وساطة مصرية أم لقاء عرضي في القاهرة بين إيران والوكالة الذرية

التحذير من التصعيد العسكري رسالة إسرائيلية لطهران عبر القاهرة.
الثلاثاء 2025/06/03
تفاؤل ثلاثي في لقاء القاهرة

القاهرة- تجاوزت التطورات بين مصر وإيران الحديث عن قرب الإعلان رسميا عن عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وقاد حرص القاهرة على منع اندلاع صراع إقليمي كبير إلى التمهيد لانخراطها في حوار مع طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، خوفا من أن تستثمر إسرائيل تقريرا سلبيا أصدرته الوكالة قبل أيام، وتقوم بتوجيه ضربة عسكرية لإيران.

ومع أنه لم يُعرف عن مصر قيامها بالتدخل في الملف النووي من جهة التحركات التي تقوم بها واشنطن بوساطة سلطنة عمان أو من جهة وكالة الطاقة الذرية، إلا أن اجتماعا ثلاثيا عقد بالقاهرة، الاثنين، أوحى برغبة مصر في الدخول في حوار واسع حول هذا الملف، حيث ضم الاجتماع وزيري خارجية مصر بدر عبدالعاطي وإيران عباس عراقجي والمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي.

ولا يعرف إن كان فتح باب الحوار بين الطرفين في القاهرة إعلانا عن وساطة مصرية في الملف النووي الإيراني أم مجرد لقاء عرضي تم دون ترتيبات مسبقة وتزامن مع وجود المسؤول الأممي ووزير الخارجية الإيراني.

مصر ترحب بوساطة سلطنة عمان بين واشنطن وطهران، لتؤكد أن دورها ليس بديلا عن مسقط، أو أنها تتبنى مسارا موازيا

والتقى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كلا من غروسي، وعراقجي، وأكد خلال اللقاءين على استعداد القاهرة لتوفير كل الدعم اللازم لنجاح مسار المفاوضات السلمية بين طهران وواشنطن، لما له من تداعيات على أمن واستقرار الشرق الأوسط.

وأكّد السيسي ضرورة وقف التصعيد بالمنطقة للحيلولة دون الانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة، فيما حذّر عبدالعاطى من أن “التصعيد العسكري لن يخدم أهداف الاستقرار في المنطقة ولا شعوبها.”

ويثير تركيز المسؤولين المصريين على مخاطر التصعيد الإقليمي في وجود وزير خارجية إيران التساؤل حول خلفياته، وما إذا كان يحمل رسالة إسرائيلية إلى طهران عبر القاهرة، أم هو نتاج معلومات دقيقة تمتلكها القيادة المصرية بشأن مخاطر التوترات في الإقليم.

وشدّدت مصر على ضرورة إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، ودعمها للمفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران. ورحّبت بدور سلطنة عمان في الوساطة بين واشنطن وطهران، ودعم مسار المفاوضات للتوصل إلى تسوية في إطار احترام حقوق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية، في إشارة تؤكد أن دور القاهرة ليس بديلا عن مسقط، أو أنها تتبنى مسارا موازيا.

وقال رافائيل غروسي إن هناك حاجة إلى المزيد من الشفافية حول برنامج إيران النووي، وإنه في ما يخص الأنشطة النووية الثقة ليست كافية، ويجب أن يتوافر عنصر التحقق، مشيرا إلى أهمية الحوار المستمر وتنامي دائرة النوايا الحسنة.

وجاء لقاء عراقجي وغروسي وعبدالعاطي غداة تقرير مهم أصدرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية وأفاد بتسريع إيران وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصّب بنسبة 60 في المئة القريبة من مستوى 90 في المئة المطلوب للاستخدام العسكري. وتتهم الولايات المتحدة وإسرائيل ودول غربية إيران بالسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إن برنامجها لأغراض سلمية، بما في ذلك توليد الكهرباء.

وأكد عباس عراقجي استعداد بلاده لإثبات سلمية برنامجها النووي، وأنه “لا يمكن وقف أنشطة إيران النووية السلمية، ولا يمكن أن تقبل طهران حرمانها من الأنشطة النووية السلمية،” لافتا إلى رفض أيّ اتفاق يحرم الشعب الإيراني من حقوقه، مرحبا بأيّ مفاوضات تدعم “حقوق طهران النووية السلمية.”

pp

وأعلنت طهران رفض الاقتراح الأميركي لإنهاء النزاع النووي، ما لم يراع مصالح إيران أو يتضمن تغييرا في موقف واشنطن بشأن تخصيب اليورانيوم.

