اجتماع دول الجوار: بيان فضفاض لإرضاء الجزائر ومصر بدل البحث عن حل في ليبيا

دول الجوار تستبق التحولات في ظل تنسيق بين موسكو وأنقرة وواشنطن لبلورة حل سياسي قبل نهاية أغسطس.
الأحد 2025/06/01
هل تقدر دول الجوار على رعاية التهدئة في طرابلس

طرابلس- اختارت مصر والجزائر وتونس انتهاج طريق التوافق في قراءة المشهد الليبي واعتماد لغة موغلة في ”دبلوماسية الحياد” بدعوتها كافة الأطراف الليبية إلى التزام أقصى درجات ضبط النفس، والوقف الفوري للتصعيد، وإنهاء الانقسام في ليبيا، دون تحديد للأسباب والدوافع التي أدت إلى تأزيم الأوضاع أو تحديد الجهات المتورطة في ذلك.

وجاء البيان فضفاضا وهدف إلى إرضاء مصر والجزائر معا، وهو أمر صعب التحقيق في ظل دعم القاهرة لجماعة الشرق ودعم الجزائر لجماعة الغرب ورغبة تونس في أن تكون محايدة لا مع الشرق ولا مع الغرب، ومن شأن تناقض المصالح بين الدول المعنية أن يجعل أيّ دور لدول الجوار الليبي غير ذي جدوى واقعيا.

وبحسب أوساط ليبية، فإن اجتماع القاهرة لم يقدم أيّ إضافة للموقف الإقليمي العام، وهو غير ذي جدوى من الناحية السياسية، اعتبارا لطبيعة التوازنات على الأرض والتحالفات القائمة، حيث تعد الجزائر داعمة أساسية لسلطة طرابلس وحاضنة للمجلس الرئاسي ورئيسه محمد المنفي وتدافع عن بقاء رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة في الحكم، بينما لا تخفي مصر مساندتها لسلطات المنطقة الشرقية ولمجلس النواب والحكومة المنبثقة عنه ولديها علاقات تحالف مع قيادة الجيش.

وتسعى تونس إلى احترام التوازنات عبر الاحتفاظ بمسافة واحدة بين المنطقتين الغربية والشرقية وهو ما تأكد الأسبوع الماضي بإعادتها افتتاح قنصليتها العامة في بنغازي.

وترى الأوساط الليبية أن الدول الثلاث تحاول أن تلتقط خيط المبادرة بعد انهيار منظومة الجوار الليبي السابقة التي تضم كذلك السودان وتشاد والنيجر، وتعمل على استباق أيّ تحولات منتظرة في ظل مساع لتنسيق الجهود بين موسكو وأنقرة وواشنطن لبلورة مشروع حل سياسي قبل نهاية أغسطس القادم.

وفي ظل ارتباك المواقف، فإن الفرقاء الليبيين لا ينظرون إلى دور دول الجوار الثلاث بجدية، ويراهنون على أدوار دول أخرى قادرة على الضغط مثلما جرى قبل أيام من روسيا التي أوحى موقفها بأنها ترفض أيّ تدخل من قائد الجيش في الشرق خليفة حفتر في طرابلس، وهو ما يفسر عدم تنفيذ حفتر لتهديداته. كما أن الفرقاء يراهنون على دور تركيا التي صار لها نفوذ في الشرق كما في الغرب، وصارت حليفا للطرفين المتصارعين.

ويشير متابعون للشأن الليبي إلى أن البيان الثلاثي الصادر في القاهرة لن يكون له أيّ أثر على الأرض، وأن الواقع في ليبيا يحتاج إلى قرار دولي حازم وحاسم يمكن أن يصدر عن مجلس الأمن خلال اجتماعه منتصف يونيو الجاري حيث ستقدم رئيسة البعثة حنّا سيروا تيتيه إحاطتها الدورية، مشيرين إلى أن التجربة أثبتت أن التجاذبات الجزائرية المصرية كانت لها انعكاساتها السلبية على الوضع في ليبيا منذ العام 2014.

بدر عبدالعاطي: ضرورة تقديم الدعم للجهود الرامية لإطلاق عملية سياسية من أجل تسوية الأزمة في ليبيا

وأعلنت آلية دول الجوار الثلاثية عن عقد اجتماعين حول ليبيا قبل نهاية العام الجاري، وقالت الخارجية المصرية إن الاجتماع الوزاري المقبل للآلية سيعقد في الجزائر، ثم تونس قبل نهاية العام الجاري.

