السحر والشعوذة وصفة إعلامية جزائرية لجذب المشاهدين

تحذير شديد اللهجة من سلطة ضبط الإعلام للقنوات التلفزيونية من الخطابات الخرافية.
الثلاثاء 2025/06/03
ماذا عن وعي المواطنين

وجهت سلطة ضبط الإعلام الجزائري تحذيرا شديدا لوسائل إعلام جزائرية ساهمت في الترويج لممارسات غير مهنية، مثل السحر والشعوذة والدجل، ومعادية للوعي العام بهدف جذب المشاهدات ضاربة عرض الحائط بمهمتها الإعلامية والتوعوية.

الجزائر - قررت السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري في الجزائر وضع حد لتفشي ظاهرة الدجل والسحر والشعوذة في وسائل إعلام جزائرية تسعى إلى جذب المشاهدات باستضافة شخصيات تروج لهذه الممارسات مستغلة الخرافات بهذا الشأن.

وبدت لهجة السلطة حادة في انتقادها وسائل الإعلام بسبب بث مواد إعلامية صادمة، كان أبرزها ظهور بعض الأشخاص على شاشات التلفزيون باعتبارهم “رقاة” أو “متخصصين في السحر”، زعم أحدهم أن فريق مولودية الجزائر خسر في الكأس الأفريقية لأن فريق أورلاندو بيراتس الجنوب أفريقي “استخدم السحر الأسود، وأن جنّا كان يحرس مرماه!”

وحذرت السلطة في بيان لها السبت من تفشي ممارسات إعلامية غير مهنية في بعض القنوات التلفزيونية تمس بوعي المواطنين، قائلة إنها “تضرب في الصميم الجهود الوطنية المبذولة لمواجهة الدجل والشعوذة.”

وخصّت بالذكر قنوات “النهار تي في” و”الشروق نيوز” و”الحياة”، مشيرة إلى أنها قدّمت برامج “تروج لمفاهيم غير مثبتة علمياً وخطابات خرافية تستغل معاناة الناس وترمي فقط إلى رفع نسب المشاهدة.”

السلطة تحذر من تجاوز صارخ للمنطق والعقل، وترويج لخطابات خرافية تتعارض مع المعطيات العلمية والقيم الدينية

وأشارت إلى “الوقوف بكل أسف، على قيام قناة ‘النهار تي.في’ ببث تصريح آخر مثير للجدل، ضمن برنامج ‘باباراتزي’.” حيث تضمّن البرنامج “ادعاء فنان معروف أنه ضحية سحر قام به زملاؤه لتعطيل مسيرته.” واعتبرت السلطة ما تقدّم “استغلالاً فجّا للعواطف الشعبية واستثمارا مبتذلاً للخرافة، لأغراض تجارية.”

وتطرقت إلى بثّ قناة “الشروق نيوز.تي.في” لحلقة من برنامج “راك في التحقيق”، في السابع عشر مايو الماضي، “تمت فيها استضافة شخص يفتقر لأبجديات العلم والاتزان، بل ويعجز عن تلاوة السور والآيات القرآنية على وجه سليم.”

واستهجنت السلطة “إطلاق المعني خطابات غير مسؤولة ومعادية للوعي العام، بينها قوله إن الدول الغربية تقدمت بفضل تسخير ‘الجان’.” ونبّهت السلطة إلى أنّ ذلك “تجاوز صارخ للمنطق والعقل، وترويج مباشر لخطابات خرافية تتعارض مع المعطيات العلمية والقيم الدينية.”

وذهب آخر إلى الادعاء بأنه ناقش “بروفيسور في الطب” وأقنعه بأن كل الاكتشافات العلمية الحديثة في الغرب تعود إلى “استخدام الجن”، وهو ما قبله الطبيب المفترض، حسب زعمه! وقبل سنوات ظهر أحد الرقاة على القنوات مروجا لما يقول إنه “المصل المرقي” الذي يتتبع الجن والشياطين في مجرى الدم!

وركّزت سلطة ضبط السمعي البصري على أنّ تلك الخطابات “خرق لمقتضيات الخدمة العمومية”. وشدّدت على أنّ “هذه البرامج التي تكرس استغلالاً سافراً لمعاناة الناس، تهدف في الحقيقة إلى رفع نسب المشاهدة.” وقالت إنّها “لا تشكّل فقط استخفافاً بعقول المواطنين، بل تندرج ضمن ما يعاقب عليه القانون رقم 23 – 20 المؤطر للنشاط السمعي البصري.”

وتطرقت إلى المادة الـ32 التي تنص على ضرورة الامتثال للقواعد المهنية وآداب المهنة وأخلاقياتها. وحثّت على “وجوب عدم استخدام الدين لأغراض تتناقض وممارسة النشاط السمعي البصري.” وأكّدت واجبها في حماية الرأي العام من التضليل، وأدانت بشدة هذا الانزلاق المهني.

وحذّرت كافة المؤسسات السمعية البصرية من مغبة السقوط في هذا المنحى الخطير، في ظل غياب أدنى شروط الإعداد الإعلامي الرصين، خصوصا في ظل “هشاشة المؤهلات الأكاديمية والإعلامية لبعض المنشطين (مقدمي البرامج)، التي تمكنهم من تناول مواضيع ذات طابع اجتماعي حساس.”

