الضغوط الخارجية في قضية علاء عبدالفتاح تزيد القاهرة تمسّكا بموقفها

مكالمة ستارمر مع السيسي لم تفض إلى الإفراج عن الناشط السياسي.
الأحد 2025/06/01
إضراب والدة علاء عبدالفتاح ساعد على الاهتمام بقضيته

الحكومة المصرية لا تنظر إلى قضية علاء عبدالفتاح من بوابة تدخل الحكومة البريطانية ولا المنظمات الحقوقية لإطلاق سراحه، ولكن كناشط مصري موكول أمره للقضاء حتى لو كان قد مُنح الجنسية البريطانية.

القاهرة- كشف الإفراج عن المعارض المصري أحمد طنطاوي بعد انقضاء فترة عقوبته في قضية تزوير توكيلات الترشح لانتخابات الرئاسة السابقة، ورفض الاستجابة لضغوط خارجية تُمارس لإطلاق سراح الناشط السياسي علاء عبدالفتاح، عن تمسك القاهرة بموقفها ورفضها التدخل في شؤونها الداخلية.

وبرهن تصاعد المطالب من منظمات دولية، والحكومة البريطانية التي منحت الجنسية لعلاء عبدالفتاح المحبوس بتهمة نشر أخبار كاذبة، أن التعامل المصري مع مثل هذه الضغوط يرتبط بتطبيق القانون ضد من يواجهون تهما متباينة، بما يهدف إلى عدم توظيف الضغط السياسي كوسيلة تؤثر على الموقف المصري من قضايا مختلفة.

وأجرى فريق الأمم المتحدة المعنى بالاحتجاز التعسفي تحقيقًا استمر 18 شهرا، اعتبر أن عبدالفتاح اعتُقل بسبب ممارسته حقه في حرية التعبير، “ولم يُمنح محاكمة عادلة،” واحتُجز لآرائه السياسية، وأن استخدام مفاهيم فضفاضة وغامضة مثل “نشر معلومات كاذبة، يتعارض مع المعايير الدولية لحرية التعبير“.

وأعلنت الحكومة البريطانية أن مكالمة هاتفية أجراها رئيس الوزراء كير ستارمر مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مؤخرا، وناقشا تطورات الأوضاع في قطاع غزة، وملف الحقوقي المصري الحامل للجنسية البريطانية علاء عبدالفتاح، أن “الإفراج الفوري عنه بات ضرورة ملحة لإنهاء المعاناة التي يتعرض لها هو وأسرته“.

وأثبتت القاهرة في محكات عدة أنها غير قابلة للضغط السياسي في ملف حقوق الإنسان، والتصعيد الذي مارسه تنظيم الإخوان عقب وصول السيسي إلى سدة الحكم وما أعقبه من ضغوط للإفراج عن محبوسين على ذمة قضايا عديدة ومحاولة إلصاق الصبغة السياسية على الأحكام القضائية لم يحقق المرجوّ منه.

أيمن نصري: مصر تدرك أن الضغوط التي تمارسها أطراف مختلفة لا تغير موقف الهيئات الدولية
أيمن نصري: مصر تدرك أن الضغوط التي تمارسها أطراف مختلفة لا تغير موقف الهيئات الدولية

ولم تؤد ضغوط مارسها منتمون للحزب الديمقراطي بعد وصول الرئيس الأميركي السابق جو بايدن إلى السلطة، إلى نتائج مباشرة، واختارت القاهرة الذهاب بإرادتها لتحسين الملف الحقوق، وإطلاق سراح المزيد من المحتجزين وفقا للجنة العفو الرئاسي.

ولا تخدم المتغيرات الإقليمية ما تذهب إليه عدة أطراف لإطلاق سراح علاء عبدالفتاح، لأن مصر تجاوزت الضغط عليها بعد أن اتخذت مسارا جنّبها تكرار ما حدث عام 2011 حينما كانت قضية حقوق الإنسان مدخلا للضغط عليها وغلقت الباب أمام توظيف المال السياسي في عمل المنظمات الحقوقية عبر قانون الجمعيات الأهلية الذي خرج بالتوافق مع المجتمع المدني، كما أن تعزيز تحالفها مع دول الاتحاد الأوروبي يخفف من الضغوط المفروضة عليها في هذا السياق.

وبلغت ذروة الضغط على الحكومة المصرية لإطلاق سراح عبدالفتاح أثناء مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ “كوب 27” الذي استضافه منتجع شرم الشيخ على ساحل البحر الأحمر، وجرى توظيف الحدث للمطالبة بإطلاق سراحه وبدت كمحاولة لإفساد حدث حضره الرئيس الأميركي جو بايدن وعدد من قادة العالم، وتجاوزت القاهرة تلك المرحلة دون أن ترضخ للمطالبة بالإفراج عن علاء.

