كيف يمكن للمصنعين إزالة الكربون في النقل بالشاحنات

مبادرات وبرامج متنوعة لاعتماد حلول مبتكرة تشمل توسيع الأساطيل واستخدام البطاريات والهيدروجين.
الأربعاء 2025/05/28
محطات الشحن الكهربائي هي الحل

مع تزايد الطلب على الشحن البري، تبرز الحاجة الملحة لتبني حلول تقنية وتشغيلية تسهم في خفض البصمة الكربونية للمصنعين وشركات النقل، ولذلك يبذل الباحثون والمطورون جهودا كبيرة من أجل الإسهام في إزالة الانبعاثات في النقل بالشاحنات، من خلال تطوير تقنيات مبتكرة، وتحسين كفاءة الطاقة، وتبني مصادر بديلة.

لندن- برزت في محطة شاحنات بالقرب من ميناء إمينغهام في مدينة هامبرسايد مع نهاية مارس الماضي، لمحة لما سيكون عليه مستقبل النقل البري عبر الشاحنات الثقيلة في المملكة المتحدة.

وتصطف في هذا الموقع الشاحنات للتزود بالوقود، ولكن بدلاً من ضجيج المضخات ورائحة الديزل، كان هناك هدير خافت للكهرباء، حيث تم توصيل الجيل الجديد من هذه المركبات العملاقة لشحن بطارياتها.

ويُعد هذا المركز جزءًا من شبكة أوروبية متنامية طورتها شركة ميلينس، وهي مشروع مشترك بين شركات تصنيع الشاحنات دايملر تراك وفولفو ومجموعة تراتون.

بول مانديكر: نقص البنية التحتية بمثابة المكابح لنظام النقل بأكمله

وحتى الآن هذا العام، تم افتتاح مراكز شحن أكثر قوة، يمكنها شحن 80 في المئة من البطارية خلال نصف ساعة فقط، في بلجيكا وإيطاليا وإسبانيا، كجزء من خطة لتركيب 1700 نقطة شحن في جميع أنحاء أوروبا والمملكة المتحدة.

لكن الشبكة لا تزال في بداياتها، ولا يزال الافتقار إلى بنية تحتية واسعة النطاق للشحن، إلى جانب مدى المركبات وتكلفتها، يشكلان عوائق رئيسية أمام اعتماد المركبات الثقيلة الكهربائية.

وبموجب الصفقة الخضراء الجديدة في أوروبا، سيتعين على شركات الشاحنات خفض انبعاثات أسطول الشاحنات الجديدة بنسبة 43 في المئة في عام 2030، و64 في المئة في عام 2035، و90 في المئة في عام 2040.

وصرح بول مانديكر، المتحدث باسم شركة دايملر للشاحنات، لصحيفة “ذا إثيكال كوربوريشن” أن تحقيق الأهداف سيتطلب تركيب أكثر من 35 ألف شاحن سريع بحلول نهاية هذا العقد، أو 500 شاحن شهريًا. واعتبر نقص البنية التحتية للشحن بمثابة “المكابح الحالية للنظام بأكمله.”

ومثل العديد من مصنعي الشاحنات، تشعر شركة دايملر للشاحنات بالإحباط مما تراه نقصًا في التفكير المترابط من قبل الاتحاد الأوروبي.

وصُممت لائحة ثاني أكسيد الكربون للشاحنات الثقيلة لخفض الانبعاثات بنسبة 45 في المئة بحلول عام 2030 و90 في المئة بحلول عام 2040، وتدخل حيز التنفيذ هذا العام.

لكنها لا تتوافق مع قانون آخر للاتحاد الأوروبي، وهو لائحة البنية التحتية للوقود البديل (أفير)، التي تهدف إلى تعزيز نشر البنية التحتية للوقود البديل مثل الكهرباء والهيدروجين، ولكن دون مراعاة مدى إلحاح الإطار الزمني المحدد لأهداف خفض الانبعاثات.

