شراكة إماراتية - أميركية لتطوير المفاعلات النووية الصغيرة

وسّعت دولة الإمارات من طموحاتها في قطاع الطاقة النووية مع دخولها في شراكة جديدة مع إحدى أبرز الشركات الأميركية من أجل تطوير المفاعلات الصغيرة، بما يخدم توجهاتها في إنتاج الكهرباء النظيفة من مصادر مستدامة، وهو قطاع ناشئ يتوقع أن يحظى بالكثير من الاستثمارات.
أبوظبي - أبرمت شركتا الإمارات للطاقة النووية وجنرال إلكتريك فيرنوفا هيتاشي للطاقة النووية مذكرة تفاهم على هامش مؤتمر المرافق العالمي الذي انطلق الثلاثاء في أبوظبي لإجراء تقييم لنشر واستخدام تقنية المفاعلات المصغرة من طراز بي.دبليو.آر.إكس – 300.
وتتضمن المذكرة التعاون المشترك في استكشاف فرص نشر المفاعلات المصغرة حول العالم بتطوير خارطة تشمل تحديد المواقع، ومسارات الترخيص، وإستراتيجيات الاستثمار والتسويق، إلى جانب تطوير سلسلة التوريد.
وتعزز الخطوة التعاون بين الجانبين وتبني على مذكرة التفاهم الموقعة بينهما عام 2023 على هامش مؤتمر كوب 28 لتقييم هذه التقنية في إطار “البرنامج المتقدم لتقنيات الطاقة النووية”، الذي أطلقته الشركة الإماراتية.
ويأتي ذلك في ظل تزايد الإدراك حول العالم بأن الطاقة النووية هي الحل الأمثل لتلبية الطلب على الطاقة الخالية من الكربون، من قبل أجهزة الكمبيوتر ذات السعة الضخمة من أجل تشغيل مراكز البيانات ودعم النمو في قطاعي الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا.
وتعيش منظومة الطاقة العالمية اليوم تحولات جوهرية مدفوعة بتزايد الحاجة إلى مصادر نظيفة وموثوقة ومستدامة. وفي ظل هذه التحديات، برزت المفاعلات النووية الصغيرة كحل مبتكر يجمع بين كفاءة الطاقة النووية التقليدية ومرونة التكنولوجيا الحديثة.
ويؤكد الخبراء أن القطاع يمثل تحولا إستراتيجيا في موازين الطاقة العالمية وإذا ما تم دعمه بالتمويل الكافي والتشريعات المناسبة فقد يصبح في العقد المقبل من تجربة ناشئة إلى مكون أساسي في مزيج الطاقة العالمي يسهم في توفير الوظائف وتحفيز الاستثمار وضمان مستقبل للطاقة أكثر أمانا واستدامة.
وتمثل المفاعلات المعروفة اختصارا باسم “أس.أم.آر.أس” نقلة نوعية في المجال النووي على النطاق السلمي سواء من حيث التصميم أو الأثر الاقتصادي، وتعد اليوم من أبرز الرهانات المستقبلية في سباق التحول الأخضر.
والمفاعلات النووية الصغيرة هي وحدات مدمجة تنتج عادة أقل من 300 ميغاواط من الكهرباء، ويمكن تصنيعها في مصانع مركزية ثم نقلها إلى موقع التشغيل، مما يقلل من التكاليف اللوجستية والهندسية المرتبطة ببناء المفاعلات التقليدية.
ويوفر هذا النموذج الصناعي مرونة عالية، إذ يمكن تركيب عدة وحدات تدريجيا بحسب الحاجة، مما يقلص من المخاطر الاستثمارية ويوفر قدرة على التوسع المدروس دون الحاجة إلى ضخ استثمارات ضخمة دفعة واحدة.
وقال محمد الحمادي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي للشركة الإماراتية، “بينما نواصل توفير الطاقة على مدار الساعة للإمارات، ننتقل الآن إلى مرحلة جديدة تتضمن مستوى جديدا من التعاون مع جنرال إلكتريك لتسريع نشر تقنيات المفاعلات النووية المتقدمة سواء في الدولة أو حول العالم.”
وأكد في بيان أوردته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية على الخبرات المشتركة التي تجمعها مذكرة التفاهم “لتحديد خارطة طريق واضحة لنشر تقنية المفاعلات المصغرة.”
