرير متشائمين لعدم اعتبار المنتجات القائمة على البروتين النباتي بدائل للمنتجات الحيوانية، وهو من شأنه خفض الانبعاثات المرتبطة بالثروة الحيوانية بل ويُعدّ وسيلة لتنويع محفظة جي.بي.أس المتخصصة في اللحوم، ونستله التي تركز على الفوائد الغذائية لمنتجات الألبان.
ويشير معدّو التقرير إلى أن “دانون هي الشركة الوحيدة التي حددت هدفا لخفض انبعاثات الميثان” المرتبطة بإنتاج الحليب. وتُعزى الانبعاثات الناجمة عن الزراعة إلى تربية المواشي بشكل رئيسي وخصوصا الأبقار التي تطلق غاز الميثان، بالإضافة إلى استخدام الأسمدة التي تُطلق أكسيد النيتروز، ثالث غاز مسبب لمفعول الدفيئة بعد الميثان وثاني أكسيد الكربون، لكنه الأكثر تسببا للاحترار.
ويعدّ أداء شركتي بيبسي كو ونستله جيدا نسبيا في ما يتعلق بطموحات قطع أشجار الغابات، إلا أن “النقص في شفافية البيانات” في كل سلاسل التوريد الخاصة بهما يزيد من خطر وجود تباين كبير بين التقدم المُبلغ عنه من جانب الشركتين ومعدلات إزالة الغابات الفعلية المرتبطة بأنشطة مورديهما.
ويشير خبراء نيو كلايمت وكاربون ماركت ووتش خصوصا إلى استمرار الإزالة غير القانونية للغابات والمرتبطة بسلسلة توريد شركة جي.بي.أس، إذ يستمر قطع مساحات كبيرة من الأشجار لإيواء المواشي.
ويقولون "لا تُدرك أيّ من الشركات الخمس ضرورة تقليل استخدام الأسمدة"، المسؤولة عن الانبعاثات خلال الإنتاج وحتى التسميد، ويضيفون أن نستله ودانون لا تُشيران سوى إلى استبدال الأسمدة الصناعية بأخرى طبيعية. وفي ما يتعلق بخفض النفايات، "وحدها دانون لديها أهدافٌ ذات صدقية وطموحة"، بحسب التقرير، الذي يشير إلى أن طموحات الشركات على المدى القصير لاسيما في ما يتعلق بالطاقة والتغليف، من غير المُرجّح أن تُحدث تحوّلات شاملة.
وكذلك، تواجه الأهداف الرامية إلى خفض الانبعاثات "تهديدا" باستخدام آليات "تعويض" (زراعة أشجار أو الحفاظ على المراعي أو استعادة التربة التي تلتقط الكربون). ويشير مركزا الأبحاث إلى ضرورة احتساب الانبعاثات التي يتم تفاديها من خلال هذه الآليات بشكل مستقل عن الخفض في انبعاثات الشركة نفسها وسلسلة التوريد الخاصة بها.
ويضيف التقرير أنّ “نستله تشير مثلا إلى أنّ 80 في المئة من أهدافها يُمكن تحقيقها” بفضل حلول تعويضية، “مما يُثير مخاوف بشأن شفافية وفعالية خفض الانبعاثات الذي تحدثت عنه أصلا”.
وقد خُفِّض تصنيف دانون هذا العام لأن المجموعة “أعلنت صراحة نيّتها احتساب” آليات التعويض هذه لتحقيق هدفها المتمثل بخفض الانبعاثات. ويناشد معدّو التقرير المنظمات التي تُصدِّق على إستراتيجيات الشركات المناخية توضيح كيف يمكن استخدام آليات التعويض لتحقيق أهدافها.