تطوير البنوك موضع تركيز عراقي لمكافحة الجرائم المالية

يولي العراق اهتماما متزايدا لتطوير قطاعه المصرفي، باعتباره أحد مفاتيح ضبط التدفقات النقدية والتصدي للجرائم المالية وتعزيز الشفافية. ومع تصاعد الضغوط لإصلاح البنية المالية، بدأت السلطات بتكثيف جهودها لتحديث أنظمة الرقابة، وتبني المعايير الدولية في الحوكمة المصرفية.
بغداد - تعمل الحكومة العراقية على تطوير آليات عمل القطاع المصرفي لمكافحة جرائم غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وفق المعايير الدولية، وهو أمر لطالما كان البلد متأخرا في تطبيقه بسبب الارتباك السياسي في إدارة شؤون الدولة.
ويأتي هذا التوجه في ظل الحاجة الملحة لإعادة الثقة بالبنوك، وتحسين البيئة الاستثمارية، وتأكيد التزام البلاد بالتصدي للفساد المالي الذي طالما أعاق مسارات التنمية والإصلاح الاقتصادي، كما أنه أحد أبرز مطالب الشركاء التجاريين والمؤسسات المانحة.
ويشكل تطوير القطاع أحد المحاور الأساسية في الإستراتيجية الاقتصادية العراقية لمكافحة الجرائم المالية، في ظل تحديات متراكمة ترتبط بضعف الرقابة، وانخفاض كفاءة الأنظمة المصرفية، وسوء استخدام الأدوات المالية عبر قنوات غير رسمية.
وتواجه الحكومة ضغوطًا داخلية وخارجية متزايدة لاتخاذ إجراءات حازمة تحدّ من عمليات غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، والتي وجدت بيئة خصبة في العقود الماضية نتيجة هشاشة البنية المالية وتداخل المصالح بين أطراف رسمية وغير رسمية.
وبدأت السلطات النقدية، ممثلة بالبنك المركزي، تتبنى سياسات أكثر صرامة لإعادة هيكلة الجهاز المصرفي، من خلال تحديث البنى التحتية الرقمية للبنوك، وتعزيز الامتثال للمعايير الدولية المتعلقة بمكافحة غسيل الأموال وتمويل الأنشطة غير المشروعة.
كما يجري العمل على إدخال تقنيات تتبع حركة الأموال وتعزيز الإفصاح المالي، بما يساهم في تقليص الفجوة بين السوق الرسمية والسوق الموازية، وتقييد استخدام النقد خارج الأطر المصرفية.
وإضافة إلى ذلك تركز الدولة النفطية على تعزيز رقابة المؤسسات المصرفية الخاصة والعامة على حد السواء، وفرض متطلبات الشفافية وإفصاح أعلى، وهو ما يُعد خطوة جوهرية نحو إدخال العراق في النظام المالي العالمي بطريقة أكثر اندماجًا وثقة.
وقال محافظ المركزي علي العلاق أثناء افتتاح فعاليات مؤتمر مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب بنسخته الثانية الأربعاء في بغداد “نحن بحاجة إلى تعاون دولي فاعل مع الشركاء الدوليين لتطبيق المعايير الدولية” في هذا الخصوص.
ويناقش المؤتمر على مدى يومين بحوثا ودراسات في مجالات التحديات والصعوبات التي تواجه البنوك العراقية لفتح حسابات مع بنوك المراسلة الأميركية.
ومن بين النقاشات تعزيز التعاون والشراكات مع المؤسسات الدولية والإقليمية لبناء منظومة مصرفية عربية متكاملة ومتوافقة مع التكنولوجيا المالية والذكاء الاصطناعي من أجل دعم منظومات الامتثال لمواجهة الجرائم المالية.
وأوضح العلاق، خلال كلمته في المؤتمر تحت شعار “تحديات المصارف العربية في الامتثال للقوانين والتشريعات الدولية وسبل تلبية متطلبات البنوك المراسلة”، أن العراق حقق منجزات مهمة لحماية المؤسسات المالية والبنوك من مخاطر الأعمال غير المشروعة.
وأشار إلى أن ذلك تم “عبر تعزيز أرصدة فروع البنوك المحلية بالخارج وتدقيق الحوالات وفتح قنوات متعددة وحسابات عبر بنوك مراسلة وبعملات مختلفة بالتعاون مع مؤسسات مالية متخصصة.”
