سوريا في تحول متسارع لضبط الأعمال وإيقاع الاستثمار

تسير سوريا بخطى متسارعة نحو إعادة ضبط إيقاع الاستثمار، في محاولة لاستعادة جزء من حيوية اقتصاد أنهكته سنوات الحرب والعقوبات والتراجع المؤسسي. وبينما تُطرح مبادرات لتحسين بيئة الأعمال، لا تزال ثمة تحديات في طريق إحداث تغيير ملموس رغم الالتزامات الحكومية.
دمشق - كشف نائب وزير الاقتصاد والصناعة لشؤون التجارة الداخلية وحماية المستهلك في سوريا ماهر الحسن الاثنين أن الوزارة بصدد اعتماد برنامج منظومة بنك المعلومات التجاري الجديد، في تأسيس الشركات وإصدار السجلات التجارية.
ويعتبر البرنامج تطورا لافتا في المشهد الاقتصادي السوري عقب شطب العقوبات الغربية وتحسن علاقات دمشق مع دول المنطقة، وقد يكون نقطة بداية لتحسين بعض الجوانب الإدارية.
لكنه في الوقت ذاته يسلّط الضوء على عمق التحديات البنيوية التي تواجه البلد، ويعيد طرح الأسئلة حول مدى استعداد النظام الاقتصادي للتعافي والنمو الحقيقي في ظل الواقع السياسي والمالي الراهن.
وبحسب المسؤولين فإن القرار ينبع من حرص الحكومة نحو إعادة هيكلة البيئة الاستثمارية وتحفيز النشاط الاقتصادي، من خلال إطلاق مؤسسة في الغرض هي الأولى من نوعها في البلاد.
كما تأتي الخطوة في سياق مساعٍ رسمية لتحسين مناخ الأعمال وتبسيط الإجراءات الإدارية أمام المستثمرين المحليين والأجانب، في ظل ظروف اقتصادية قاسية تمر بها البلاد بعد أكثر من عقد من الصراع والانهيار الاقتصادي شبه الكامل.
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية عن الحسن قوله في كلمة خلال افتتاح دورة تدريبية في دمشق وريفها، إن “البرنامج يعتبر قاعدة بيانات مشتركة، تربط بين مديرية الشركات ودوائرها في المحافظات، والجهات الأخرى ذات الصلة في الجهات الحكومية.”
وأوضح أن البنك الجديد، الذي لم يكشف عن اسمه، يتضمن أرشفة وأتمتة بيانات الشركات وسجلاتها التجارية، بما يحفظ حقوق المتعاملين.
وأكد أن إعادة بناء سوريا الجديدة تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود، وتطوير العمل بما يتناسب مع المرحلة الحالية، وتطوير البرامج التي تعمل بها الإدارة العامة للتجارة الداخلية.
وقال إن الهدف من القرار هو أن “تتواءم مع متطلبات سوق العمل، وخاصة بعد الانفتاح العربي والدولي على سوريا، ودخول استثمارات وشركات في قطاعات مختلفة.”
وتروج الحكومة للفكرة باعتبارها جزءا من خطة وطنية أوسع لتقليص البيروقراطية وتحفيز قطاع الأعمال على النشاط في المرحلة المقبلة، لاسيما للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
ويرى خبراء أنه من الناحية النظرية، يُعد إنشاء مؤسسة موحدة لخدمات التأسيس والتسجيل خطوة إيجابية، تتماشى مع الممارسات المعتمدة في العديد من الدول التي تسعى لتحسين ترتيبها على مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال.
لكنهم يرون أنه في السياق السوري، فإن فاعلية الخطوة ستتوقف على عوامل أكثر تعقيدا، تتعلق ببنية الاقتصاد والاستقرار القانوني ومدى استقلالية المؤسسات، فضلا عن البيئة السياسية والأمنية المتقلبة.
ويواجه الاقتصاد السوري، الذي شهد تراجعا حادا في الناتج المحلي الإجمالي، وانهيارا شبه تام لليرة السورية، تحديات هيكلية عميقة، أبرزها تآكل الثقة في المؤسسات العامة وانتشار الفساد وضعف القضاء التجاري.
وفي ظل هذه البيئة، يرى بعض المحللين أن إطلاق بنك لتأسيس الشركات قد يحمل طابعا رمزيا أكثر منه تحولا حقيقيا في السياسات الاقتصادية، ما لم يقترن بإصلاحات أوسع تشمل النظام الضريبي، وتسهيل الوصول إلى التمويل، وضمان حماية الملكية والاستثمار.
من جانب آخر، قد يُنظر إلى هذا البنك بوصفه محاولة من الحكومة لاستعادة بعض السيطرة على السوق، وتنظيم الاقتصاد غير الرسمي الذي نما بشكل غير مسبوق خلال سنوات الحرب.
ويقول البعض إن الكثير من الشركات، خاصة في مناطق سيطرة الدولة، تعمل خارج الأطر الرسمية هربا من الأعباء البيروقراطية والضرائب. وبالتالي، فإن إنشاء كيان يوفر خدمات تسجيل مبسطة قد يسهم – نظريا – في جذب هذه الأنشطة إلى القطاع الرسمي.
