استثمارات أجنبية بمليارات الدولارات تعيد الأمل لقطاع الكهرباء السوري

الدوحة – أعلنت شركة أورباكون القابضة القطرية، في بيان صدر اليوم الخميس، عن توقيع مذكرة تفاهم مع الحكومة السورية لتحالف تقوده الشركة، يهدف إلى تنفيذ سلسلة من مشروعات الطاقة الكبرى في سوريا، بإجمالي استثمارات أجنبية تقترب من سبعة مليارات دولار.
وتتضمن مذكرة التفاهم إنشاء أربع محطات لتوليد الكهرباء بالغاز الطبيعي تعمل بنظام الدورة المركبة، بطاقة إجمالية تبلغ 4000 ميغاوات، إضافة إلى محطة للطاقة الشمسية بقدرة 1000 ميغاوات في جنوب البلاد، في خطوة تُعد من أضخم المشروعات الاستثمارية التي تُخطط سوريا لاستقبالها منذ اندلاع الأزمة في عام 2011.
ويأتي هذا المشروع الطموح في وقت يشهد فيه قطاع الكهرباء السوري تراجعًا حادًا، نتيجة الحرب التي دمرت جزءًا كبيرًا من البنية التحتية الحيوية في البلاد، بما في ذلك شبكات النقل ومحطات التوليد. وتشير التقديرات إلى أن إنتاج الكهرباء في سوريا لا يتجاوز حاليًا 1.6 جيغاوات يوميًا، مقارنة بـ9.5 جيغاوات قبل عام 2011، ما أدى إلى انقطاعات متكررة في التيار الكهربائي أثرت على جميع مناحي الحياة اليومية.
ووفقًا للبيان، فإن أعمال البناء من المتوقع أن تبدأ فور الانتهاء من الاتفاقات النهائية مع الحكومة السورية، والتوصل إلى تفاهمات بشأن الجوانب التمويلية. ويُنتظر أن تُنجز محطات الغاز خلال ثلاث سنوات من بدء التنفيذ، بينما يُتوقع الانتهاء من محطة الطاقة الشمسية في غضون أقل من عامين.
ويعتقد أن توقيع مذكرة التفاهم مع تحالف دولي تقوده شركة قطرية يمثل تحوّلًا نوعيًا في المشهد الاقتصادي السوري، ويشير إلى بداية خروج البلاد من عزلتها الطويلة التي فرضتها العقوبات الغربية، وعلى رأسها العقوبات الأميركية. إذ أن استقطاب استثمارات أجنبية بهذا الحجم لا يمكن أن يتم دون إشارات واضحة من المجتمع الدولي، ولا سيما من واشنطن، نحو تخفيف القيود الاقتصادية المفروضة على دمشق.
ويمثل قطاع الطاقة أحد الأعمدة الأساسية لأي عملية إعادة إعمار حقيقية في سوريا، حيث يتطلب تعافي الصناعة والتجارة والنقل بنية تحتية كهربائية قوية ومستقرة. ويعاني السوريون منذ سنوات من انقطاعات كهربائية طويلة، دفعت الكثير من الأسر للاعتماد على مولدات خاصة أو مصادر بديلة مكلفة.
ومن المتوقع أن تلعب مشاريع الكهرباء المعلنة دورًا محوريًا في تخفيف معاناة السكان، فضلًا عن تحفيز النشاط الاقتصادي في مختلف القطاعات، بدءًا من الزراعة وحتى الصناعة والخدمات.
ويأتي هذا الإعلان في وقت حساس يشهد فيه الشرق الأوسط تحولات جيوسياسية عميقة، تتجه فيها بعض الدول العربية، ومنها قطر، نحو تطبيع تدريجي للعلاقات مع سوريا، في إطار جهود إقليمية لإعادة دمجها ضمن المنظومة العربية. ويُنظر إلى هذا المشروع بوصفه جزءًا من هذه الجهود، حيث يشير إلى عودة تدريجية لرأس المال العربي إلى سوريا.
من جانبها، لم تُفصح أورباكون القابضة عن تفاصيل التحالف الذي تقوده، ولا عن هوية باقي الشركات المشاركة، لكن مصادر مقربة من المفاوضات تحدثت عن "تحالف متعدد الجنسيات" يضم شركات أوروبية وآسيوية ذات خبرة واسعة في مشاريع الطاقة والبنية التحتية.
ورغم الأهمية الاستراتيجية لهذا المشروع، فإن التحديات التي تواجه تنفيذه ليست قليلة. فمن ناحية، لا تزال البنية التحتية للنقل والطاقة في سوريا بحاجة إلى تأهيل شامل، ومن ناحية أخرى، فإن البيئة القانونية والتنظيمية للاستثمار لا تزال غير مستقرة في ظل غياب إصلاحات حقيقية في منظومة الحكم.
كما يُخشى من تأثير التجاذبات السياسية الإقليمية والدولية على مسار التنفيذ، خصوصًا في عدم وضوح الموقف النهائي للمجتمع الدولي من انخراط القطاع الخاص في إعادة إعمار سوريا.
ومع ذلك، يعتقد أن توقيع هذه المذكرة يشكل إشارة واضحة إلى إمكانية دخول سوريا في مرحلة جديدة من الانفتاح الاقتصادي، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والدعم الدولي الكافي. ويؤكد هؤلاء أن مشاريع الطاقة الكبرى ليست فقط ضرورة اقتصادية، بل أيضًا رسالة سياسية بأن سوريا مستعدة لاستقبال الاستثمارات وإعادة بناء اقتصادها على أسس جديدة.