وأضاف مانديكر “تواجه شركات الشاحنات عقوبات صارمة إذا لم تحقق الأهداف.” وتابع “نحن في حاجة ماسة إلى ربط لائحة ثاني أكسيد الكربون بلائحة البنية التحتية.”

بناء شبكات نظيفة

يُعد خفض انبعاثات الكربون في النقل البري جزءًا أساسيًا من معالجة أزمة المناخ وتحسين الصحة العالمية. ففي الهند، على سبيل المثال، لا تمثل الشاحنات سوى 3 في المئة من المركبات على الطرق، ولكنها مسؤولة عن أكثر من 34 في المئة من الغازات الدفيئة و53 في المئة من الجسيمات التي تنبعث في قطاع النقل.

◄ الرسوم الجمركية العقابية التي فرضتها إدارة ترامب أجبرت تسلا على تعليق خطط استيراد مكونات من الصين، وإعادة تقييم توقعات نمو مصنعها

أما في الولايات المتحدة، تُصدر الشاحنات 25 في المئة من ثاني أكسيد الكربون، إلا أنها لا تُشكل سوى 10 في المئة من إجمالي المركبات البرية. وتُمثل الشاحنات في المملكة المتحدة 20 في المئة من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن النقل المحلي.

ويُمثل إيجاد سبل لخفض هذه الانبعاثات أولويةً لمركز الشحن البري المستدام (أس.آر.أف)، وهو تعاون واسع النطاق بين الأوساط الأكاديمية والحكومية والصناعية.

ويؤكد ديفيد سيبون، مدير مركز أس.آر.أف وأستاذ الهندسة الميكانيكية في جامعة كامبريدج، على الحاجة إلى مثل هذه الشراكات. وقال لوكالة رويترز “لا يُمكن إزالة الكربون من الشحن البري بالهندسة وحدها.”

وفي وقت سابق من هذا العام، جمع المركز مجموعة من الشركاء، من شراكة جون لويس إلى شاحنات فولفو، لإطلاق مشروع تجربة اللوجستيات المشتركة للمشغلين (غولت).

وينصبّ تركيزه على إيجاد أفضل السبل لمساعدة الأساطيل تقنيًا وماليًا على التحول إلى المركبات الكهربائية.

ويقول سيبون إن جزءًا مهمًا من هذا يتمثل في فهم تأثير الكهربة على المشغلين، الذين يتعين عليهم التكيف مع المركبات ذات المدى الأقصر والحمولات الأقل واحتياجات إعادة الشحن. ويضيف “الأمر ليس مجرد استبدال بسيط لشاحنة بأخرى.”

ويُجري مشروع جولت اختبارات على مجموعة من الشاحنات الكهربائية، ويُقيّم مدى اختلاف أدائها عن شاحنات الديزل الثقيلة التقليدية. ويشمل ذلك مراقبة البطاريات لمعرفة مدى تأثير ظروف القيادة وطرق الشحن المختلفة على عمرها الافتراضي.

وسيتم دعم المعلومات بنماذج حاسوبية، ثم تجميعها بين الشركاء للمساعدة في وضع خطط انتقالية لأعمالهم الخاصة، ولقطاع الخدمات اللوجستية الأوسع.

التحول إلى الهيدروجين

◄ خردة تغذي التلوث
خردة تغذي التلوث

رغم أن الولايات المتحدة هي الموطن الروحي لقطاع النقل بالشاحنات، ولكن كما هو الحال مع العديد من التشريعات البيئية، فإن العديد من الجهود المبذولة للحد من انبعاثات عوادم السيارات أصبحت الآن في طي النسيان.

وجاء ذلك في ظل استمرار سياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب في تقليص السياسات الخضراء. وقد أثرت الرسوم الجمركية التي هددت بفرضها على الواردات الصينية بشدة على قطاع السيارات.

