سوريا تنهي اعترافها ببوليساريو بإغلاق مقرها في دمشق

دمشق – قامت السلطات السورية، خلال زيارة ميدانية مشتركة مع وفد مغربي مكلف بالتحضير لإعادة فتح سفارة المملكة المغربية في دمشق، بتأكيد الإغلاق التام للمقر الذي كان يشغله ممثلو بوليساريو في العاصمة السورية.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة بمثابة نصر سياسي للمغرب تظهر قدرته على الاستفادة من التغييرات الإقليمية وتحويلها لصالحه سواء في الساحة العربية أو الأفريقية. وتزامنت هذه الخطوة مع إعلان كينيا دعم المقاربة المغربية القائمة على الحكم الذاتي لحل مشكلة الصحراء.
وما يعطي قيمة لهذين الموقفين أنهما جاءا من بلدين كانا يدعمان بوليساريو إرضاء للجزائر كما هو الشأن مع الرئيس السوري السابق بشار الأسد، حيث تشير تقارير إلى أن الجزائر دعمته بالمئات من العسكريين الجزائريين ومقاتلين من بوليساريو، وهو ما يفسر برود العلاقة بين السلطات الجديدة في دمشق والسلطات الجزائرية بالرغم من إرسال الجزائر وزير الخارجية أحمد عطاف إلى سوريا ولقاء المسؤولين هناك بمن فيهم الرئيس أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، لكن الزيارة لم تفض إلى اختراق.
اتساع دائرة الاعتراف بالمقاربة المغربية هو تأكيد على أن زمن التعامل مع الحركات الانفصالية قد انتهى
وإنهاء دمشق الوجود الرمزي لبوليساريو بإغلاق مكتبها هو موقف حاسم بدعم موقف المغرب بشأن الصحراء، وهو ما يعني أن القيادة السورية الجديدة تعرف أن بناء علاقة متينة مع المغرب يتماشى مع توجهها الإقليمي وعلاقتها الجيدة مع دول الخليج، التي تدعم مقاربة الرباط بشكل حاسم وتراعي مصالحها.
ويشير المراقبون إلى أن اتساع دائرة الاعتراف بالمقاربة المغربية هو تأكيد على أن زمن التعامل مع الحركات الانفصالية قد انتهى، وهو أمر مرتبط بالحرب الباردة، وأن الدول باتت تفكر في مصالحها وتحالفاتها الاقتصادية الإقليمية كأرضية لمواقفها الدبلوماسية.
وفيما بات المغرب طرفا اقتصاديا مهمّا يحسب الآخرون حسابا لتمتين العلاقة معه، فإن الجزائر راعية بوليساريو محدودة التأثير اقتصاديا، ما يفسر تخلي داعمين سابقين لبوليساريو عنها وتفضيل مقاربة المغرب.
وشكلت زيارة الوفد المغربي إلى دمشق مناسبة لتجديد التزام سوريا باحترام سيادة المملكة المغربية ووحدتها الترابية، ورفضها لأيّ شكل من أشكال الدعم للكيانات الانفصالية.
ويعد قرار العاهل المغربي الملك محمد السادس بإعادة فتح السفارة المغربية في دمشق مؤشراً بارزاً على انطلاقة مرحلة جديدة في العلاقات بين الرباط ودمشق، في حين يترجم إغلاق مكتب بوليساريو على الأراضي السورية انسجاماً مع هذا التوجه الثنائي نحو دعم الشرعية ووحدة الدول.
وكان الملك محمد السادس قد أعلن في الخطاب السامي الذي وجهه إلى القمة العربية الرابعة والثلاثين التي انعقدت يوم 17 مايو ببغداد، عن قرار إعادة فتح سفارة المملكة المغربية بدمشق، المغلقة منذ 2012.
وجاء هذا القرار، بحسب الخطاب الملكي، “تعبيراً عن موقف المغرب الثابت الداعم لوحدة سوريا الترابية وسيادتها الوطنية، وتضامناً مع تطلعات الشعب السوري الشقيق في تحقيق الحرية والأمن والاستقرار.”
الخطوة بمثابة نصر سياسي للمغرب تظهر قدرته على الاستفادة من التغييرات الإقليمية وتحويلها لصالحه سواء في الساحة العربية أو الأفريقية
وأكد الملك محمد السادس، في الخطاب نفسه، أن “هذه المبادرة تأتي تجسيداً للإرادة المغربية في دعم المسار السياسي السوري، وفتح آفاق جديدة لتعزيز العلاقات الثنائية التاريخية بين الرباط ودمشق، بما يخدم مصلحة الشعبين ويعزز التضامن العربي في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها المنطقة.” وأضاف “تجسيدا لهذا الموقف إزاء أشقائنا في سوريا، ودعما لهذا المسار الواعد، فإن المملكة المغربية قررت إعادة فتح سفارتها بدمشق” التي تم إغلاقها سنة 2012.
وأوضح أن هذا القرار من شأنه المساهمة في”فتح آفاق أوسع للعلاقات الثنائية التاريخية” بين البلدين. وفيما يخص غزة، قال إن “القانون الدولي والإنساني يتعرض لانتهاكات جسيمة في غزة،” داعيا إلى إنهاء الحرب في غزة ووقف إطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية، مشددا على ضرورة دعم السلطة الفلسطينية ومؤسساتها.
وقطعت العلاقات الدبلوماسية بين الرباط ودمشق منذ يوليو 2012 حين طلب المغرب من السفير السوري لديه آنذاك مغادرة المملكة باعتباره “شخصا غير مرغوب فيه.”
جاء ذلك حينها تعبيرا عن “القلق الشديد” إزاء “ما يتعرض له الشعب السوري الشقيق منذ أكثر من عام من عنف،” في سياق الانتفاضة ضد نظام الرئيس المطاح به بشار الأسد. وردّت السلطات السورية يومها بالمثل، معتبرة السفير المغربي المعتمد لديها “شخصا غير مرغوب فيه.”
وقبل ذلك، استدعت الرباط سفيرها في نوفمبر 2011 بعدما تعرضت سفارة المملكة في دمشق لهجوم من متظاهرين مؤيدين للنظام لاستضافتها اجتماعا وزاريا عربيا مخصصا لبحث الأزمة السورية، وذلك على هامش أعمال منتدى تركيا – البلدان العربية.
وأكد العاهل المغربي أن هذا الإجراء “سيساهم في فتح آفاق أوسع للعلاقات الثنائية التاريخية بين بلدينا وشعبينا الشقيقين.” وكانت بعثة تقنية من وزارة الشؤون الخارجية المغربية توجهت إلى العاصمة السورية من أجل استكمال الإجراءات العملية المرتبطة بإعادة فتح سفارة المملكة المغربية بدمشق.
وقالت وكالة المغرب العربي للأنباء إن الوفد المغربي باشر محادثات مع مسؤولين كبار بوزارة الخارجية والمغتربين السورية، تهم الجوانب اللوجيستية والقانونية والدبلوماسية لهذه العملية.