وقال رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان في جنيف أيمن نصري إن الرسالة التي بعثت بها القاهرة للجهات التي تضغط عليها واضحة، وهي أن هناك إجراءات قانونية تأخذ مسارها، وإذا استجابت لأيّ أنوع من الضغوط فذلك سيؤدي إلى اختلال منظومتها القضائية، والاستجابة للضغوط عواقبها خطيرة، وقد مرّت مصر بتحوّلات خلال السنوات العشر الماضية، وكانت لها استجابة بشأن تحسين أوضاع حقوق الإنسان بشكل عام من دون أن تربطها بشخص بعينه.

وأضاف لـ”العرب” أن مصر تدرك أن الضغوط التي تمارسها أطراف مختلفة لا تغير موقف الهيئات الدولية، وفي مقدمتها مجلس حقوق الإنسان العالمي، وأن التعامل لا يكون بالقطعة، وثمة مطالب محددة تعمل على تصويبها دون أن يرتبط الأمر بأفراد محددين، وترتكن القاهرة على غض المجتمع الدولي الطرف عن جرائم إسرائيل في قطاع غزة، ومقارنتها بحبس ناشط حقوقي وفقا للقانون المصري.

وأشار إلى أن القاهرة تدرك أنه ليس من المنطقي تسخير لجنة أممية لصالح فحص حالة مُدان يقضي عقوبته داخل السجن وأن يكون ذلك بعيدا عن مسألة توظيف حقوق الإنسان للضغط السياسي، ما يجعلها أكثر تمسكا بموقفها، في ظل وجود جرائم بشعة بالقرب من حدودها ولم يتم تشكيل لجان لمتابعتها، مع أنها اخترقت كافة المواثيق والقوانين الدولية.

◙ قناعة لدى المصريين بوجود رابط بين الضغط على القاهرة للإفراج عن عبدالفتاح والضغوط الأميركية بشأن تهجير الفلسطينيين

وبدا نصري على قناعة بوجود حبل يربط بين الضغط على القاهرة للإفراج عن أحد الناشطين وبين الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة عليها بشأن قضية تهجير الفلسطينيين، ووصف تحرك اللجنة الأممية بأنه “تحرك بصبغة أميركية،” وأن الحديث عن أن الجنسية البريطانية لعلاء عبدالفتاح سبب رئيسي للضغوط، وهي ليست في محلها، لأنه حصل على الجنسية شرفيا مؤخرا، وهو ما تراه القاهرة تحايلا.

وتمارس والدة الناشط الحقوقي علاء عبدالفتاح الأكاديمية المصرية البريطانية ليلى سويف ضغوطا مماثلة على القاهرة، وبدأت منذ 250 يوما إضرابا عن الطعام بسبب استمرار سجن ابنها، وفق ما أعلنته عائلتها، الخميس، قبل أن يتم نقلها إلى أحد المستشفيات في لندن، وهي تعاني من هبوط حاد لمستوى السكر في الدم.

ويعد موقف القاهرة الحالي سلاحا ذا حدين، لأن الخطاب الموجه للداخل يحمل بعدا إنسانيا يتعلق بالحالة الصحية الحرجة لوالدته، حال لم تكن هناك ردة فعل تشي بوجود اهتمام من جانب الحكومة المصرية، جراء التصعيد المستمر من جانبها السيدة سويف، وقد يتحول إلى رمز معارض يحظى بالمزيد من التأييد والتعاطف الشعبي مع قطاعات جماهيرية لا تولي اهتماما بتفاصيل الموقف السياسي للتعامل مع حالة عبدالفتاح، ويمكن ترسيخ قناعة بأنه تعرض للظلم وفقدت والدته حياتها دفاعا عنه.

وأكد أستاذ العلوم السياسية بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة حسن سلامة أن الدولة المصرية ليس لديها ما يدفعها للرضوخ للضغوط الخارجية، ورغم مواجهتها بعض المشكلات لكن ذلك ليس مبررا للتعاطي مع زيادة مطالب إطلاق سراحه، وفي حال استجابت قد تكون مضطرة للرضوخ مرات عديدة مقبلة، وهو ما يسفر عن تأثير سلبي على صورتها أمام المجتمع الدولي.

وأوضح لـ”العرب” أن الحكومة المصرية أفرجت عن المئات من الناشطين السياسيين الذين بدأوا في الاندماج مرة أخرى في المعارضة والحياة السياسية دون أن يكون لديها موقف متعنت، ما يشير إلى إدراكها أن إطلاق سراح عبدالفتاح يشكل تهديدا أمنيا، وأنها توجه رسائل بصعوبة الضغط عليها، مع تغير الأوضاع التي كانت عليها الدولة قبل 14 عاما عندما واجهت القاهرة ضغوطا للإفراج عن عدد من الحقوقيين المتهمين في قضية التمويل الأجنبي.

ويواجه علاء عبدالفتاح، البالغ من العمر 43 عاما، عقوبة السجن لمدة خمس سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة، تنتهي في يناير 2027، غير أن أسرته طالبت النائب العام المصري باحتساب فترة قضائه الحبس احتياطيا ضمن مدة العقوبة للإفراج عنه وهو الطلب الذي جرى رفضه.

3