اقتحام مسلحين مؤسسة النفط يدفع حكومة شرق ليبيا للتلويح بـ"القوة القاهرة"

رغم محاولات مؤسسة النفط التخفيف من الاعتداءات، إلا أنها تشير لتصاعد سعي الميليشيات لفرض السيطرة، ما يُنذر بتعطيل الإنتاج، وتهديد استقرار البلاد.
الخميس 2025/05/29
شهادات من الميدان ونفي رسمي متضارب

بنغازي – يُواجه قطاع النفط الليبي الحيوي تهديدا جديدا قد يعطل الإنتاج ويُفاقم الأزمة السياسية في البلاد، بعد إعلان الحكومة المتمركزة في شرق ليبيا، والمكلفة من البرلمان، أنها قد تُجبر على إعلان حالة القوة القاهرة على حقول وموانئ النفط، داعية مكتب النائب العام بفتح تحقيق موسع في واقعة الاعتداء على مقر المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة طرابلس، وملاحقة وضبط المعتدين.  

ويأتي هذا التحذير عقب "اعتداءات متكررة" على المؤسسة الوطنية للنفط وشركاتها التابعة، في تصعيد خطير يعكس التوترات المستمرة بين الفصائل المتناحرة في ليبيا.

ولا تحظى الحكومة في بنغازي المكلفة من البرلمان باعتراف دولي، لكن معظم حقول النفط في البلد المنتج الكبير للنفط تخضع لسيطرة الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.

وأعربت الحكومة التي يرأسها أسامة حماد في بيان نشرته عبر صفحتها على فيسبوك عن إدانتها الشديدة لما وصفته بـ"الاعتداء على مكتب رئيس مجلس إدارة المؤسسة وتهديد وترهيب موظفيها باستعمال السلاح".

وأكدت أن "مثل هذه الاعتداءات المتكررة على مؤسسات الدولة، خاصة المؤسسات النفطية من قبل المجموعات المسلحة المدعومة من الحكومة منتهية الولاية، تشكل خطرا كبيرا على قطاع النفط، وعلى أموال وقوت الليبيين بشكل عام، وتقوض جميع فرص توحيد المؤسسات العامة خاصة السيادية منها".

وزادت الحكومة على ذلك بالإشارة إلى أن "المجموعات المسلحة أجبرت المؤسسة على إصدار بيان ينفي حصول الواقعة، والتي حصلت على مرأى ومسمع الكثيرين من الموظفين".

وقد لاحظت الحكومة ما وصفته بـ"السكوت المتعمد" من البعثة الأممية والمبعوث الأميركي، داعيةً إياهم إلى "تحمل المسؤوليات تجاه ما ستؤول إليه الأوضاع من تهديدات مباشرة لقطاع النفط في ليبيا". وفي مواجهة هذه "الاعتداءات المتكررة".

وأوضحت حكومة حماد أنها قد تضطر "لاتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير الاحترازية، ومن بينها إعلان حالة القوة القاهرة على الحقول والموانئ النفطية، أو اتخاذ قرارها بنقل مقر المؤسسة الوطنية للنفط موقتًا لإحدى المدن الآمنة مثل مدينة راس لانوف أو البريقة (الخاضعتين لسيطرتها) أو غيرها من المدن".

ويقع مقر المؤسسة الوطنية للنفط حاليا في طرابلس تحت سيطرة حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها.

في سياق متصل، أفاد مصدر بالمؤسسة الوطنية للنفط لموقع "بوابة الوسط" المحلية في وقت سابق الأربعاء بأن مجموعة مسلحة اقتحمت مبنى المؤسسة في طرابلس وسيطرت على أجزاء منه.

وأوضح المصدر أن المسلحين، الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "وحدة السيطرة"، تمركزوا في الطابق الخامس من المبنى الرئيسي، مما أدى إلى حالة من الهلع والارتباك بين الموظفين الذين غادر عدد كبير منهم مكاتبهم وسط مخاوف من تطورات أمنية محتملة.