جاء ذلك في بيان صدر السبت في ختام اجتماع وزراء الخارجية المصري بدر عبدالعاطي والتونسي محمد علي النفطي والجزائري أحمد عطاف في القاهرة.

وأكد الوزراء ”أهمية إعلاء مصالح الشعب الليبي الشقيق، والحفاظ على مقدراته وممتلكاته، وتحقيق التوافق بين الأطراف الليبية كافة بإشراف ودعم من الأمم المتحدة، وبمساندة من دول الجوار، بما يفضي إلى إنهاء الانقسام، والمضي قدماً بالعملية السياسية في ليبيا نحو توحيد المؤسسات، وعقد الانتخابات البرلمانية والرئاسية بالتزامن.”

وشددوا على أن يكون”الحل ليبيّا – ليبيّا ونابعاً من إرادة وتوافق جميع مكونات الشعب الليبي الشقيق بمساندة ودعم الأمم المتحدة، وبما يراعي مصالح أبناء الشعب الليبي دون إقصاء.”

وأبرز وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي الأولوية التي يمثلها الملف الليبي بالنسبة إلى الأمن القومي لمصر والجزائر وتونس كدول جوار مباشر لليبيا، مشددًا على ضرورة تقديم الدعم للجهود الرامية لإطلاق عملية سياسية من أجل تسوية الأزمة في ليبيا.

وأشار إلى دعم بلاده ”مسار الحل الليبي – الليبي دون إملاءات أو تدخلات خارجية أو تجاوز لدور المؤسسات الوطنية الليبية، وصولًا إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بالتزامن،” مؤكدا أهمية ”احترام وحدة وسلامة الأراضي الليبية، والنأي بها عن التدخلات الخارجية.”

وانعقد اجتماع القاهرة في ظل استمرار الاحتجاجات الشعبية الواسعة التي تشهدها طرابلس والمنطقة الغربية منذ أكثر من ثلاثة أسابيع والتي يدعو منظموها فيها إلى الإطاحة بحكومة الدبيبة.

وبالتزامن مع اتجاه مجلس النواب إلى انتخاب شخصية وطنية يتم تكليفها بتشكيل حكومة موحدة بعد أن كان استمع الثلاثاء والأربعاء الماضيين إلى برامج المرشحين البالغ عددهم 12 مرشحا.

وتعمل دول الجوار الثلاث على إيجاد أرض مشتركة لدراسة الملف الليبي والتشاور بخصوصه بعد فشل المشروع الجزائري الهادف إلى عقد مؤتمر قمة في طرابلس دون مشاركة مصرية، واتساع دائرة الصراع الجيوسياسي في المنطقة من خلال امتداد مؤثرات الوضع في ليبيا إلى دول الساحل الأفريقية الذي يتجسد بالخصوص في اتساع الدور الروسي وانكفاء الحضور الفرنسي.

وأوضح المتحدث السابق باسم رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد السلاك أن الانفلات الأمني بليبيا لا يصب في مصلحة مصر أو تونس والجزائر، لافتا إلى أن محرك الدول الثلاث هو التطورات الأخيرة في طرابلس، والمخاوف من انفلات الأوضاع الأمنية بشكل يؤثر في أمن البلدان الثلاث.

وكان وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي شدد قبل أيام على ضرورة حل الميليشيات في ليبيا وخروج جميع القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة، وعلى ضرورة السعي لتوحيد المؤسسات التنفيذية والاقتصادية والأمنية في البلاد، مشددا على رفض أيّ تواجد عسكري غير شرعي لأيّ طرف أجنبي بشكل كامل.

ودعت تونس إلى وقف فوري للتصعيد في ليبيا، وأبدت استعدادها لاستضافة حوار ليبي برعاية أممية من أجل التوصل إلى حل سياسي ووقف أعمال العنف.

وجددت الجزائر دعوتها إلى ”كافة الأشقاء في ليبيا إلى الحوار كخيار وحيد لفض الخلافات، والتحلّي بروح المسؤولية الوطنية العالية، وتغليب المصلحة السامية للشعب الليبي فوق كافة الاعتبارات الظرفية والحسابات الضيقة.”

1