خارطة مصرية جديدة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية

تعتزم الحكومة المصرية إطلاق خارطة استثمارية جديدة شاملة في غضون ثلاثة أشهر، تشتمل على مستهدفات قطاعية محددة تمتد إلى نحو عشر سنوات مقبلة، تهدف إلى جذب استثمارات ضخمة بمئات المليارات من الدولارات.
القاهرة - خطت القاهرة خطوة جديدة في ظل المساعي المستمرة للحكومة لتعزيز ملف جذب الاستثمار الأجنبي واستقطاب رؤوس الأموال اللازمة لتحقيق وفرة بالعملة الأجنبية وتعزيز التعافي الاقتصادي المأمول والتنمية المرجوة.
وتكمن أهمية الإعلان عن خارطة استثمارية جديدة ومتكاملة تعدها وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية، في أنها مؤشر واضح على أن الحكومة تولي أهمية قصوى بهذا الملف والعمل على تقويته كونه الحل الأمثل لزيادة تدفق العملة وتحقيق مستهدفات التصدير.
وتحمل الخطوة في طياتها عدة دلالات، مع وجود خريطة استثمارية تتبع الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، وأخرى صناعية تابعة لوزارة الصناعة والنقل.
ومن أبرز الدلالات، الحاجة إلى تحديث وتطوير أدوات التخطيط الاستثماري، فمع مرور الزمن، تتغير الظروف الاقتصادية والقطاعات ذات الأولوية وتتبدل أولويات الدولة.
ويكون ذلك تبعا للسياسات العالمية، والتقنيات الجديدة، والمتغيرات المناخية، والأزمات الاقتصادية، ومن ثم فإن وجود خريطة استثمارية جديدة في البلاد يعني تحديثا شاملا لتحديد الفرص الحقيقية التي تلبي تطلعات السوق.
وتراهن وزارة الاستثمار في الخارطة الجديدة على تسهيل الإجراءات من خلال تقديم فرص متكاملة التراخيص مع الموافقات المسبقة، ما يبرهن على أن الحكومة تريد إزالة أي عقبات بيروقراطية تعيق المستثمرين، وهي محاولة لتحسين بيئة الاستثمار بشكل جذري.
وأكد نائب رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين محمود الشندويلي أن الخطة تأتي في ظل منافسة إقليمية ودولية كبيرة على جذب الاستثمارات، وتسعى الدولة إلى تعزيز ثقة المستثمرين بأن بيئة الأعمال تتسم بالوضوح والشفافية وسهولة الدخول إلى الأسواق.
وقال في تصريح لـ”العرب” إنه “يمكن اعتبار إطلاق هذه الخريطة إشارة ضمنية إلى أن ملف جذب الاستثمارات يعاني من تحديات، منها تعقيدات إجرائية وبيروقراطية، ورغم الإصلاحات المتكررة والمستمرة، توجد عقبات أمام المستثمرين.”
وأوضح الشندويلي أن أبرز التحديات تقع في مرحلة الحصول على التراخيص والموافقات، وهو ما تحاول الخارطة الجديدة معالجته من خلال تقديم فرص متكاملة التراخيص.
وأضاف إنه “لكي تحقق الخطة أهدافها وتنجح في جذب الاستثمارات المأمولة، يجب أن تتوفر رؤية واضحة متكاملة لكل الفرص الاستثمارية، مع تفاصيل دقيقة عن التراخيص، والامتيازات، والحوافز، والقيود المفروضة.”
ومن المتوقع أن تطلق وزارة الاستثمار حملة ترويجية شاملة للخارطة الجديدة، مما يعزز من فرص التعريف بالفرص ويجذب مستثمرين من أسواق متنوعة.
وقد يدعم ذلك توفير بنية تحتية قوية ومناسبة للمشاريع الاستثمارية مثل شبكات الكهرباء والمواصلات والاتصالات، وقطعت فيها البلاد شوطا مهما الأعوام الماضية.
وقال عضو جمعية مستثمري القاهرة الجديدة هشام كمال إن “وجود أكثر من خريطة استثمارية قد يسبب تشتتا في الرؤية لدى بعض المستثمرين، ويعطي انطباعا بغياب التنسيق أو وجود تضارب في أولويات الاستثمار.”
