معهد إيطالي يؤكد استفادة أنقرة من الأزمة الليبية للتوسع في حوض المتوسط

الاشتباكات الأخيرة في طرابلس تعزز موقف الدبيبة، وبالتالي موقف تركيا الحليف الرئيسي لحكومة طرابلس.
الأحد 2025/06/01
مصالح مشتركة

روما - ناقش معهد تحليل العلاقات الدولية الإيطالي إستراتيجية تركيا للتوسع في منطقة شمال أفريقيا، لافتا إلى أن الوضع السياسي والأمني الحالي في ليبيا يمثل فرصة أمام أنقرة لتحقيق أهدافها في ليبيا.

وأكد المعهد الإيطالي اتساع نفوذ تركيا في ليبيا بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية، بما يتماشى مع إستراتيجية أطلقها وزير الخارجية السابق أحمد داوود أوغلو، التي وضعت ليبيا في قلب الإستراتيجية الجيوسياسية لأنقرة، ومستقبل النفوذ التركي في المنطقة.

ولاحظ المعهد أن الاشتباكات الأخيرة في طرابلس، التي أعقبت مقتل قائد ما كان يُعرف بجهاز دعم الاستقرار، عبدالغني الككلي، تعزز موقف رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايته عبدالحميد الدبيبة، وبالتالي موقف تركيا الحليف الرئيسي لحكومة طرابلس.

وأفاد أن “الوضع الراهن في طرابلس يعزز موقف الدبيبة في أعقاب محاولات عدة للإطاحة به. كما تمكن بعض الفصائل التابعة لوزارة الدفاع، وأبرزها اللواء (444 قتال) واللواء (111) و(قوة العمليات المشتركة)، من إحكام سلطتها في العاصمة،” مشيرا إلى الروابط القوية التي تملكها تلك الفصائل مع أنقرة.

وأضاف “تفضل أنقرة مشهدا أمنيا أكثر استقرارا في طرابلس. لهذا، فإن إزاحة الككلي من المشهد من شأنه خلق بيئة أمنية أكثر استقرارا في العاصمة.”

أنقرة اتبعت "دبلوماسية حذرة" في ليبيا، فحافظت على علاقاتها مع حكومة طرابلس، وضخت استثمارات في الشرق

واتبعت أنقرة ما وصفه المعهد الإيطالي بــ”دبلوماسية حذرة” في ليبيا، فإلى جانب الحفاظ على علاقات وثيقة مع الحكومة في طرابلس، ضخت أنقرة استثمارات ضخمة في المنطقة الشرقية. كما زار الملحق العسكري التركي بنغازي، في نوفمبر الماضي، للقاء الأمين العام للقيادة العامة، الفريق خيري التميمي.

واستطاعت أنقرة التكيف مع السياق السياسي في ليبيا، إذ أقامت علاقات ليس فقط مع الفصائل في المنطقة الغربية لكن أيضا مع الأطراف في الشرق، بما في ذلك عائلة حفتر. وهذا يبرز التحول من المواجهة المباشرة إلى الدبلوماسية الحذرة، إذ تهدف تركيا إلى البقاء على صلة بالوضع على المدى الطويل، بحسب التقرير.

ومنذ سبتمبر العام 2024، شهدت الإستراتيجية التركية في ليبيا تحولا ملحوظا عقب لقاء الرئيس رجب طيب أردوغان نظيره المصري عبدالفتاح السيسي، وهو تقارب انعكس على ديناميكيات الأزمة السياسية في ليبيا.

وقد أعربت أنقرة والقاهرة عن الرغبة في التعاون والتنسيق المشترك، لإرساء الاستقرار في البيئة السياسية المضطربة في ليبيا، ودفع الحكومتين المتنافستين إلى حل خلافاتهما، والاتفاق على حكومة موحدة. كما أن التقارب بين البلدين من شأنه تعزيز قطاع الطاقة والنفط في ليبيا، ويمثل ذلك فرصة لكلا البلدين من أجل تعزيز نفوذهما في حوض البحر المتوسط.

غير أن إصرار أردوغان على إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات مع الحكومة في طرابلس يخاطر بتقويض العلاقات التي عادت لتوّها مع مصر. وتتضمن مذكرة التفاهم الموقعة بين حكومة الدبيبة وأنقرة تعزيز الوجود العسكري التركي في ليبيا، ما يمنح القوات المسلحة التركية وصولا إلى أجواء وأراضي ليبيا ومياهها الإقليمية، وهو ما يثير حفيظة القاهرة.

إصرار أردوغان على إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات مع الحكومة في طرابلس يخاطر بتقويض العلاقات التي عادت لتوّها مع مصر

ورجح المعهد الإيطالي أن تحاول أنقرة توسيع نطاق نفوذها في ليبيا، لتأمين نفوذ أكبر في حوض البحر المتوسط، كما فعلت في سوريا عقب سقوط نظام الرئيس بشار الأسد، لكن باتّباع نهج مغاير.

وقال “قدرة تركيا على العمل في جبهات متعددة، واستغلال انعدام الاستقرار الإقليمي، قد يدفعها بشكل أكبر إلى تعزيز وجودها داخل ليبيا.”

وفي وقت سابق، حثّ وزير النفط والغاز الليبي في حكومة الدبيبة، خليفة عبدالصادق ورئيس المؤسسة الوطنية الليبية للنفط مسعود سليمان، خلال اجتماع احتضنته إسطنبول، الشركات النفطية العالمية بما فيها التركية على الاستثمار في ليبيا والبدء في التنقيب، فيما يبدو أن حكومة عبدالحميد الدبيبة تسعى إلى تقوية علاقاتها مع أنقرة، مدفوعة بمخاوفها من التقارب بين تركيا وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق ليبيا.

وأرسلت تركيا خلال الآونة الأخيرة إشارات على انفتاحها على التعاون مع السلطات في الشرق الليبي في إطار مساعيها لتحقيق التوازن، في وقت تشير فيه تقارير إلى تراجع الثقة برئيس حكومة الوحدة الوطنية التي تدير غرب البلاد، في ظل الضغوط الدولية لتسريع الانتخابات وإنهاء المرحلة الانتقالية.

وعقدت ليبيا اجتماعا تعريفيا في إسطنبول للمستثمرين الدوليين في إطار جولة العطاء العام لاستكشاف النفط والغاز على الأراضي الليبية بعد انقطاع دام 17 عاما.

ويواجه رئيس حكومة الوحدة الوطنية اتهامات بخدمة مصالح أنقرة وفتح الأبواب أمام التمددي التركي في البلاد، مقابل تأمين الدعم الذي يبقيه في السلطة.

وكان الدبيبة قد وقّع مع تركيا في العام 2022 اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه المشتركة بناء على اتفاق أبرم في العام 2019، وهو ما أثار انتقادات واسعة، وفاقم المخاوف من التوسع التركي في البلاد.

2