قسد تمد جسور التواصل مع تركيا في ظل تحولات السياسة الأميركية

القاشملي (سوريا) - كشف قائد القوات الكردية التي تسيطر على شمال شرق سوريا مظلوم عبدي الجمعة عن اتصالات مباشرة مع تركيا وعن انفتاحه على تحسين العلاقات، بما في ذلك عقد لقاء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وتمثل هذه التصريحات العلنية انفتاحا دبلوماسيا لافتا من جانب عبدي قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي خاضت قتالا عنيفًا ضد القوات التركية ومقاتلي المعارضة السورية المدعومين من أنقرة طوال 14 عاما من الحرب الأهلية.
ويأتي هذا التحول بعد أن اتفقت تركيا وقوات سوريا الديمقراطية في ديسمبر على وقف إطلاق النار بوساطة أميركية، إثر مواجهات اندلعت مع تقدم جماعات المعارضة نحو دمشق وإسقاطها الرئيس السابق بشار الأسد.
وقال عبدي لقناة شمس التلفزيونية في مقابلة تم بثها مساء الجمعة إن الجماعة على اتصال مع تركيا، دون أن يوضح مدة بقاء قنوات الاتصال مفتوحة.
وأضاف أن لديهم علاقات مباشرة وقنوات اتصال مباشرة مع تركيا، وكذلك من خلال وسطاء، معبرا عن أمله في أن يتم تطوير هذه العلاقات.
ولم يصدر بعد أي تعليق من تركيا على تصريحات عبدي.
وتقول تركيا إن وحدات حماية الشعب الكردية التي تقود قوات سوريا الديمقراطية لا يمكن تمييزها عن حزب العمال الكردستاني المتشدد، الذي قرر في وقت سابق من هذا الشهر حل نفسه بعد صراع دام 40 عاما مع الدولة التركية.
وأشار عبدي إلى أن قواته والأتراك خاضوا حروبا طويلة ضد بعضهم بعضا لكن الهدنة المؤقتة أوقفت تلك الاشتباكات خلال الشهرين الماضيين معبرا عن أمله في أن تصبح الهدنة دائمة.
وعندما سُئل عما إذا كان يعتزم مقابلة أردوغان، قال عبدي إنه ليس لديه خطط حالية للقيام بذلك لكنه أوضح أنه لا يعارض، وأنهم ليسوا في حالة حرب مع تركيا ويمكن في المستقبل تطوير العلاقات معها مشيرا إلى أنهم منفتحون على ذلك.
على صعيد آخر، تطرق قائد قوات سوريا الديمقراطية إلى مستقبل قواته ضمن الدولة السورية، مشيرا إلى أن عملية دمج "قسد" في المؤسسة العسكرية السورية، تنفيذا للاتفاق مع حكومة دمشق، قد تستغرق سنوات.
وأكد عبدي أن "الاتفاق يجب أن يكون في إطار سياسي شامل يقر باللامركزية السياسية وحقوق مكونات شمال وشرق سوريا".
وأبدى عبدي انفتاح قواته على الحوار مع دمشق ضمن إطار "اللامركزية السياسية"، مبينا أنهم "يرفضون الحلول السريعة أو الشكلية التي لا تعالج جوهر القضية الكردية"، و"يبحثون عن صيغة تضمن بقاء قواتنا كقوة منظمة ضمن هيكل وطني متفق عليه".
كما شدد على أنه "متمسك بمكتسباتنا ولن نقبل بأي ترتيبات تعيدنا إلى نقطة الصفر".
وكشف عبدي عن تشكيل وفد مشترك يضم ممثلين عن المجلس الوطني الكردي والإدارة الذاتية للتفاوض مع الحكومة السورية، وقال "لا يمكن بناء سوريا جديدة دون الاعتراف بحقوق جميع المكونات، الشعب الكردي عانى من التهميش لعقود ولن نقبل بتكرار ذلك"، مؤكدا اعتزازه بهويته الكردية وإيمانه بأنهم "جزء أساسي من سوريا المستقبل".
وجاءت تصريحات عبدي هذه بعد أيام من اتهام الرئيس التركي لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" بمواصلة "أساليب المماطلة" في تنفيذ اتفاقها مع الحكومة الانتقالية السورية.
وقبل أيام، دعا أردوغان "قسد" إلى التوقف عن ذلك، مؤكدا على "ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وهيكلها الموحد ووحدتها الوطنية"، وأن تركيا تتابع تنفيذ القرارات المتخذة عن كثب.