ومن المفارقات، وبالنظر إلى دور إيلون ماسك في وزارة كفاءة الحكومة، فإن إحدى الشركات التي تأثرت بشدة هي شركة تسلا، التي افتتحت مؤخرًا توسعة لمصنعها العملاق في نيفادا لإنتاج شاحنتها الثقيلة شبه الكهربائية التي طال انتظارها، حيث ستنطلق أول شاحنة من خط الإنتاج في نهاية هذا العام.

وقدمت كل من شركات بيبسيكو وولمارت ويو.بي.أس وكوستكو طلبات لشراء الشاحنة ذات الثماني عشرة عجلة، والتي يمكنها قطع مسافة 800 كيلومتر بشحنة واحدة.

لوساندا ماديكيزيلا: لانشيفت تقود حلول شحن نظيفة في العديد من الدول

ومع ذلك، أجبرت الرسوم الجمركية العقابية التي فرضتها إدارة ترامب تسلا على تعليق خطط استيراد مكونات من الصين، وإعادة تقييم توقعات نمو مصنعها، الذي ستبلغ طاقته الإنتاجية السنوية 50 ألف وحدة.

ولم تُبدِ كاليفورنيا أي نية للتخلي عن خططها الرامية إلى تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2045، والتي تشمل سياسةً أُعلن عنها العام الماضي، وتقضي بأن يكون نصف جميع المركبات الثقيلة المباعة في الولاية خالية من الانبعاثات بحلول عام 2035.

وكما هو الحال في أوروبا، تُنشئ كاليفورنيا بنيةً تحتيةً لكلٍ من الكهرباء والهيدروجين، وهي موطنٌ لنحو 66 من أصل 76 محطة لتزويد الهيدروجين بالوقود في الولايات المتحدة.

وإحدى الشركات التي كانت تُنشئ محطات لتزويد الهيدروجين بالوقود في كاليفورنيا هي شركة نيكولا كورب، ومقرها أريزونا، والتي بدأت بتصنيع شاحنات نصف مقطورة تعمل بالبطاريات، ثم تحولت إلى الشاحنات الكهربائية التي تستخدم الهيدروجين.

ومع ذلك، تقدمت بطلبٍ للحماية من الإفلاس بموجب الفصل 11 من القانون الأميركي في فبراير الماضي، وسط ضعف الطلب وتحديات التمويل.

وكان للهيدروجين أفضلية على الكهرباء في مجال النقل بالشاحنات لمسافات طويلة، حيث جعلت المسافات الطويلة، والطرق غير المتوقعة، واللوائح الصارمة المتعلقة بوقت القيادة، وأهمية الحمولات العالية، من استخدام البطاريات الكهربائية خيارًا أقل جاذبية، وفقًا لماكينزي.

وبخلاف البطاريات، التي تخزن الإلكترونات مباشرةً لتشغيل المحركات الكهربائية، يُحوّل الهيدروجين إلى إلكترونات بواسطة خلايا الوقود الموجودة على متن الشاحنة لتشغيل محرك كهربائي، ويكون الماء المنتج الثانوي الوحيد.

وذكرت دراسة لشركة ماكينزي أنه “على نطاق واسع، تكون تكلفة إنشاء هذه البنية التحتية أقل من تكلفة إنشاء البنية التحتية لشحن الشاحنات الكهربائية، لأنها لا تتطلب تحديثات على الشبكة، ولها بصمة كربونية أصغر.”

وأوضح خبراء ماكينزي “تعني سرعة التزود بالوقود الأسرع إمكانية استخدام البنية التحتية للهيدروجين من قِبل عدد أكبر بكثير من الشاحنات مقارنةً بالبنية التحتية للشحن (الكهربائية).”

وطوّرت شركة دايملر للشاحنات نماذج أولية لشاحنات تعمل بخلايا وقود الهيدروجين، والتي ثبت أن مداها يتجاوز ألف كيلومتر في المرة الواحدة.

