المهرجان الدولي للعود بتطوان يجمع الثقافات على أوتار التراث

العود آلة موسيقية أصيلة في الثقافة العربية من المحيط إلى الخليج، ولكنها تحضر أيضا في ثقافات أخرى ولو بأشكال مختلفة، ما يجعل من هذه الآلة التي رافقت البشر لعشرات القرون مساحة تتلاقى فيها الشعوب بحضاراتها وثقافاتها، ومن هنا جاء اهتمام المغرب بهذه الآلة ليخصص لها مهرجانا دوليا في تطوان، منذ ربع قرن، وها هو المهرجان يعقد دورته السادسة والعشرين.
تطوان (المغرب) - انطلقت مساء الخميس بمسرح إسبانيول في تطوان فعاليات الدورة السادسة والعشرين من المهرجان الدولي للعود بتطوان، بتكريم ثلة من العازفين وتسليم جائزة الزرياب للمهارات.
وتنظم دورة هذه السنة في سياق خاص يتميز بتجاوز المهرجان ربع قرن على إحداثه، وكذلك في سياق إعلان مدينة تطوان عاصمة للثقافة والحوار بحوض البحر الأبيض المتوسط لسنة 2026، حيث تعرف هذه السنة تعدد خشبات العروض الفنية؛ من خلال الانفتاح على فضاءات جديدة، ونقلا لفعاليات المهرجان على شاشة ضخمة بساحة مولاي المهدي.
حاضنة فنية
يعرف المهرجان الدولي للعود بتطوان في دورته الحالية تنويعا في العروض وفي المشاركات وفي التجارب الموسيقية، بمشاركة واسعة من أستراليا ومصر والبحرين والصين والسودان وتركيا وإسبانيا وسوريا والمغرب، تلتقي لخلق فسحة جمالية وتبليغ رسالة إنسانية سامية تسعى للارتقاء بالأذواق، والتعبير عن مغرب منفتح على كل الثقافات والحضارات.
وقد شهد حفل افتتاح المهرجان تكريم كل من الفنان العالمي إبن مدينة تطوان طارق بانزي، والمايسترو صلاح المرسلي الشرقاوي، والفنان عازف العود العربي أكريم، تقديرا لعطاءاتهم الفنية والإبداعية المتميزة، ومساهماتهم في إغناء الخزانة الموسيقية المغربية، ولحفظهم التراث الموسيقي المغربي والرقي به إلى أعلى المراتب.
كما عرف الحفل تسليم جائزة الزرياب للمهارات لسنة 2025 التي يقدمها المجلس الوطني للموسيقى، العضو بالمجلس العالمي للموسيقى -اليونسكو- بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، للفنان المغربي عبدالحق تكروين الذي قدم عرضا موسيقيا في ختام حفل الافتتاح.
وتميز حفل افتتاح المهرجان، الذي تنظمه وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بشراكة مع عمالة إقليم تطوان والمجلس الإقليمي لتطوان وجماعة تطوان، بتقديم عرض فني “العود والعود” للثنائي صونج زين وكوان هولين من جمهورية الصين الشعبية.
وأبرزت كلمة وزارة الشباب والثقافة والتواصل التي ألقاها المندوب الإقليمي للثقافة العربي المصباحي أنه بعد ربع قرن من التوهج الفني الراقي للمهرجان الأقدم من نوعه على صعيد العالمين العربي والإسلامي، أضحى موعدا سنويا ثابتا في الأجندة الفنية للوزارة ولمدينة تطوان الحاضنة الحضارية لقيم الإبداع الفني الراقي.
وأضاف أن الدورة الحالية تحل بلبوس جديد ورؤية واضحة تنسجم مع إستراتيجية الوزارة لحماية التراث المغربي وصيانته وترسيخ حضوره المتوهج قاريا ودوليا، وهو ما يتجسد في التركيز على تثمين آلة العود بصيغتها المغربية، وترسيخ حضورها وسط المدارس العالمية، مثلما يتجسد هذا الطموح في تعداد فضاءات هذه الدورة وانفتاحها على المدينة العتيقة، سعيا إلى تثمين الموروث الثقافي للمدينة العتيقة.
مشاركة دولية
تحمل الدورة الجديدة من المهرجان شعار “إشراقات التسامح”، وتركز على التراث الموسيقي المغربي – الايبيري بثقافاته الثلاث، مع الانفتاح على الإرث الموسيقي الخليجي والقبطي وحضور لافت للمدرسة الصينية العريقة، دون إغفال الطرب الشرقي الأصيل.
ومن ناحيته قال مدير الفنون بوزارة الشباب والثقافة والتواصل هشام عبقاري في تصريح له إنه “يمكن اعتبار هذه الدورة دورة التأكيد على استمرارية المهرجانات بالمملكة المغربية بشكل عام، ولكن بشكل أساسي بمدينة تطوان، التي تعرف تنظيم مجموعة من المهرجانات والفعاليات الثقافية الوازنة،” مضيفا أن المهرجان محطة فنية وموسيقية راقية، ولحظة احتفائية وتكريمية للقامات والكفاءات الموسيقية المغربية.
وتتواصل فقرات هذه الفعالية الفنية بإقامة حفلات موسيقية رئيسية على مسرح إسبانيول، والانفتاح على فضاءات جديدة، فيها يلتقي فنانون من مختلف أنحاء العالم لخلق مساحة جمالية فيها تتلاقى الحضارات والثقافات والأذواق الموسيقية، ما يجعل من الموسيقى ومن آلة العود تحديدا أداة لتوحيد الشعوب.
كما يعرف المهرجان، الممتد إلى غاية 31 مايو الجاري، تنظيم ماستر كلاس حول العود الصيني الشهير باسم “Pipa” وآلة العود بصيغتها المغربية – الأندلسية، بالإضافة إلى معزوفات شعرية تنظم بتنسيق مع دار الشعر بتطوان في فضاء دار الغزواني التقليدية، إلى جانب لقاءات مع نجوم الدورة بدار العدي في المدينة العتيقة؛ بما يعكس أصالة الحمامة البيضاء ويثمن حضورها كمركز للإشعاع الحضاري وحاضرة للتعايش وملاذ للإبداع بلسان تمغربيت.
ويسعى هذا الحدث الفني والثقافي إلى مد الجسور بين الأصالة والمعاصرة في المجال الفني والإيقاعي، وكذلك الانفتاح على التجارب الإنسانية والحضارية في مجال الموسيقى، وتقريب هذا الفن الأصيل والمعتمد على آلة العود أساسا إلى جمهوره وعشاقه، كما أنه يسعى إلى فتح المجال أمام الشباب للانفتاح على فنون العود، وتذوقها على اختلاف أصنافها ومدارسها الفنية.