وأكد أن بغداد استخدمت نظام البيع النقدي للعملات الأجنبية بهدف وصولها إلى الزبائن، كما أن الحكومة تعمل حاليا على ربط البنك المركزي مع هيئة الجمارك لإحكام السيطرة على التعاملات المالية الخارجية من أجل الامتثال للمتطلبات الدولية.
وأضاف “نعمل على تخفيف منابع الجرائم المالية ومعرفة حركة الأموال وتطوير الأنظمة الرقمية وتتبع المعاملات المالية وإعادة بناء المصارف العراقية الحكومية والأهلية وإعادة ترخيصها وتنويع نشاطها وإخضاعها إلى بناء وفق أسس دولية شفافة.”
وفي الأسبوع الماضي أعلن المركزي أنه وضع إجراءات وقائية للحد من غسيل الأموال في قطاعات، بما في ذلك العقارات والذهب في سياق جهود سد منافذ التعاملات المشبوهة التي شوهت الاقتصاد والنظام المالي للبلاد طيلة سنوات طويلة.
ويشترط صندوق النقد الدولي ومؤسسات مالية أخرى على العراق تنفيذ إصلاحات مصرفية جذرية مقابل دعم مالي أو تقني، بما يعكس الإدراك الدولي لأهمية القطاع المصرفي كخط دفاع أول ضد الفساد المالي والاقتصادي.
ورغم أن الطريق نحو نظام مصرفي فعال ما زال طويلاً، لكن المؤشرات الأولية لجهود الإصلاح بدأت تظهر من خلال إغلاق بعض القنوات المشبوهة، وتقييد حركة التحويلات المالية غير المراقبة، ووضع أسس أقوى لفحص هوية المتعاملين وتعقب مصادر الأموال.
ومع ذلك فإن التحدي الأكبر لا يزال متمثلاً في مقاومة شبكات النفوذ التي تسعى للحفاظ على الوضع القائم، ما يتطلب إرادة سياسية حازمة، ودعما تشريعيا وتنفيذيا متماسكا.
140
هو ترتيب العراق في مؤشر مدركات الفساد التابع لمنظمة الشفافية الدولية لسنة 2024
ولا توجد إحصائيات دقيقة عن حجم الفساد والجرائم المالية في العراق، لكن تقارير دولية تشير إلى أنه بمليارات الدولارات. فمثلا كانت خسائر الفساد بين عامي 2006 و2014 أكثر 360 مليار دولار.
وتقدم البلد بثلاث نقاط و14 مركزا في أحدث تقارير منظمة الشفافية الدولية لمدركات الفساد ليصبح في المرتبة 140 عالميا، فيما احتل المرتبة الثامنة ضمن قائمة الدول العربية الأكثر فسادا للعام 2024 من أصل 180 مدرجة في التصنيف.
ومنذ عام 2018 تمكن العراق من الخروج من قائمة مجموعة العمل المالي (فاتف) للدول الخاضعة للرقابة، كما رُفع اسمه من قائمة الاتحاد الأوروبي للدول عالية المخاطر في 2021.
وأكد رئيس رابطة المصارف الخاصة وديع الحنظل خلال المؤتمر أن القطاع المصرفي يشهد تحولات كبيرة بقيادة البنك المركزي ضمن خطة إصلاحية شاملة وبدعم حكومي مباشر، فيما أشار إلى قدرة البنوك على استعادة ثقة المجتمع الدولي.
وقال “هذا المؤتمر يكتسب أهمية استثنائية في ظل التحديات المتصاعدة التي تواجه المصارف العربية، ولاسيما العراقية، وسط بيئة اقتصادية وأمنية معقدة تؤثر بشكل مباشر في علاقاتها بالنظام المالي العالمي.”
وأشار إلى أن الإجراءات التي فرضت مؤخراً على بعض البنوك لا تعكس الصورة الحقيقية للقطاع،” مبينا أن “غالبية البنوك أظهرت التزاما عاليا بمعايير الشفافية والامتثال، وتواصل أداء دورها في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقرار المالي.”
وأوضح أن تلك الإجراءات أثرت سلبا في صورة النظام المصرفي العراقي، وقلّلت من ثقة الشركاء الدوليين، حتى تجاه المؤسسات والبنوك الرائدة، معبرا عن ثقته في قدرة البنوك على تجاوز هذه المرحلة والعودة بثقة إلى منظومة الاقتصاد العالمي.