الإمارات وعمان: تنسيق سياسي وتشبيك اقتصادي

جاءت زيارة الشيخ حمدان بن محمد بن راشد، نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإماراتي ولي عهد دبي، إلى مسقط لتشكل حدثا مهما في سياق الديناميكية الحثيثة التي تشهدها العلاقات الثنائية والشراكة الإستراتيجية التي كرستها قيادتا البلدين الجارين والشقيقين.
كما تعد امتدادا لسلسلة الزيارات المتبادلة بين كبار المسؤولين في البلدين، والتي باتت متسارعة بشكل لافت ومثير للإعجاب، ومثمرة بكل ما يمكن أن يمثل إضافة للروابط العميقة بين الشعبين. وهو ما يشير إلى قراءة عميقة لحركة التاريخ من بوابة الوعي الراسخ بأحكام الجغرافيا في أبعادها السياسية والاجتماعية والثقافية والإستراتيجية. وقد تأكّد ذلك من خلال الرؤية التي يشترك في رسمها وتحديد خطوطها ومعالمها وتجسيدها على أرض الواقع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وسلطان عمان هيثم بن طارق، وقد عبّرا عن ذلك من خلال الاتصالات والمشاورات المستمرة بينهما.
في سبتمبر 2022، استقبلت مسقط بحفاوة وترحاب كبيرين الشيخ محمد بن زايد، الذي كانت له مباحثات مهمة مع السلطان هيثم، تم خلالها التأكيد على تعزيز التعاون في مختلف المجالات ذات الاهتمام المشترك، والإشادة بما تم تحقيقه من تعاون وتنسيق في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية النافعة للبلدين الجارين. كما تم التشديد على أهمية الدور الذي تقوم به اللجنة العليا المشتركة، وخاصة في ما يتعلق بتعزيز العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والثقافية والدبلوماسية والقنصلية والتعليمية، إلى جانب الأمن الغذائي والتقنيات المتطورة والابتكار ومشاريع الطاقة والطاقة المتجددة والصناعة والمجالات الصحية والدوائية والتطوير العقاري والسياحة والبتروكيماويات والصناعات التحويلية وسلاسل الإمداد والنقل والشراكة اللوجستية وتقنية المعلومات والتقنية المالية، وكل ما من شأنه أن يعزز المنافع والمصالح المشتركة ويعود على شعبي البلدين بالخير والنماء. كما رحّب الجانبان بالتوقيع على عدد من مذكرات التفاهم حول مختلف جوانب التعاون الثنائي.
◄ زيارة الشيخ حمدان بن محمد بن راشد إلى مسقط لتشكل حدثا مهما في سياق الديناميكية الحثيثة التي تشهدها العلاقات الثنائية والشراكة الإستراتيجية التي كرستها قيادتا البلدين الجارين والشقيقين
وخلال تلك الزيارة، أكد الزعيمان عزمهما على تحفيز القطاعين الحكومي والخاص للعمل على تكثيف الجهود المشتركة من أجل تطوير وتنويع التبادل التجاري والاستثماري، وإقامة الشراكات في مختلف القطاعات وبين أصحاب الأعمال، تحقيقا للتكامل بين البلدين الشقيقين.
وفي أبريل 2024، أدى السلطان هيثم زيارة دولة إلى الإمارات، تم خلالها بحث التطورات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وتبادل وجهات النظر حولها. وأكد القائدان تعزيز التنسيق في مواقفهما بما يخدم المصالح المشتركة ويقوّي دعائم الاستقرار والأمن في المنطقة، مؤكدين مواقفهما الداعية إلى الاستقرار والأمن والازدهار والنماء لجميع دول وشعوب المنطقة والعالم أجمع.
كما دعا الجانبان الأطراف الإقليمية إلى التحلي بأقصى درجات ضبط النفس لتجنيب المنطقة وشعوبها مخاطر التصعيد وعدم الاستقرار، مؤكدين موقفهما الداعي إلى الالتزام بالقوانين الدولية، وحل الخلافات عبر الدبلوماسية والحوار، مجددين مطالبتهما الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بالاضطلاع بمسؤولياتهما في تعزيز الأمن والسلم الدوليين.