وأضاف أن “هذا يضمن إنجاز مشاريع طاقة نووية آمنة وعالية الجودة، كما شهدته في الإمارات”، معربا عن تطلعهم إلى تطوير حلول جديدة لتلبية هذا النمو بطريقة مستدامة، وذلك مع استمرار النمو المتسارع للطلب العالمي على الطاقة.
ومن الناحية الاقتصادية، توفر هذه المفاعلات فرصة حقيقية لتعزيز أمن الطاقة في الدول التي تعاني من تقلبات في التزود بالوقود أو ضعف البنية التحتية المتعلقة بالطاقة، خاصة في الدول النامية أو المناطق النائية.
كما أن انخفاض كلفة التشغيل على المدى الطويل وارتفاع عامل الأمان يجعلان منها خيارا تنافسيا وذلك مقارنة ببعض مصادر الطاقة الأحفورية.
وعلاوة على ذلك، فإن الدول المطورة لهذه التكنولوجيا ستكون في موقع قوة من حيث التصدير والخبرة، مما يفتح آفاقا استثمارية واعدة في سوق الطاقة النووية العالمي.
ومع ذلك، لا تخلو هذه التكنولوجيا من التحديات، فعملية تطوير المفاعلات الصغيرة لا تزال تتطلب استثمارات أولية كبيرة، خاصة في مراحل البحث والتجريب والترخيص.
كما أن الإطار التنظيمي والتشريعي في معظم الدول لم يُصمم بعد ليتلاءم مع خصوصيات هذا النوع من المفاعلات، مما قد يؤخر دخولها إلى الأسواق. كما تواجه منافسة محتدمة من مصادر الطاقة المتجددة التي باتت أرخص وأكثر انتشارا في بعض المناطق.
ورغم هذه العقبات، فإن الاهتمام العالمي المتزايد بالمفاعلات النووية الصغيرة يعكس إيمانا متزايدا بإمكاناتها الاقتصادية والبيئية.
670
مليار دولار حجم سوق المفاعلات النووية الصغيرة خلال الفترة بين عامي 2024 و2050
وأطلقت العديد من الدول، مثل الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة، مشاريع ضخمة لتطوير نماذج تجريبية، بينما تسعى أخرى، مثل السعودية والإمارات، إلى استكشاف هذه التقنية ضمن رؤاها للتحول في مجال الطاقة.
وقالت مافي زينغوني، الرئيس التنفيذي لقطاع الطاقة في جنرال إلكتريك، إن “المفاعلات المصغرة تقوم بدور أساسي في ضمان مستقبل آمن للطاقة.”
ولفتت إلى تعزيز التعاون مع شركة الإمارات للطاقة النووية في ظل سعي البلد الخليجي لأن يكون من رواد الابتكار في قطاع الطاقة النووية، مؤكدة أن التعاون مع الإمارات يعزز من القدرات على توفير هذه التكنولوجيا وتحقيق مستقبل أكثر استدامة للطاقة.
وتمتلك الإمارات للطاقة النووية خبرات كبيرة في القطاع النووي، ولاسيما بعد نجاحها في توفير الكهرباء النظيفة باستخدام هذا المصدر، بما يتماشى مع أعلى معايير الجودة والسلامة العالمية.
وإلى جانب محطات براكة، تركز الشركة الإماراتية على تحديد فرص الاستثمار والتعاون ونشر هذه التقنيات داخليا وخارجها، لدعم التطوير السريع للطاقة النووية السلمية من أجل تعزيز أمن الطاقة والاستدامة عبر توفير كهرباء الحمل الأساسي النظيفة.
وحتى مايو 2025، يوجد في العالم خمسة مفاعلات نووية صغيرة قيد التشغيل، بطاقة إجمالية تتجاوز 600 ميغاواط كهربائي، بحسب منصة فيرفايد ماركت ريسيرش، اثنان منها في الصين وروسيا.
وتُعتبر منطقة آسيا والمحيط الهادئ هي السوق الأكبر والأسرع نموا للمفاعلات النووية الصغيرة، حيث استحوذت على حوالي 80 في المئة من السوق العالمي في عام 2023، مع وجود مشاريع قيد التطوير في الصين والهند وروسيا.
وتشير التوقعات إلى أن حجم سوق المفاعلات النووية الصغيرة قد ينمو ليصل إلى نحو 670 مليار دولار بين عامي 2024 و2050.