انكماش القطاع الصناعي في تركيا انعكاس حقيقي لضعف أداء الاقتصاد

الشركات تقلص الإنتاج والتوظيف والشراء في مايو نتيجة ضعف الطلب.
الثلاثاء 2025/06/03
خط الإنتاج يعمل لكن لا طلبيات

تحمل أحدث المؤشرات حول انكماش نشاط القطاع الصناعي بتركيا في طياتها قلقا بين أوساط الخبراء من أن تعافي الاقتصاد أضحى بعيد المنال، خاصة مع نشر بيانات الربع الأول من 2025 التي أظهرت أداء ضعيفا للنمو، وذلك بالنظر إلى سوء إدارة السلطات للأزمات منذ سنوات طويلة.

إسطنبول - سجّل القطاع الصناعي في تركيا تراجعًا ملحوظًا خلال الأشهر الأخيرة، ما يعكس بوضوح حالة الضعف المتزايدة التي يمر بها الاقتصاد في ظل ضغوط داخلية وخارجية متشابكة.

وأظهر مسح الاثنين أن انكماش الصناعات التحويلية استمر في مايو الماضي مع تقليص الشركات للإنتاج والتوظيف ونشاط الشراء في ظل ضعف الطلب. وهذا يُعد مؤشرًا سلبيًا على أداء الاقتصاد الكلي، خاصة أن القطاع يُعد من أبرز المحركات الأساسية للنمو.

وتراجع مؤشر مديري المشتريات لقطاع الصناعات التحويلية في تركيا الصادر عن غرفة صناعة إسطنبول إلى 47.2 نقطة في مايو من 47.3 في أبريل. وتشير أيّ قراءة للمؤشر دون 50 نقطة إلى انكماش في النشاط.

وكشف المسح أن الطلبيات الجديدة انخفضت، في انعكاس لاستمرار ضعف الطلب، ما ساهم في التباطؤ الأكثر وضوحا منذ أكتوبر الماضي في إنتاج الصناعات التحويلية.

آندرو هاركر: الشركات تعلق آمالا على تحفيز النمو في المستقبل
آندرو هاركر: الشركات تعلق آمالا على تحفيز النمو في المستقبل

وأظهر المسح أيضا تراجع التوظيف ونشاط الشراء وتقليص المصنعين لمخزوناتهم من المشتريات والسلع تامة الصنع.

وجاء في المسح أن تكاليف مستلزمات الإنتاج استمرت في الزيادة بشكل حاد، لكن وتيرة التضخم تراجعت من أعلى مستوى لها في عام واحد والذي سجلته في أبريل، كما انحسر تضخم أسعار الإنتاج ليصل إلى أدنى مستوى في عام 2025.

ويأتي الانكماش في وقت تواجه فيه تركيا تحديات اقتصادية متصاعدة، أبرزها تراجع سعر صرف الليرة، وارتفاع معدلات التضخم، إلى جانب استمرار معدلات الفائدة المرتفعة التي أثقلت كاهل الشركات الصناعية بالتمويل المكلف.

كما ساهم ضعف الطلب المحلي وتباطؤ الصادرات، نتيجة التوترات الجيوسياسية وتراجع الطلب في الأسواق الأوروبية، في زيادة الضغوط على المصانع التركية، التي اضطر بعضها إلى تقليص الإنتاج أو تسريح العمال.

ويحذر خبراء من أن استمرار هذا الاتجاه الانكماشي قد يُفاقم من أزمات البطالة ويؤثر سلبًا على معدلات النمو المستهدفة، خاصة مع اعتماد الحكومة في خططها التنموية على دعم القطاعات الإنتاجية لتعزيز التوازن التجاري وجذب الاستثمارات الأجنبية.

ويشير المحللون إلى أن ضعف الإصلاحات الهيكلية وتذبذب السياسات الاقتصادية يزيدان من هشاشة مناخ الأعمال، ويؤثران على ثقة المستثمرين في الاقتصاد التركي.

ومع ذلك تكافح الحكومة لطمأنة الأسواق من خلال التصريحات الرسمية وخطط الدعم المعلنة، لكن المتابعين يشككون في فاعلية هذه الخطط ما لم تقترن بإجراءات فعلية تعزز من استقرار الاقتصاد وتدعم بيئة الأعمال.

وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن انكماش القطاع الصناعي ليس مجرد مؤشر دوري، بل إشارة حقيقية إلى اختلالات أعمق في بنية الاقتصاد تحتاج إلى معالجات جذرية وشاملة.

