إسرائيل والعرب والمفاوضات النووية

إيران أثبتت من خلال حرب غزة أنها كانت تقرأ المشهد وفق تقديرات خاطئة لذلك صار عليها أن تدفع الثمن وهو ثمن باهظ في ظل وجود دونالد ترامب في البيت الأبيض.
الثلاثاء 2025/06/03
ماذا لو وقع السلاح النووي في يد دولة لا تحترم القانون

لم تلغ إسرائيل مخططها في توجيه ضربة إلى المفاعل النووي الإيراني بل أجّلته تحت الضغوط التي مارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب في انتظار ما ستسفر عنه المفاوضات.

لا يفكر ترامب إلا في الحصول على المكافأة الأهم التي تتمثل في تخلي إيران عن مشروعها النووي ذي الأبعاد العسكرية. مكافأة ستمهد الطريق أمامه في اتجاه جائزة نوبل للسلام. ولأن الإيرانيين يطمعون بتحقيق ربح حتى ولو كانت الظروف غير مواتية فإن المكافأة المنتظرة قد لا تأتي أو أنها ستتأخر.

ولكن الخوف من ضربة إسرائيلية تدفع إيران إلى أن تكون أكثر حذرا في إعلان عزوفها عن الاستمرار في مفاوضات مشروطة سلفا. وليس ترامب كأي رئيس أميركي سابق. ترامب حليف لإسرائيل والعالم العربي معا.

◄ سلاح إيران يشكل خطرا على الجميع في ظل النظام الحاكم في طهران وهو نظام لم يخف رغبته في الحرب بناء على وصية الخميني التي يمكن تلخصيها في مبدأ تصدير الثورة

تلك نقطة لا بد أن تضعها إيران في حسبانها.

وإذا كانت إيران قد أتعبت أوروبا بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق السابق بلغتها المخاتلة والغامضة والمرائية فإنها تبدو اليوم عاجزة عن استعمال تلك اللغة في مواجهة لغة الرياضيات الترامبية.

كان ترامب واضحا في رسالته إلى المرشد الأعلى علي خامنئي. يستحق شعب إيران أن يعيش حياة أفضل. ولكن الحرب ممكنة إذا ما أصر النظام الإيراني على الاستمرار في مشروعه النووي. وبغض النظر عن قدرة إيران على الصمود في الحرب فإن ميزان القوى ليس في صالحها. وهو ما يعني إلحاقها بالعراق الذي ساهمت في تدميره.

تعرف إيران أن تخليها عن المفاوضات النووية سيؤدي إلى رفع اليد الأميركية التي تحميها من الضربة الإسرائيلية. ذلك ما لا يمكن التغاضي عنه. هناك معادلة إقليمية تقوم على أساس التخلص من التهديدات الإيرانية التي يجسدها السلاح النووي بعد أن تم التأكد من أن إيران ليست دولة عاقلة. ذلك يعني أن إيران يمكن أن تستعمل السلاح النووي إذا ما امتلكته.

لأول مرة في تاريخها المعاصر تفكر الولايات المتحدة بالطريقة التي تفكر بها دول المنطقة مجتمعة. سلاح إيران يشكل خطرا على الجميع في ظل النظام الحاكم في طهران وهو نظام لم يخف رغبته في الحرب بناء على وصية مؤسس الجمهورية الخميني التي يمكن تلخصيها في مبدأ تصدير الثورة.

◄ ترامب لا يفكر إلا في الحصول على المكافأة الأهم التي تتمثل في تخلي إيران عن مشروعها النووي ذي الأبعاد العسكرية. مكافأة ستمهد الطريق أمامه في اتجاه جائزة نوبل للسلام

حتى حين اختفى شعار “الموت لأميركا الموت لإسرائيل” وحتى بعد أن أظهرت إيران رغبتها في إصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج وحتى بعد أن فقدت إيران هيمنتها على لبنان وسوريا فإن ميليشياتها في العراق واليمن لا تزال تشكل خطرا على السلام والأمن والاستقرار في دول المنطقة. لا تزال إيران دولة حرب ولا تزال أوهامها  في أن تكون الطرف الإقليمي الأقوى الذي تتحاور معه القوى الدولية قائمة.

صحيح أنها تنظر إلى مصالحها ومستقبل نظامها بطريقة يتغلب من خلالها العقل السياسي على الاندفاع العقائدي، غير أن الصحيح أيضا أنها ترى في إنهاء مشروعها التوسعي الذي تنفذه عن طريق ميليشياتها المسلحة هزيمة تاريخية لا يمكن تحمل تبعاتها على مستوى المواجهة مع شعوبها. لقد أنفقت إيران مئات المليارات على مشروع تمددها في الخارج وعلى مشروعها النووي وكان طموحها لا يقل عن مستوى ولادة الإمبراطورية الفارسية الجديدة. وكل حديث عن المذهب الشيعي هو محض افتراء. فما الذي يحدث لو أنها انصاعت لشروط ترامب واعترفت أنها أهدرت ثروات الشعوب الإيرانية عبثا؟ لقد ضلل نظام ولاية الفقيه عبر أكثر من خمس وأربعين سنة المؤمنين بعقيدته بفكرة أن إيران ستكون سيدة المنطقة وأن راية كسرى سترفرف على شاطئي البحر المتوسط والبحر الأحمر.

لا تتفاوض إيران على مشروعها النووي بقدر ما تتفاوض على ما يمكن أن يقلل من خسائرها في المرحلة المقبلة بعدما فلتت خيوط اللعبة من يديها. لقد أثبتت إيران من خلال حرب غزة أنها كانت تقرأ المشهد وفق تقديرات خاطئة. لذلك صار عليها أن تدفع الثمن. وهو ثمن باهظ في ظل وجود الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في البيت الأبيض. ليس لأن ترامب صديق إسرائيل والعرب، وهما طرفان مناهضان لتحول إيران إلى دولة نووية ويشعران بخطرها الحالي والمستقبلي، بل لأنه يريد أن يعيد تنظيم العلاقات الدولية بعيدا عن تهديد السلاح النووي والأسلحة الفتاكة. وليست صدفة أن يقع السلاح النووي الإيراني في أعلى جدول أعماله. ذلك لأنها ستحارب به فهي دولة لا تحترم القانون الدولي الذي لا تعترف به كما أن امتلاكها السلاح النووي سيحوّله إلى لعبة تجارية في ظل الأطماع الصينية للسيطرة على العالم.

 

اقرأ أيضا:

       • هل ترضخ إيران للضغوطات الأميركية

8