الدبيبة يناور بورقة الدعوة للانتخابات المباشرة لتفادي السقوط

رئيس حكومة الوحدة ومستشار رئيس المجلس الرئاسي يشككان بشرعية البرلمان ويؤكدان أن الرئاسي يسمي الحكومة في إشارة واضحة على إبقاء الدبيبة.
الأربعاء 2025/05/28
الدبيبة يسعى لتحويل الضغط إلى ورقة للبقاء

طرابلس – شهدت الساحة الليبية تصعيدا جديدا في الأزمة السياسية، حيث دعا رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، الثلاثاء، إلى إجراء انتخابات مباشرة، رافضا أي فترات انتقالية جديدة.

وهذه الدعوة، التي تأتي في خضم موجة متصاعدة من الاحتجاجات الشعبية والضغط المتزايد من قبل مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، الذي يطالب بالإسراع في تشكيل حكومة جديدة تتولى تنظيم الانتخابات المنتظرة، تُثير تساؤلات جدية حول دوافعها الحقيقية: هل هي استجابة صادقة للمطالب الشعبية بإنهاء الفترات الانتقالية المتتالية، أم أنها مناورة سياسية مكشوفة تهدف إلى الالتفاف على الدعوات المتزايدة لرحيله والحفاظ على نفوذه؟

وترفض حكومة الدبيبة التسليم بحقيقة انتهاء ولايتها، وتتمسك بالبويلر الانتخابي كوسيلة لتجديد شرعيتها، فيما تُعد دعوته للانتخابات المباشرة دون فترات انتقالية جديدة محاولة لتجاوز الخريطة السياسية التي رسمها مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، والتي تتضمن تشكيل حكومة جديدة للإشراف على الانتخابات، ما يعكس إصرارا على عدم التنازل عن السلطة إلا لحكومة تأتي بعد انتخابات مباشرة، وهو ما يُعقد المشهد السياسي ويُطيل أمد الأزمة.

وجاءت تصريحات الدبيبة خلال لقائه في طرابلس بعدد من أعضاء المجلس الأعلى للدولة، حيث شدد على "استمرار جهود الحكومة في إنهاء مظاهر التسلح خارج إطار الدولة، وتعزيز دور مؤسسات الجيش والشرطة الرسميين في حفظ الأمن والاستقرار." وفق بيان لمنصة " حكومتنا " الرسمية على فيسبوك.

كما تحدث الدبيبة عن "أهمية تضافر الجهود بين مختلف المؤسسات السياسية والأمنية لدعم هذا المسار، بما يرسخ سلطة الدولة، ويحقق تطلعات المواطنين في الاستقرار والعدالة."

وهذه التصريحات تبدو كغطاء لمشروعية بقائه، رغم تزايد الغضب الشعبي الذي شهدت على إثره العاصمة طرابلس مؤخرا اشتباكات ومظاهرات مناوئة للحكومة.

وأكد الدبيبة أن "رؤية حكومة الوحدة الوطنية تقوم على إنهاء المراحل الانتقالية بالذهاب المباشر نحو الانتخابات"، واعتبر أن "استفتاء الشعب الليبي على المسار المطلوب هو أداة مهمة لتجاوز حالة التقاعس من قبل رئاسة مجلس النواب، وما ترتب عليها من تعطيل متعمد لمسار الانتخابات".

وزاد أن "التمديد (لمؤسسات قائمة) من خلال خلق مراحل انتقالية جديدة لا شرعية له ولا يمثّل إرادة الليبيين."

وتُظهر هذه التصريحات بوضوح محاولة الدبيبة لتوظيف رغبة الليبيين في الانتخابات كذريعة لتفادي رحيله، محاولا بذلك اتهام مجلس النواب بتعطيل المسار الانتخابي.

ويستغل الدبيبة رغبة الليبيين الملحة في إنهاء الفترات الانتقالية المتواصلة منذ عام 2011، إذ يُقدم نفسه بدعوته للانتخابات المباشرة، كحامل لواء هذه المطالب، بينما هو في الواقع يحاول توظيفها لخدمة أجندته الخاصة في البقاء في السلطة.

وهذا النوع من الخطاب قد يلقى صدى لدى شريحة من الشارع الليبي المتعب من حالة الفوضى، لكنه يُثير الشكوك حول نوايا الدبيبة.