وقال الرئيس التركي "كنا أعربنا سابقا عن ترحيبنا بالاتفاق الذي تم التوصل إليه، لكننا نرى أن قوات سوريا الديمقراطية لا تزال تواصل أساليب المماطلة، ويتوجب عليها أن تتوقف عن ذلك"، مشددا على أن تركيا تتابع تنفيذ القرارات المتخذة في هذا الصدد عن كثب.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية أبرمت اتفاقا مع الحكومة السورية الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع في مارس 2025. ونص الاتفاق على دمج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية ضمن هيكل الدولة السورية، لكن لم يتم التوصل إلى اتفاق حول كيفية انضمام قوات سوريا الديمقراطية حيث تصر الأخيرة أن يكون الاندماج ككتلة عسكرية واحدة داخل وزارة الدفاع، فيما تتمسك دمشق ومن خلفها أنقرة بأن يكون الاندماج فرادى.
وفي سياق متصل، نفى عبدي الاتهامات الموجهة لقواته بوجود علاقة مع إسرائيل، موضحا أن "التطبيع بين الرئيس السوري أحمد الشرع وإسرائيل كان أحد الشروط الأميركية، ووافق الشرع عليه"، على حد وصفه.
تُلقي تصريحات عبدي بظلالها على المشهد السوري المعقد، مظهرة رغبة حقيقية من جانب قوات سوريا الديمقراطية في التوصل إلى حلول سياسية مع الأطراف المعنية، خاصة تركيا ودمشق. لكن هذه التصريحات تأتي في ظل تحول مهم في الموقف الأميركي، الذي بات أقرب إلى دعم موقف الرئيس السوري أحمد الشرع ضمن مقاربة أشمل تتعلق بسوريا، وهو ما يضع "قسد" في موقف لا يسمح لها بأي شكل من أشكال التهرب من تنفيذ الاتفاق مع دمشق.
ويشكل إعلان عبدي عن اتصالات مباشرة مع تركيا وعن انفتاحه على تحسين العلاقات، وحتى إمكانية لقاء أردوغان، تطورا لافتا للغاية، فمع تحول الدعم الأميركي نحو مقاربة أوسع تتعلق بسوريا، وربما تقارب أكبر مع دمشق، قد تشعر "قسد" بضرورة البحث عن بدائل أو على الأقل تخفيف حدة التوتر مع أعدائها التقليديين.
ويُعتقد أن التقارب مع تركيا يمكن أن يقلل من الضغوط العسكرية التركية ويُجنب "قسد" مواجهات متعددة الجبهات، خاصة إذا كانت الولايات المتحدة فعلا تُعدّل استراتيجيتها بما يتماشى مع موقف دمشق، مما قد يجعل "قسد" معزولة دوليا.
ويُشكل تأكيد عبدي على الحوار مع دمشق ورغبته في دمج "قسد" ضمن المؤسسة العسكرية السورية، لكن مع التركيز على "اللامركزية السياسية" وحماية مكتسبات الكرد، إدراكاً لواقع جديد، فمع الدعم الأميركي المتزايد لموقف دمشق، لم يعد أمام "قسد" خيار كبير سوى الالتزام بالاتفاق المبرم في مارس.
ويرى مراقبون أن تصريحات عبدي قد تكون محاولة للتحكم في شروط هذا الاندماج بدلا من الإذعان الكامل، وهي تعكس سعيا لتأمين مستقبل الكرد في سوريا ضمن إطار الدولة، بدلا من التهميش الذي عانوا منه سابقاً. ومع ذلك، تبقى النقطة الخلافية الجوهرية حول "الاندماج ككتلة عسكرية واحدة" مقابل "الاندماج فرادى" تحديًا كبيرًا، يزداد الضغط على "قسد" لقبول شروط دمشق في ظل الموقف الأميركي الجديد.
ويمثل تحول الموقف الأميركي نحو دعم الشرع نقطة تحول حاسمة، فهذا التغيير يُشير إلى أن الأولويات قد تبدلت بالنسبة لواشنطن، التي ربما ترى أن استقرار سوريا تحت قيادة دمشق هو الحل الأمثل في المرحلة الحالية، حتى لو كان ذلك على حساب طموحات "قسد" في الحكم الذاتي الواسع.
وهذا التوجه قد يكون جزءا من استراتيجية أميركية أوسع لتقليل وجودها العسكري في المنطقة أو إعادة تموضع قواتها، مما يمنح دمشق ومن خلفها أنقرة قوة تفاوضية أكبر في مفاوضاتها مع "قسد".