سيلفا بحر بازيكي: مساهمة إنفاق الأسر في النمو ستتراجع العام الجاري
سيلفا بحر بازيكي: مساهمة إنفاق الأسر في النمو ستتراجع العام الجاري

ويعاني الاقتصاد من أزمة غلاء معيشة مستمرة منذ سنوات، وسلسلة من انهيارات العملة، مع تباطؤ النمو وارتفاع التضخم إلى 39 في المئة.

وقال آندرو هاركر مدير الاقتصاد في شركة ستاندرد آند بورز غلوبال ماركت إنتليجنس “ستعلق الشركات آمالها على تحفيز النمو في المستقبل القريب.”

وأضاف “كانت هناك على الأقل بعض المؤشرات على انحسار الضغوط التضخمية خلال الشهر (مايو)، وهو ما قد يعطي المصنعين فرصة لالتقاط الأنفاس.”

وتكافح الشركات للتعامل مع فترة مطولة من ارتفاع أسعار الفائدة، حيث سجلت 269 شركة من أصل 539 شركة أبلغت عن أرباح الربع الأول خسارة صافية.

وتمثل غرفة تجارة إسطنبول أكثر 1800 شركة صناعية، تمثل غالبية الاقتصاد، بسبب تسجيل معظم الشركات الكبرى فيها، حتى لو كانت نشاطاتها في أماكن أخرى من البلاد.

وتشير التقديرات إلى أن القطاع الصناعي يسهم بحوالي 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد والذي يناهز التريليون دولار، وتشكل منتجاته أكثر من 70 في المئة من الصادرات.

وتتخوف أوساط الصناعة من دخول القطاع في دائرة الركود المزمن وأن تتقوض القدرة التنافسية للشركات بعدما قيدت أزمة الليرة المستمرة نشاطها، والتي أفرزها اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو قبل منتصف مارس الماضي.

وإمام أوغلو هو المنافس السياسي البارز للرئيس رجب طيب أردوغان، والمرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري في أي انتخابات مُستقبلية.

وينضاف انهيار العملة إلى محنة غلاء الأسعار نتيجة الضغوط التي تواجهها البلاد بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة منذ اندلاع الحرب في شرق أوروبا قبل ثلاث سنوات وانعكاساتها على مجمل أنشطة الأعمال والاستثمار مع تصاعد الاحتجاجات ضد الحكومة.

استمرار هذا الاتجاه الانكماشي للقطاع قد يُفاقم من أزمات البطالة ويؤثر سلبًا على معدلات النمو المستهدفة

ويشكل ذلك تحديات جديدة للسلطات التي تستورد تقريبا كافة حاجتها إلى الطاقة، ما يجعلها عرضة لتداعيات التقلبات الكبيرة في الأسعار مع كل أزمة تطرأ في الأسواق العالمية.

وتباطأ الاقتصاد في الربع الأول من العام الجاري مع استمرار الفائدة المرتفعة في الضغط على النشاط الاقتصادي رغم التخفيضات الثلاثة السابقة التي تبناها البنك المركزي.

ونما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة واحد في المئة مقارنة بالربع الأخير من 2024 بعد تعديل الأرقام موسمياً وعلى أساس أيام العمل، وذلك وفقاً للبيانات التي نشرتها الهيئة الإحصائية الحكومية الجمعة الماضي.

وشكلت هذه النسبة انخفاضاً من 1.7 في المئة في الربع السابق، وجاءت أدنى من متوسط التوقعات البالغ 1.2 في المئة في مسح أجرته بلومبيرغ.

وقالت سيلفا بحر بازيكي من بلومبيرغ إيكونوميكس إن إنفاق الأسر “يتوقع أن تتراجع مساهمته في النمو خلال العام الجاري” مع ذلك، يظل مهماً. وأضافت “يرجع ذلك جزئياً إلى توقعاتنا الأساسية بعدم تحديث الحد الأدنى للأجور في منتصف العام.”

ويظل النمو موضوعاً حساساً إذ يُعتبر أحد أكثر مؤشرات القوة الاقتصادية التي يراقبها أردوغان من كثب.

وكان البنك المركزي قد بدأ في ديسمبر الماضي بخفض تكاليف الاقتراض من 50 إلى 42.5 في المئة من خلال ثلاثة تخفيضات متتالية، في محاولة لتحقيق توازن بين النمو وتهدئة الأسعار.

وانتهت تلك المبادرة بشكل مفاجئ في مارس، عندما اضطرت السلطات إلى رفع الفائدة لإدارة اضطرابات السوق التي أثارها سجن إمام أوغلو. ومنذ ذلك الحين، تبنّى المركزي نبرة معاكسة، مشيراً إلى استمرار موقفه المتشدد في سياساته النقدية.

10