وأضاف لـ”العرب” إن “مصر تنافس دولا أخرى في المنطقة تستهدف جذب نفس النوع من الاستثمارات، ما يجعل ملف التسهيلات والشفافية ووضوح الفرص عاملا حاسما في اختيار المستثمرين، وليس تعدد الخرائط.”
ولا مفر من أن تكون الفرص الاستثمارية المعلنة مصحوبة بموافقات مسبقة وتراخيص عبر إزالة العوائق الإدارية، ما يعزز سرعة التنفيذ ويقلل من المخاطر البيروقراطية، وهو ما يمكن تفعيله عبر الرخصة الذهبية التي توفرها الحكومة للمشروعات الكبرى.
وطالب كمال بالتركيز على القطاعات ذات القيمة المضافة العالية، مثل الطاقة المتجددة، والصناعة المتقدمة، والتكنولوجيا، والسياحة، والرعاية الصحية، وهو ما يعكس التوجه الصحيح نحو التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
ويرى خبراء أن تعدد الخرائط الاستثمارية ليس بالضرورة أن يكون سلبيا، لكن قد يظهر تعارض أو تداخل في بعض الحالات، لأن خطة هيئة الاستثمار، مثلا، تركز على جذب الاستثمار عبر القطاعات المختلفة، مع توفير حوافز بالمناطق الحرة والمناطق الاقتصادية.
وتركز خارطة مصر الصناعية بشكل خاص على تطوير المجالات المختلفة في هذا الإطار، مع تحفيز إنشاء مصانع جديدة وتوطين الصناعات، مع اهتمام بسلسلة الإنتاج المحلية.
2.7
مليار دولار حجم التدفقات في الربع الأول من 2025 بنمو 15 في المئة على أساس سنوي
وتهدف الخارطة الجديدة إلى جمع كل هذه الجهود تحت إطار إستراتيجي موحد، وتقديم فرص متكاملة تشمل التراخيص المسبقة وحملات ترويجية شاملة، وتكمل بعضها البعض، وهو إجراء مطلوب مع احتدام المنافسة الإقليمية.
ويؤكد خبراء على أهمية أن يكون الهدف الأساسي للخطوة الحالية تجنب الازدواجية في الجهود، والتيقن من وجود رؤية إستراتيجية واضحة لكل القطاعات مع ضمان التنسيق بين الجهات المختلفة.
وتهتم الخطة بمجموعة من القطاعات الرئيسية، حيث تستهدف جذب استثمارات تصل إلى 100 مليار دولار في قطاع الطاقة، واستثمارات تتراوح بين مليار إلى 3 مليارات دولار في مجال الصناعة، وتطوير قطاع السياحة بإضافة 120 ألف غرفة فندقية.
وإلى جانب ذلك هناك سعي للاستثمار في قطاع الصحة بمبالغ تتراوح بين 30 و40 مليار دولار، فضلاً عن تعزيز قطاع تكنولوجيا المعلومات والاستثمار في أشباه الموصلات ومراكز البيانات.
ويحدد خبراء عددا من المحاور الرئيسية لنجاح الخارطة، منها التنسيق المستمر بين الوزارات والهيئات المختلفة لتوحيد الرؤية والسياسات، منها تبسيط الإجراءات والدعم الفني للمستثمرين وتوفير بنية تحتية متطورة تلبي متطلبات القطاعات ذات الأولوية.
ويضاف إلى ذلك تعزيز الشفافية وتقديم حوافز واضحة وجاذبة للمستثمرين ومتابعة دورية لتقييم نتائج الخارطة وإجراء التعديلات اللازمة بناء على المتغيرات الاقتصادية والتطورات العالمية.
وتعتمد قدرة القاهرة على تحويل هذه الخارطة إلى واقع ملموس على تنفيذ الخطط بدقة، وخلق بيئة استثمارية جاذبة، والترويج الفعال على الصعيدين الإقليمي والدولي.
وشهد الاستثمار الأجنبي المباشر قفزة ملحوظة خلال العام الماضي، حيث بلغ 46.6 مليار دولار، واستمر هذا النمو في الربع الأول من العام الحالي، مسجلا ارتفاعا بنسبة 15 في المئة ليصل إلى 2.7 مليار دولار، وفق الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة.
وتسعى الحكومة من خلال خططها للعام الجاري إلى جذب استثمارات أجنبية تتراوح بين 12 و15 مليار دولار، ضمن جهود مكثفة لتعزيز بيئة الأعمال وتنمية الاقتصاد.