أما بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب، فرغم أن البوابة الموحدة لتأسيس الشركات قد تكون عامل جذب، إلا أن المخاوف المتعلقة بعدم الاستقرار وصعوبة التحويلات المالية، لا تزال تمثل حواجز رئيسية أمام أيّ استثمار أجنبي محتمل.
وتدرك الحكومة أن تحسين المناخ الاستثماري لن يتحقق عبر إجراءات تنظيمية فقط، بل يحتاج إلى تحول أوسع في البنية القانونية والسياسية، وهو ما يبدو بعيد المنال في الوقت الحالي.
وتوقع وزير الاقتصاد محمد نضال الشعار في تصريحات لوكالة فرانس برس الاثنين تضاعف حجم الاستثمارات بحلول نهاية الصيف الحالي، مع عمل السلطة على تهيئة بيئة جاذبة للاستثمار الخارجي، في إطار مساعيها لدفع عجلة التعافي الاقتصادي.
وقال الشعار على هامش استئناف سوق دمشق للأوراق المالية نشاطها بعد ستة أشهر من توقفها عن العمل “الحمدلله بدأت الاستثمارات والأموال تتدفق إلى سوريا، ونتوقع بنهاية الصيف الحالي أن تكون مضاعفة لما نحصل عليه.”
وأوضح أن بيئة الاستثمار “باتت شبه جاهزة لتلقي استثمارات سواء من السوريين أو أشقائنا العرب أو الأجانب،” معتبرا أن أولوية الفترة المقبلة هي “تغيير الذهنية التي ورثناها من النظام البائد.”
وتعمل السلطات على إعادة النظر في قانون الاستثمار من أجل إنشاء بيئة جاذبة للاستثمارات الخارجية في المرحلة المقبلة خصوصا مع رفع العقوبات الأجنبية تباعا، مع المراهنة على الرأس المال الأجنبي للنهوض بقطاعات البنى التحتية والمرافق الخدمية الرئيسية.
وينصبّ العمل حاليا وفق الشعار على “رفع مستوى معيشة المواطن عبر تحقيق فرص اقتصادية واستقطاب الرأسمال الأجنبي والمحلي، ليشارك الجميع في العملية الاقتصادية والتنموية في سوريا.”
وشدد على أنه “لا يمكن أن يتحسن مستوى معيشة المواطن من دون الإنتاج،” مؤكدا الحرص على بناء “اقتصاد حر تنافسي، تيسر فيه الدولة العملية الإنتاجية.”
وتأمل السلطات في أن تتمكن من تحسين مستوى المعيشة وزيادة الدخل، في بلد يعيش أكثر من 90 في المئة من سكانه تحت خط الفقر وواحد من إجمالي كل أربعة عاطل عن العمل.

وتأتي خطوة إعادة افتتاح البورصة مع بدء تخفيف القيود الدولية على الأنظمة المالية السورية، فقد أعلنت الولايات المتحدة وأوروبا الشهر الماضي رفع حزمة واسعة من العقوبات التي فُرضت على سوريا في عهد عائلة الأسد.
وعادت 14 شركة من إجمالي 28 مدرجة للتداول الاثنين في السوق الذي يواجه وفق رئيس مجلس إدارة السوق فادي جليلاتي تحديات عدة، أبرزها “مواكبة التطورات والتكامل مع الأسواق المالية العالمية وتبسيط الإجراءات وخلق حوافز للمستثمرين.”
وقال جليلاتي لوكالة فرانس برس “لإعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية اليوم أهمية كبيرة على طريق بدء تعافي الاقتصاد.”
وتضم بورصة دمشق التي يهيمن عليها القطاع المصرفي، 27 شركة مدرجة، وتبلغ قيمتها نحو 17.6 تريليون ليرة (1.6 مليار دولار) وفق سعر الصرف الرسمي المحدد من قبل المركزي بحوالي 11 ألف ليرة للدولار.
ووفق المنصة الإلكترونية للبورصة، فهي تضم 15 بنكا وست شركات تأمين، بالإضافة إلى 6 شركات تعمل في قطاعات الخدمات والصناعة والاتصالات، بواقع شركتين في كل قطاع.
وفي الأسبوع الماضي، وقّعت سوريا اتفاقية كهرباء بقيمة 7 مليارات دولار مع تحالف شركات قطرية وتركية وأميركية لتطوير مشروع طاقة بقدرة 5 آلاف ميغاواط لإنعاش جزء كبير من شبكة الكهرباء السورية المتضررة جراء الحرب.
ويعاني قطاع الكهرباء من أضرار جسيمة في الشبكة والمحطات بالإضافة إلى البنية التحتية المتهالكة والنقص المستمر في الوقود، إذ لا يزيد الإنتاج يوميا على 1.6 غيغاواط مقابل 9.5 غيغاواط قبل 2011.