وأكد الشيخ محمد بن زايد أن العلاقات بين دولة الإمارات وسلطنة عمان تاريخية، ولها نسيج اجتماعي وثقافي خاص، وتميزها الروابط العائلية الوثيقة وحسن الجوار وعلاقات التعاون والتكامل الفاعلة. وأشار إلى أن الراحلين الكبيرين زايد وقابوس رسخا نهجا أصيلا في بناء العلاقات الأخوية القوية المتحصنة بالمحبة والحكمة، مؤكدا ثقته بأن هذا الترابط والتلاحم الاجتماعي يمثلان مرتكزا أساسيا لمواصلة بناء علاقات نموذجية تخدم مصالح البلدين وتحقق تطلعات الشعبين الشقيقين إلى التقدم والازدهار.
من جانبه، أشاد السلطان هيثم بدور المسؤولين في البلدين في تحقيق الرؤية المشتركة للتعاون على أرض الواقع، من خلال البدء في تنفيذ مشاريع مشتركة في قطاعات إستراتيجية، خاصة في قطاع الطاقة المتجددة، وتدشين مشروع سكك الحديد لربط سلطنة عمان بشبكة قطارات الإمارات، إضافة إلى الربط الكهربائي وغيرها. وأكد أن ما يربط البلدين من أواصر حسن الجوار والتاريخ المشترك يدعو إلى الارتياح والرضا، مشيرا إلى تطلعه إلى مستقبل بآفاق أرحب من التعاون في شتى المجالات، بما يسهم في نمو اقتصاد البلدين وتحقيق تطلعات شعبيهما الشقيقين.
من الطبيعي أن يكون التكامل الاقتصادي هو الترجمان الحقيقي للتوافق السياسي بين الدول، ولذلك فإن الإرادة السياسية للقيادتين الإماراتية والعمانية تتحرك بقوة في اتجاه واحد وفق رؤية محددة، لتحقيق التكامل الذي يدعم التنمية ويخدم مصالح الشعبين، ويقرّب المسافات بينهما فوق أرض الشراكة وتحت شمس الرخاء والرفاه.
وبنظرة بسيطة على آخر البيانات الحكومية، تواصل سلطنة عمان الحفاظ على مكانتها كثاني أكبر شريك تجاري لدولة الإمارات في مجلس التعاون الخليجي. إذ واصلت التدفقات التجارية غير النفطية بين البلدين خلال عام 2024 مسارها الصاعد، مسجلة أكثر من 15.3 مليار دولار، بنمو 9.8 في المئة مقارنة بعام 2023، وبزيادة 15 في المئة و20.3 في المئة و32.4 في المئة و16.7 في المئة عند مقارنة القيمة المسجلة في 2024 بنظيراتها في أعوام 2022 و2021 و2020 و2019 على التوالي. كما تواصل قيادتا البلدين العمل على دعم الشراكات الاستثمارية، حيث تبلغ القيمة المقدرة للمشاريع 35.12 مليار دولار، ما يمثل خطوة مهمة نحو التعاون الاقتصادي لدفع النمو والتطور عبر الاستثمارات الإستراتيجية.
من الكلمات المأثورة الواردة على لسان نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء في دولة الإمارات، حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم “عمان منا، ونحن من عمان،”وهو ما يعكس وحدة التاريخ والجغرافيا والدم والهدف والمصير بين بلدين تصل علاقاتهما إلى درجة التداخل الجغرافي والاجتماعي، ولا يمكن الفصل بين الشعبين فيما يتميزان به من وحدة ثقافية وحضارية وتماه في أصالة المعدن ورفعة الأخلاق وطيبة النفوس ونقاء المشاعر وعمق الانتماء إلى العروبة الحضارية.