الأموال والممتلكات حلقة جديدة من مسلسل الأزمة بين الجزائر وفرنسا

باريس تستهدف شخصيات جزائرية لمضاعفة الضغط على تبون.
السبت 2025/05/31
سجال سياسي ودبلوماسي مستمر

يبدو أن الأزمة الفرنسية – الجزائرية تتجه إلى المزيد من التصعيد وفرض عقوبات مالية على شخصيات رفيعة المستوى لتعزيز موقفها الدبلوماسي، حيث أشارت وسائل إعلام فرنسية إلى توجه باريس نحو تجميد أصول 20 شخصية من النظام الجزائري، تملك عقارات في فرنسا.

الجزائر - رفعت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية سقف التحدي أمام السلطات الفرنسية، لتنفيذ التهديدات المسربة إلى صحيفة “ليكسبريس”، حول وضع الحكومة الفرنسية ممتلكات وأموال عشرين شخصية رسمية في النظام السياسي الجزائري تحت طائلة التجميد، كخطوة أولى تستهدف 800 شخصية ممن باتت تصفهم باريس بأعيان النظام، الأمر الذي يشي بأن مسلسل الأزمة ماض إلى حلقة جديدة قوامها كسر العظم بين الطرفين.

وخاطبت برقية لوكالة الأنباء الجزائرية السلطات الفرنسية بالقول “لهؤلاء تفضلوا ونفذوا ما تتحدثون عنه،” في تحد عن عدم قدرة الفرنسيين على المضي في تنفيذ تهديدات كشفت عنها صحيفة “ليكسبريس”، وتفيد بدراسة الحكومة خطوة تتضمن تجميد ممتلكات وأموال تحوزها 20 شخصية جزائرية في فرنسا.

وحسب تقرير الصحيفة الفرنسية، فإن الشخصيات المعنية مقربة من الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، وهي جزء من مجموع يفوق 800 شخصية تمتلك عقارات وحسابات وممتلكات، وتنتمي حسب توصيفها إلى “أعيان النظام”، في إشارة إلى قربها من السلطة.

ويبدو أن السلطات الفرنسية بصدد الانتقال إلى حلقة جديدة من مسلسل الصراع مع الجزائر، بالتلويح بورقة الممتلكات التي يحوزها في الغالب نافذون في السلطة، للضغط على الرئيس تبون وتعميق الشرخ والثقة المهزوزة بين هرم السلطة والشارع في الجزائر، لعلمها بدور المزايا في توسيع الهوة بين الطرفين، وحتى تأجيج الغضب الشعبي داخل البلاد وخارجها.

وقالت برقية الوكالة الرسمية “جاء الدور على صحيفة ليكسبريس لتنقل عن مصادرها أن السلطات الفرنسية قد تكون بصدد التحضير لقرار يقضي بتجميد أصول مسؤولين جزائريين ردا على رفض الجزائر استقبال رعاياها الصادرة بحقهم أوامر بمغادرة الأراضي الفرنسية، وأن العمل جار على تجميد ممتلكات مسؤولين جزائريين في فرنسا من خلال منعهم من الوصول إلى عقاراتهم أو ممتلكاتهم الأخرى.”

وكانت الصحيفة الفرنسية قد كشفت في تقرير أن “وزارتي الاقتصاد والداخلية الفرنسيتين تدرسان فرض عقوبات مالية على مجموعة من المسؤولين الجزائريين الذين لديهم ممتلكات في فرنسا. وقد تُفعَّل هذه الخطوة في حال حدوث تصعيد جديد بين البلدين.”

وأكدت على أنه تم “إعداد قائمة تضم حوالي عشرين شخصية بارزة، جميعها تشغل مناصب عليا في الإدارة والأمن والسياسة في الجزائر، وتمتلك في الوقت نفسه عقارات أو مصالح مالية في فرنسا، وأن الجانب الفرنسي يُقدّر أن هناك 801 من أعضاء النخبة الجزائرية لديهم مصالح مالية في فرنسا ويزورونها بانتظام، من دون احتساب العسكريين.”

وكان الدبلوماسي والسفير الفرنسي السابق بالجزائر كزافييه دريانكور قد كشف لوسائل إعلام فرنسية أن “الرئيس السابق لمجلس الأمة الجزائري صالح قوجيل، وهو المنصب الذي يمثل الرجل الثاني في الدستور الجزائري، يملك شقة في باريس، ولا ندري كيف دفع حقوقها، باعتبار الدينار الجزائري عملة غير قابلة للتحويل.”

