بيان جزائري متناقض يكشف ارتباكا سياسيا إثر دعم بريطانيا لمبادرة المغرب

الجزائر – تجلّى تخبط الجزائر وارتباكها السياسي الواضح في رد فعلها المتسرع والمليء بالتناقضات، في أعقاب إعلان المملكة المتحدة دعمها الرسمي لمبادرة الحكم الذاتي المغربية الأحد، وهذا الموقف الجزائري يؤكد بشكل قاطع محاولاتها اليائسة للتشويش على جهود التسوية الدولية، ويضعها في موقف حرج أمام الرأي العام الدولي ومجلس الأمن.
وفي تحول دبلوماسي لافت، لم يكن مفاجئا للمراقبين، بل جاء امتدادًا لديناميكية دولية متنامية تشهدها قضية الصحراء المغربية، أكد وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي، خلال مؤتمر صحافي بالرباط مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، أن مقترح الحكم الذاتي هو "الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق من أجل تسوية دائمة"، وفق بيان مشترك. هذا الدعم البريطاني يشكل ضربة قاصمة للموقف الجزائري المتصلب، ويسلط الضوء على عزلتها المتزايدة في هذا الملف الحيوي.
ولم تمضِ سوى ساعات قليلة على إعلان المملكة المتحدة دعمها لمبادرة الحكم الذاتي، حتى أصدرت الجزائر بيانا عبر وزارة الخارجية حمل في طياته تناقضات واضحة، تتأرجح بين "الأسف" لهذا الموقف ومحاولة التقليل من أهميته.
ففي الوقت الذي أعربت فيه الجزائر عن "أسفها لقيام المملكة المتحدة بدعم مخطط الحكم الذاتي المغربي"، زعمت في الفقرة نفسها أن هذا المقترح "طوال السنوات الثمانية عشرة التي أعقبت تقديمه، لم يتم عرضه على الصحراويين كأساس للتفاوض".
هذا الادعاء يتناقض بشكل صارخ مع الواقع، حيث سبق للمغرب أن اقترح مرارا وتكرارا التفاوض على الحكم الذاتي، إلا أن جبهة بوليساريو، المدعومة بالكامل من الجزائر، كانت ترفض أي حديث عنه وتصر على ما تسميه "الاستفتاء وحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره"، في موقف يعرقل أي تقدم نحو حل واقعي.
واستمرت الجزائر في بيانها بالادعاء بأن مقترح الحكم الذاتي "لم يتم التعاطي معه يوما على محمل الجد من قبل مبعوثي الأمم المتحدة الذين تداولوا على هذا المنصب، فقد أقر جميعهم بأن المبادرة المغربية فارغة المحتوى وغير قادرة على الإسهام في التوصل إلى تسوية جادة وذات مصداقية للنزاع في الصحراء الغربية"، هذا الادعاء لا يجد أي دلائل تدعمه، بل يتناقض مع حقيقة اطلاع مبعوثي الأمم المتحدة على مقترح الحكم الذاتي، وعدم صدور أي تصريح منهم بأنه "فارغ المحتوى".
لم يكتفِ البيان الجزائري بالتناقضات الصارخة، بل وصل إلى حد الادعاء بأن "الغاية من مخطط الحكم الذاتي المغربي لم تكن يومًا الاستناد إليه كأساس حل سياسي لهذا النزاع، بل كانت مراميه الحقة تمثل على الدوام في شغل الساحة من أجل قطع الطريق أمام أي مساع جادة للتوصل إلى تسوية حقيقية، والسماح للمغرب بكسب المزيد من الوقت وتعويد المجموعة الدولية، بشكل تدريجي، على الأمر الواقع الاستعماري المتمثل في الاحتلال غير الشرعي للصحراء الغربية".
هذا الزعم، الذي يتنافى تمامًا مع دعوات المغرب المتكررة للتفاوض على أساس المبادرة، يكشف عن عمق التخبط الجزائري وعجزها عن تقديم بديل واقعي، مفضلةً التمسك بسردية متقادمة تهدف إلى إطالة أمد النزاع.
ففي الوقت الذي يؤكد فيه المغرب على ضرورة إيجاد حل سياسي نهائي يضمن السيادة الوطنية ويفتح آفاق التنمية للمنطقة، تصر الجزائر على عرقلة الجهود الأممية وتتعمد تزييف الحقائق، مما يجعل موقفها أقرب إلى رهان خاسر على "الأمر الواقع الاستعماري" الذي تدعيه، بدلا من الانخراط البناء في المساعي الدولية لحل هذا الملف.
بعد أن أعربت الجزائر عن "أسفها" لموقف المملكة المتحدة، عادت في بيانها لتقول إنها تُسجل "بأن المملكة المتحدة لم تتطرق للسيادة المغربية المزعومة على إقليم الصحراء الغربية، ولم تقدم أي دعم لها، وهي بذلك لا تزكي الاحتلال غير الشرعي لهذا الإقليم المصنف كـ'إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي' وفقًا للشرعية الدولية"، وهذا التناقض الكبير يثير تساؤلات جدية حول الأساس الذي استندت إليه الجزائر في إبداء "أسفها"، ما دام أن موقف المملكة المتحدة لم يحدث فيه تغيير جوهري في نظرها.
أما التناقض الأكبر، فهو تأكيد الجزائر في ختام البيان على أنها "تأمل في أن تواصل المملكة المتحدة، بصفتها عضوا دائمًا في مجلس الأمن، العمل على مساءلة المغرب عن مسؤولياته الدولية والسهر على احترام الشرعية الدولية"، رغم أنها قبل أسطر قليلة فقط اتهمت لندن بشكل ضمني بدعم "مخطط استعماري" يهدف إلى ترسيخ "الاحتلال"، بل واعتبرت دعم الحكم الذاتي ضربا لجهود التسوية. فكيف يمكن للجزائر أن تراهن على شريك تعتبره متواطئا مع ما تسميه "البلد المحتل"؟ وكيف تطالب بالتعاون من طرف لم يعد حياديا حسب زعمها؟
يعكس البيان الجزائري في مجمله ارتباكا سياسيا واضحا في التعاطي مع المواقف الدولية الجديدة التي تميل بشكل متزايد لصالح مقترح الحكم الذاتي المغربي الذي بات يحظى بدعم دولي متنامٍ، من قوى كبرى مثل الولايات المتحدة، ألمانيا، إسبانيا، فرنسا، والآن بريطانيا، إذ بدلا من مواجهة الواقع المتغير بعقلانية، اختارت الجزائر أسلوب التناقضات والمغالطات الخطابية، مما يُفقدها مزيدا من المصداقية على الساحة الدولية.
والرسالة الأهم التي يحملها هذا البيان ليست في مضمونه، بل في توتره، وهو ما يعكس القلق الحقيقي من عزلة الجزائر المتزايدة في ملف الصحراء المغربية، مقابل التقدم الميداني والدبلوماسي الذي يحققه المغرب بثقة واتزان.
وهذا الموقف الجزائري المتخبط يؤكد إصرارها على عرقلة أي حلول واقعية، مما يضعها في موقف دفاعي أمام التوافق الدولي المتزايد حول مبادرة الحكم الذاتي المغربية.