ويُظهر الموقف الذي عبر عنه زياد دغيم، مستشار رئيس المجلس الرئاسي لشؤون الانتخابات والمجالس التشريعية، محاولة واضحة من المجلس الرئاسي لإنقاذ الدبيبة وتجاهل صلاحيات مجلس النواب في تشكيل حكومة جديدة.

وأكد دغيم في مقابلة مع قناة "الوسط" الليبية مساء الثلاثاء أن "المجلس الرئاسي هو المخول بتسمية رئيس الحكومة وليس البرلمان،" مستندا إلى التعديل الحادي عشر للإعلان الدستوري والمادة 178 من النظام الداخلي لمجلس النواب.

وشدد على أن "اختصاص تسمية رئيس الوزراء يعود للمجلس الرئاسي فقط،" وختم بتحدي مجلسي النواب والدولة "أن يقدموا نصا واحدًا في الاتفاق السياسي أو تعديلات الإعلان الدستوري يمنحهم الحق في اختيار رئيس الحكومة."

وهذا الموقف من المجلس الرئاسي يتعارض بشكل مباشر مع جهود مجلس النواب، الذي عقد جلسة في بنغازي للاستماع إلى برامج عدد من المترشحين لرئاسة الحكومة.

وأشار زياد دغيم إلى أن جلسة مجلس النواب هذه تأتي "بعد أكثر من ثلاث سنوات على تعليق الجلسات منذ مارس 2021"، وأن "الأهم في هذه الجلسة كان اعتراف رئيس المجلس عقيلة صالح بعدم توفر النصاب القانوني طيلة عام كامل."

واعتبر أن هذا الإقرار "ينسف شرعية عدد من الجلسات السابقة التي تم خلالها تمرير تعديلات دستورية وقوانين مست السلطة القضائية."

وتُظهر هذه التصريحات من مستشار المجلس الرئاسي رغبة في التشكيك في شرعية البرلمان نفسه، بهدف إبقاء الدبيبة في منصبه.

ويخشى المجلس الرئاسي بشكل كبير من إسقاط حكومة الدبيبة، حيث أن مصيره مرتبط ارتباطا وثيقا بمصير رئيس الحكومة. فقد تم تعيين كليهما، الدبيبة والمجلس الرئاسي، خلال مسار الحوار السياسي الذي جرى في تونس، وبالتالي، فإن رحيل الدبيبة قد يُفضي إلى إعادة تقييم شاملة للترتيبات التي أفضت إلى وجود المجلس الرئاسي نفسه، مما يجعله يسعى جاهدا للحفاظ على الوضع الراهن لضمان استمراريته.

والثلاثاء، عقد مجلس النواب جلسة برئاسة رئيسه عقيلة صالح في مدينة بنغازي (شرق).

وتم خلال الجلسة "الاستماع إلى برامج عدد من المترشحين لرئاسة الحكومة، على أن يستكمل الاستماع لبقية المترشحين في جلسة اليوم الأربعاء" وفق بيان للمجلس.

وفي 18 مايو الجاري، أعلن المجلس "مباشرة عمل لجنة مكلفة من مجلسي النواب والدولة في فرز ملفات المرشحين لرئاسة حكومة جديدة مهمتها الاشراف على إجراء الانتخابات".

ويأمل الليبيون أن تؤدي الانتخابات التي طال انتظارها إلى وضع حد للصراعات السياسية والمسلحة وإنهاء الفترات الانتقالية المتواصلة منذ الإطاحة بنظام حكم معمر القذافي.

ومع ذلك، فإن الساحة الليبية تشهد صراعا واضحا بين حكومتين: حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة التي تدير غرب البلاد، وحكومة عينها مجلس النواب ويرأسها أسامة حماد وتدير شرق البلاد ومعظم مدن الجنوب.

وهذا الصراع على الشرعية، المدعوم بمواقف متضاربة من المجلس الرئاسي ومجلس النواب، يهدد بإطالة أمد الأزمة الليبية، ويبدو أن الدبيبة والمجلس الرئاسي يسعيان للاستفادة من هذا الوضع لترسيخ نفوذهما على حساب تطلعات الشعب الليبي نحو الاستقرار.