◙ السلطات الفرنسية تنتقل إلى حلقة جديدة من الصراع مع الجزائر، ملوّحة بورقة ممتلكات شخصيات نافذة في السلطة

وعادت ليكسبريس الفرنسية إلى قرار تعليق العمل باتفاقية العام 2007 بين البلدين، والقاضية بحرية تنقل الأشخاص الحاملين جواز سفر دبلوماسي داخل فرنسا وفضاء شينغن، حيث تم فرض التأشيرة مجددا على الفئة المذكورة، وذلك للتأكيد على جدية الخطوات الفرنسية من أجل الضغط على الجزائر، والرد على الخطوات المتخذة من طرفها، لاسيما طرد دبلوماسيين وموظفين قنصليين على دفعتين.

ويستند القرار الفرنسي الواقع ضمن صلاحيات وزيري الاقتصاد والداخلية إلى أحقيتهما في تجميد أصول أشخاص يرتكبون “أعمال تدخّل”، لكن صيغته لم تتعد حدود التهديد والضغط على الجزائر إذا أقدمت على اتخاذ إجراءات عدائية جديدة، حسب المصدر الحكومي الذي سرب المعلومات للصحيفة، والذي توقع أن يكون على غرار ما حصل مع الأوليغارشيين الروس، مع فارق أن تجميد أصول الروس في فرنسا يخضع لأنظمة الاتحاد الأوروبي منذ عام 2014، بينما لا يوجد شيء مماثل في حالة الجزائر، وأنه منذ العام 2006 ينص القانون الفرنسي على أن وزير الاقتصاد ووزير الداخلية يمكنهما، عبر مرسوم مشترك، تجميد أصول أشخاص مرتبطين بتنظيم إرهابي. لكن من المشكوك فيه جدا أن يُستخدم مفهوم الإرهاب في حالة الجزائر، ولذلك من المحتمل أن يكون الأمر مرتبطا بالمصالح الأساسية للأمة.

وأشار المحامي ورجل القانون رونو دو لاغل إلى أن “لوزيري الاقتصاد والداخلية الحق في تجميد أصول أشخاص يرتكبون أعمال تدخل، وهو مصطلح عرّفته المادة القانونية بأنه أي فعل يُرتكب بشكل مباشر أو غير مباشر بطلب، أو لحساب قوة أجنبية، ويهدف أو يؤدي إلى الإضرار بالمصالح الأساسية للأمة.”

أما برقية الوكالة الجزائرية الرسمية فقد أكدت على أن “الذين يقفون حقيقةً وراء هذه التهديدات، التي لا يمكن أن تثير من جانب الجزائر سوى الازدراء واللامبالاة، فعليهم أن يدركوا الحقيقة: حقيقة أنهم لا يخاطبون الجزائر الحقيقية، بل جزائر أخرى لا توجد إلا في مخيلتهم، أي تلك الجزائر التي لا يستطيعون وصفها إلا بمصطلحات مثل ‘النظام’، ‘السلطة’، ‘كبار النافذين’، أو ‘النخبة الحاكمة’. فهذه الجزائر لا وجود لها إلا في أوهامهم وتصوراتهم الجنونية.”

وأضافت “أما الجزائر الحقّة، وليس الجزائر التي تُغذي خيالاتهم، فهي مختلفة تمام الاختلاف: هي الجزائر التي طلبت من فرنسا تفعيل آليات التعاون القضائي في إطار قضايا الممتلكات المكتسبة بطرق غير مشروعة، دون أن تلقى أي استجابة تذكر. وهي الجزائر التي وجهت إلى العدالة الفرنسية إحدى وخمسين إنابة قضائية دولية، لم تحظ بأي رد يذكر. وهي الجزائر التي طلبت كذلك من فرنسا تسليم العديد من الأشخاص المُدانين بالفساد وسرقة وتبديد ونهب الأموال العامة، دون أن تجد أي تجاوب يذكر.”

ويعد ذلك إشارة لبعض الشخصيات الفارة والمطلوبة من طرف القضاء الجزائري، بسبب الفساد وتبديد وتهريب المال العام، كما هو شأن وزير الصناعة السابق عبدالسلام بوشوارب، الذي رفضت فرنسا مؤخرا تسليمه للجزائر، بدعوى غياب شروط المحاكمة العادلة والطابع السياسي للملف.

4