وأكدت مصر على ضرورة حماية حرية الملاحة بالبحر الأحمر، واستعادة الهدوء بالإقليم، وترحيبها بالانعكاسات الإيجابية المأمولة للاتفاق الأخير بين جماعة الحوثي في اليمن والولايات المتحدة على أمن الملاحة البحرية وحركة التجارة الدولية.

وأشار عراقجي إلى أهمية تعزيز العلاقات المشتركة بين طهران والقاهرة، وأنهما تعملان على توسيع التشاور السياسي، ولا توجد عقبات أمام العلاقات المصرية الإيرانية، والاتفاق على زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين.

وقال مدير المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية بالقاهرة محمد محسن أبوالنور إن زيارة عراقجي لمصر مهمة، وسوف تترتب عليها تغيرات عميقة في منظومة العلاقات الإقليمية، بما في ذلك التفاهم بين البلدين حول بعض القضايا، ويُقرأ ذلك من تصريحات وزير خارجية مصر التي أشار فيها إلى أن التحديات تفرض على الجميع التوحد، “وتفوق قدرة أيّ دولة على مواجهتها بمفردها،” ما يعني أن هناك نية ما بين البلدين لعودة العلاقات الدبلوماسية وتوحيد المواقف من التهديدات المشتركة.

لا يعرف إن كان فتح باب الحوار بين الطرفين في القاهرة إعلانا عن وساطة مصرية في الملف النووي الإيراني أم مجرد لقاء عرضي

ويعزّز ما دار في مباحثات القاهرة من فرص عودة العلاقات على مستوى السفراء في القريب العاجل، حيث قال عراقجي “لا ينقصنا سوى خطوة واحدة للمصالحة الشاملة مع مصر، وهي تحتاج أسابيع قليلة، وكشف عبدالعاطي أن مصر وإيران ستشكلان لجنة عن طريق سفراء أو مساعدي وزير الخارجية للبحث في آليات تعيين السفيرين، وافتتاح السفارتين في البلدين.

وأوضح محسن أبوالنور لـ”العرب” أن هناك أمرا مهما يجب الالتفات إليه، ويتمثل في استضافة اجتماع ثلاثي بالقاهرة، ضم وزيري خارجية مصر وإيران ومدير وكالة الطاقة الذرية، ما يعني أن مصر قد تلعب دور الوسيط النزيه، بين الوكالة وطهران.

وذكر أن الوكالة الذرية أصدرت بيانا لاذعا السبت، وردّت إيران عليه بشكل عنيف، وتريد مصر تقريب وجهات النظر لمنع التصعيد، واستمرار المفاوضات النووية الحالية مع واشنطن، وأن القاهرة تسعى لتفويت الفرصة على أيّ لاعب إقليمي (إسرائيل) لتوظيف البيان الذي أصدرته الوكالة الدولية للقيام بعمل غير دبلوماسي، وهو أمر لا يخدم مصالح أيّ دولة إقليمية تبحث عن الاستقرار في الوقت الراهن.

وتؤكد كثافة اللقاءات بين مصر وإيران أن العلاقات بينهما قطعت شوطا إيجابيا، حيث  أشار عراقجي إلى أنه التقى وزير خارجية مصر أربع مرات في آخر عام، وزار وزير خارجية مصر طهران مرتين، كما زار عراقجي القاهرة مرتين منذ ديسمبر الماضي، وأجرى نحو 20 مكالمة هاتفية مع وزير خارجية مصر ومسؤولين كبار دارت حول قضايا مختلفة.

وقام وزير الخارجية المصري قبل كل جولة من الجولات التفاوضية الخمس بين إيران والولايات المتحدة وبعدها بإجراء اتصالات مع بعض الأطراف المهمة في المفاوضات، من البلدين وسلطنة عمان، ما يعني أن التحركات في الملف النووي تحظى باهتمام بالغ من الإدارة المصرية.

1