عون يسعى لتفعيل علاقات لبنان مع عراق منفتح على محيطه العربي

الرئيس اللبناني يؤكد أن التعاون بين الدول العربية يجب أن يقوم على مصالح متبادلة وليس على الشعارات.
الاثنين 2025/06/02
البحث عن بداية جديدة تقطع مع الماضي

بغداد- وصل الرئيس اللبناني جوزيف عون الأحد إلى بغداد في إطار مساعٍ لتفعيل العلاقات الثنائية بين لبنان والعراق على قاعدة جديدة تقوم على المصالح والتعاون العملي، لا على الاصطفافات السياسية والأيديولوجية.

وشدد عون خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على “الحاجة إلى نظام المصلحة العربية المشتركة”، في إشارة صريحة إلى أن التعاون بين الدول العربية يجب أن يقوم على مصالح متبادلة وليس على الشعارات.

وفسّر هذا التصريح كرسالة لبنانية واضحة تدعم محاولات العراق للانفتاح على محيطه العربي والخروج من الهيمنة الإيرانية المطلقة، وتعبر بشكل غير مباشر عن رغبة بيروت في الابتعاد عن سياسة المحاور التي لطالما كبّلتها داخليا وخارجيا.

عون أكد من خلال الزيارة أن لبنان مستعد لفتح صفحة جديدة تقوم على الشراكة لا على الحسابات الأيديولوجية والارتباطات المحورية

ويرى مراقبون أن عون أراد أن يؤكد أن لبنان مستعد للتعاون مع عراق منفتح على محيطه العربي وأن الوقت مناسب لفتح صفحة جديدة تقوم على الشراكة لا على الحسابات الأيديولوجية والارتباطات المحورية.

وتحمل خطوات التقارب بين لبنان والعراق إشارة مهمة إلى أن تحولات كبيرة تجري في المنطقة سوف تغير قواعد اللعبة التي سادت فترة طويلة، وكانت فيها إيران رقما رئيسيا في البلدين، وأن كلا من بيروت وبغداد تحاول الدفاع عن مصالحها بالطريقة التي تراها مناسبة ولا تجعلها أسيرة لطهران التي انعكست توجهاتها الإقليمية على البلدين، وإن لم يقل لبنان أو العراق ذلك صراحة، لكن اللقاء في هذا التوقيت يحمل من الإشارات ما يكفي للقول إن البساط ينسحب تدريجيا من تحت قدمي إيران.

ويصب ما ينجم عن الزيارة من تفاهمات بين عون والسوداني في مصلحة كليهما السياسية، حيث يحاول الرئيس اللبناني الدفاع عن استقلال بلاده، كما يسعى رئيس الوزراء العراقي توسيع مساحة الحركة في الفضاء الإقليمي الذي قد يشهد تغيرات كبيرة، سوف تكون لها تأثيرات سلبية كبيرة على الدول الضعيفة أو تلك التي تتخندق في محاور منبوذة، ولعل ما تتعرض له طهران الآن من ضغوط أميركية في مسألة المفاوضات النووية تشير إلى المدى الذي يمكن أن تصل إليه الدول التي تدور في فلكها، أو التي لا تحاول إعادة النظر في تصوراتها التقليدية.

وأكد السوداني حرص العراق حكومة وشعبا على دعم لبنان، وتقوية مؤسسات الدولة فيه، والوقوف إلى جانب الشعب اللبناني، ورفض أي اعتداء على السيادة أو تدخل خارجي يحاول النيل من إرادته المستقلة.

وأعرب الرئيس اللبناني عن شكره وتقديره لمواقف العراق المبدئية والعملية تجاه لبنان، خاصة في الظروف الصعبة التي مرّت على اللبنانيين، ورفع قدرته على مواجهة المنعطفات المختلفة، ودعم العراق لسيادة لبنان واستقراره.

كما شكر العراق على سعيه إلى “توسعة آفاق التعاون مع لبنان لما فيه مصلحة الشعبين الشقيقين”، بحسب مكتب السوداني. وترأس عون وفدا يضمّ المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير وعددا من المستشارين.

pp

وشهدت العلاقات العراقية – اللبنانية فتورا في الأشهر الماضية بسبب تصريحات لعون عن الحشد الشعبي لكن العلاقات بين البلدين كانت جيدة خلال السنوات الماضية، حيث أن الحكومة الحالية مشكّلة من أحزاب شيعية موالية لإيران بصورة رئيسية، ولها علاقات وطيدة مع حزب الله اللبناني.

ومنذ يوليو 2021، يزوّد العراق لبنان بالوقود للمساهمة في تشغيل محطات توليد الكهرباء مقابل سلع وخدمات طبية. ويعاني كلا البلدين من أزمة كهرباء حادة بالإضافة إلى تهالك البنية التحتية جراء عقود من الصراعات والإهمال والفساد.

وتعهّد العراق خلال القمة العربية التي عقدت الشهر الماضي في بغداد، بتقديم 20 مليون دولار في إطار جهود إعادة إعمار لبنان بعدما أدّت حرب مدمّرة استمرّت عاما كاملا بين حزب الله وإسرائيل، إلى دمار واسع في البلاد.

واستقبل العراق خلال الحرب الآلاف من اللبنانيين الهاربين من القصف الإسرائيلي على قرى وبلدات الجنوب ومناطق أخرى لحزب الله نفوذ كبير فيها.

وقد تلقّى الحزب ضربة قوية نتيجة اغتيال إسرائيل لعدد كبير من قياداته وتدمير بناه التحتية. وتراجع نفوذه على الساحة السياسية منذ انتخاب عون رئيسا وتشكيل حكومة في لبنان برئاسة نواف سلام منذ مطلع العام. وتؤكد السلطات الجديدة العمل على حصر السلاح والسيادة في أيدي القوات الشرعية، ما ينزع من حزب الله أي ذريعة للاحتفاظ بسلاحه.

وكان عون رفض فكرة استنساخ تجربة “الحشد الشعبي” في استيعاب حزب الله داخل الجيش، لكنه أشار إلى إمكانية التحاق عناصر الحزب بالجيش والخضوع لدورات كما حصل مع أحزاب بعد الحرب، وهو ما تسبب في أزمة مع بغداد.

وعلى خلفية التصريحات، استدعت وزارة الخارجية العراقية السفير اللبناني في بغداد علي الحبحاب؛ للتعبير عن عدم ارتياحها إزاء تلك التصريحات.

وأكد وكيل الوزارة لشؤون العلاقات الثنائية، السفير محمد بحر العلوم، أن “الحشد الشعبي جزء مهم من المنظومة الأمنية العسكرية في العراق، وهي مؤسسة حكومية وقانونية، وجزء من منظومة الدولة العراقية”، مشيرا إلى أن “ما صدر عن الرئيس اللبناني من ربط في هذا السياق لم يكن موفقاً، وكان الأجدر عدم إقحام العراق في الأزمة الداخلية اللبنانية، أو استخدام مؤسسة عراقية رسمية مثالاً في هذا السياق”.

وأشار بحر العلوم إلى أن “حالة من عدم الارتياح سادت العراقيين، لاسيما أن العراق لم يتوانَ عن الوقوف إلى جانب لبنان في مختلف الظروف”. وأعرب عن أمله في أن “يُصحِّح الرئيس اللبناني هذا التصريح، بما يعزِّز العلاقات الأخوية بين البلدين، ويؤكد احترام خصوصية كل دولة”.

1