ولفت إلى أن المسلحين وصلوا على متن سيارات تحمل شعار "مجلس الوزراء – إدارة المهام الخاصة"، وطوقوا محيط المبنى بالكامل.

وبعد نحو ساعة من هذه الأنباء، أصدرت المؤسسة الوطنية للنفط بيانا نفت فيه اقتحام مقرها ووصفت الأمر بأنه "عار تماما عن الصحة"، ومؤكدة "استمرارها في أداء مهامها بشكل طبيعي".

 وأوضح البيان أن "ما جرى لا يتعدى كونه خلافا شخصيا محدودا وقع في منطقة الاستقبال... وتمت معالجته على الفور من قبل عناصر الأمن الإداري دون أي تأثير على سير العمل داخل المؤسسة".

ونشر المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها لقطات فيديو من داخل مقر المؤسسة تظهر "استقرار الأوضاع وعدم وجود أي مؤشرات على وقوع اقتحام أو اضطرابات أمنية".

ولطالما كان النفط أداة سياسية محورية في ليبيا، يرجح كفة موازين القوى، ويرى مراقبون أن إعلان "القوة القاهرة" على حقول وموانئ النفط، إذا ما حدث، سيكون خطوة جريئة ذات تداعيات بعيدة المدى.

وهذه الخطوة قد تقطع شريان التمويل عن الميليشيات التي تعتمد على عائدات النفط، وتجبر المجتمع الدولي على التدخل المباشر في المفاوضات، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي من الأوضاع المتردية في طرابلس.

في هذا السياق، يبدو أن الميليشيات تسعى جاهدة لإعادة رسم خارطة السيطرة داخل العاصمة، وفرض نفوذها بعد الاشتباكات الأخيرة، وتتجلى هذه المحاولات في ابتزاز الجهات التنفيذية، وفي مقدمتها المؤسسة الوطنية للنفط.

وعلى الرغم من محاولة المؤسسة التقليل من شأن الحادث الأمني الأخير ووصفه بأنه "خلاف شخصي"، فإن هذا التبرير لا يلغي حقيقة وجود خرق أمني خطير، ويُعد اعترافا ضمنيا بمحاولة أحد الأطراف المسلحة فرض سيطرته.

تأتي هذه التطورات في ظل أجواء متوترة تشهدها طرابلس منذ 12 مايو الجاري، عقب مقتل قائد ما كان يُسمى "جهاز دعم الاستقرار"، عبدالغني الككلي، المعروف باسم "غنيوة".

وقد شهدت العاصمة بعد مقتله توترات أمنية واشتباكات، ثم خرجت تظاهرات تطالب بسقوط حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها برئاسة عبدالحميد الدبيبة، متهمين إياه بالوقوف وراء "إشعال الفوضى وتدهور الأوضاع في البلاد".

وتعطل إنتاج النفط الليبي مرارا خلال أكثر من عشر سنوات من الفوضى بدأت في 2014 عندما انقسمت البلاد بين سلطتين متناحرتين في الشرق والغرب بعد فترة من انتفاضة دعمها حلف شمال الأطلسي أطاحت بالزعيم الراحل معمر القذافي من حكم البلاد في 2011.

وفي أغسطس، فقدت ليبيا أكثر من نصف إنتاجها النفطي، وهو ما يعادل نحو 700 ألف برميل يوميا، وتوقفت الصادرات في عدة موانئ، إذ هددت المواجهة بين الفصائل السياسية المتناحرة بشأن البنك المركزي بإنهاء سلام نسبي دام لنحو أربعة أعوام.

واستمرت عمليات توقف الإنتاج لأكثر من شهر، واستؤنف الإنتاج تدريجيا بدءا من أوائل أكتوبر.

وأشارت المؤسسة إلى أن إنتاج ليبيا من النفط بلغ 1.3 مليون برميل يوميا في آخر 24 ساعة.