أخصائيون في علم النفس والاجتماع يؤكدون أن ظاهرة الشعوذة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمظاهر الفقر وتدني مستوى المعيشة، حيث يكون اليأس من القدرة على تغيير الحال أحد محركات الاعتقادات البالية

وركّزت على انعكاسات ما تقدّم داخل الأسرة الجزائرية وما يتصل بتربية الأجيال على الهواجس والخرافة، بدل تنمية العقل والتفكير النقدي. وشدّدت على “تعزيز الفهم السليم للدين”، بعيدا عن “انحراف ثقافي وتربوي لا يستهان بعواقبه.” وحذّرت أيضا من “الانعكاسات الاجتماعية الهدامة لهذه المحتويات، الخارجة عن الضوابط المهنية.”

وذكّرت السلطة مجددا بأنّ “عدم احترام بنود دفاتر الشروط العامة والخاصة، يعرّض إلى عقوبات إدارية.” وجاء بيان السلطة بعد تغطيات واسعة لحملات تنظيف المقابر من أعمال السحر والشعوذة والتي صدمت مشاهداتها الجزائريين عبر عرض فيديوهات لأكوام من الملابس والأكفان والكتب الممزقة والطلاسم وطواقم الأسنان والعظام، وكلها يُعتقد أنها أدوات تُستخدم في أعمال السحر.

وتحول الأمر إلى رهاب بين الناس حيث تم تداول قصة سيدة منقبة في مدينة العلمة شمال شرق الجزائر، كانت تنتظر ابنتها أمام المدرسة وهي تقرأ القرآن الكريم وتترجم بعض كلماته إلى اللغة الفرنسية. فما كان من بعض المارة إلا أن ارتابوا من تصرفها واتهموها بممارسة السحر والشعوذة، دون أن يتأكدوا من الحقيقة.

وفي لحظات تجمّع الناس حولها، وبدأوا بتصويرها، ثم طالب بعضهم بإبلاغ الشرطة، وسط حالة من الهلع. ثم سرعان ما تبين أن السيدة كانت تحاول فقط فهم القرآن بلغتها الثانية فهي مغتربة ولا تجيد العربية، ولم تكن تمارس أي شيء خارج عن الدين أو المنطق، وانتشرت القصة على الشبكات الاجتماعية وسط موجة استنكار واسعة. وكتب معلق:

@bkl_khaled

قضية السحر والشعوذة وما رافقها من اقتحام للمقابر بحثا عن طلاسم شيطانية، كشفت عن مدى جهل مجتمعنا وسهولة التلاعب بأفكاره وتوجيهه.
وقد تجلى هذا الجهل في الظلم الكبير الذي تعرضت له امرأة في العلمة حيث اتهمت ظلما في قضية لا أساس لها من الصحة.

وقال آخر:

@smfow1

أعتقد أن الشعب بالغ في مسألة السحر ويجب التوقف عن هذه الممارسات وأن تقوم الدولة وحدها بمتابعة الشعوذة والسحر!
الحمد لله الذي عافانا!

وكتب ناشط:

@MouloudiaDZ3

ما حدث لهذه المرأة المنقبة ونزع نقابها عنها يُعتَبَر عيبًا كبيرًا، وهو ليس من أخلاقنا، ولا من قيمنا، ولا من أخلاق ديننا ولا من القيم الإسلامية.
المرأة كانت تحمل مصحفًا وترجمة له بالفرنسية لأنها مغتربة، ولا تُحسن العربية.
نحن لا نعيش في غابة، نحن نعيش في دولة قانون، ومن فعل هذا يجب أن يُحاسب أمام العدالة.
لا يحق لأحد أن يأخذ القانون بيده.
حتى لو كانت هناك شكوك أو شائعات، فهناك شرطة، وهناك قضاء.
الهوس بقصص السحر والشعوذة لا يبرر أبدًا الاعتداء على الناس.

وقالت ناشطة مستنكرة تفشي هذه الأفكار:

@AfissaHiba

الجزائري غارق في التخلف مع خرافات السحر والشعوذة والعالم في حروب درونات الألياف البصرية ومنظومة الأوريشنيك، فيق لعمرك (أفق من سباتك) يا مسكين وانفض عنك هذا الجهل الممنهج الذي تراكم في عقلك، الشعوب هربت عليك (الشعوب سبقتك إلى الحضارة بأميال). #الجزائر #الجهل_المقدس

ويرى أخصائيون في علم النفس والاجتماع أن ظاهرة الشعوذة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمظاهر الفقر وتدني مستوى المعيشة، حيث يكون اليأس من القدرة على تغيير الحال أحد محركات الاعتقادات البالية، والتفكير في اللجوء إلى السحر كأحد سبل الهروب من الواقع ورفضه داخليا.

وقال عبدالحليم مادي، مختص في علم النفس التربوي والتنمية البشرية، إن نفاد الصبر يجعل هؤلاء اليائسين والناقمين على وضعهم يكذبون على ذاتهم لتفريغ الضغط النفسي بإعطاء مساحة للنفس عن طريق الوهم، حيث في أغلب الأحيان يعترف هؤلاء الزائرون للمشعوذين في داخلهم بأن ذلك شرك بالله ولا يمكن أن يتغير حالهم بالسحر، ولكن يفعلون ذلك كهروب من الواقع.

وأكد أن الفقر ليس المحرك الوحيد لظاهرة الشعوذة، بل ذلك يعود أيضا إلى نقص الكفاءة والمؤهلات في إيجاد الحلول، حيث نجد مسؤولين وإطارات في مناصب عليا، ويؤمنون بالشعوذة، كما أن بعض النساء لا يملكن الثقة في النفس والقدرة على مواجهة الواقع خاصة في ظل مجتمع ذكوري، فيلجأن إلى السحر والشعوذة.

5