وتستخدم مركبات دايملر للشاحنات أيضًا الهيدروجين في شكله السائل بدلاً من الغازي، ما يوفر كثافة طاقة أعلى، وفقًا لمانديكر. كما يوفر الهيدروجين السائل مزايا من حيث التكلفة والوزن مقارنةً بالغاز المضغوط.

◄ إيجاد سبل لخفض هذه الانبعاثات يُمثل أولويةً لمركز الشحن البري المستدام (أس.آر.أف)،

وقال المتحدث باسم دايملر للشاحنات “من الواضح أن إزالة الكربون تبدأ بالبطاريات الكهربائية، فهناك حيث تتوفر المنتجات حاليًا… (لكن) لا يمكننا كهربة كل شيء بالسرعة المطلوبة… نشعر أننا بحاجة إلى مصدر طاقة ثانٍ.”

ومع ذلك، أبدى سيبون من مركز الشحن البري المستدام عدم اقتناعه بذلك. ويُنتج حوالي 98 في المئة من الهيدروجين باستخدام الكهرباء المولدة من الوقود الأحفوري، بدلاً من مصادر الطاقة المتجددة، ما يزيد من بصمته الكربونية.

كما أن إنتاج الهيدروجين يستهلك طاقة كثيفة، لذا في النهاية، “يتطلب تشغيل شاحنة هيدروجينية ثلاثة أضعاف الكهرباء لتشغيل شاحنة كهربائية.”

وهناك أيضًا مشكلات تتعلق بالسلامة تتعلق بتخزين ونقل الهيدروجين، في حين أن المركبات التي تعمل بهذا الوقود باهظة الثمن ومعقدة البناء، حيث يعمل عليها عدد قليل فقط من الشركات، مقارنة بالآلاف المنخرطة في البطاريات والمركبات الكهربائية.

ويضيف سيبون “لا توجد طريقة يمكن لخلايا وقود (الهيدروجين) من خلالها اللحاق بالركب.” ويشير أيضًا إلى أن التحول إلى الطاقة الكهربائية يُعد خيارًا متاحًا بالفعل لبعض شركات النقل، حيث تُنشئ المستودعات بنية تحتية خاصة بها للشحن، ما يسمح للمركبات ذات الحمولة الخفيفة بإكمال رحلات ذهابًا وإيابًا لمسافة 200 ميل (322 كيلومترا).

وبحلول عام 2040، يجب أن تكون جميع المركبات الثقيلة الجديدة في المملكة المتحدة خالية من الانبعاثات، و”في ذلك الوقت، ستصبح المركبات أرخص، وستتحسن البطاريات، وستتوسع شبكة الشحن،” كما يقول سيبون.

وأشار إلى أنه “مع تغير الأوضاع، ستصبح المزيد من العمليات اللوجستية مجدية اقتصاديًا للمركبات الكهربائية.”

مدن الشاحنات الكهربائية

◄ الشاحنات التي تعمل بخلايا الهيدروجين يمكنها التزود بهذا الوقود النظيف بشكل أسرع والسفر لمسافة تزيد عن 1000 كيلومتر
الشاحنات التي تعمل بخلايا الهيدروجين يمكنها التزود بهذا الوقود النظيف بشكل أسرع والسفر لمسافة تزيد عن 1000 كيلومتر

تقود شركة لانشيفت مبادرة شحن خالية من الانبعاثات، تدعمها شبكة سي 40 سيتيز، وهي منظمة عالمية تضم رؤساء بلديات المدن الكبرى، وتعهد المناخ، وهو التزام من 555 شركة موقعة للوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2040.

وتوضح لوساندا ماديكيزيلا، كبيرة مديري برامج سي 40 سيتيز، أن لانشيفت، التي تعمل حاليا في كل من الهند والمكسيك والبرازيل تهدف إلى التأثير على كيفية وصول الشحنات إلى المدينة، مع التركيز على المسافات المتوسطة بين المستودع والوجهة النهائية.

وتضيف لرويترز أن المشروع جمع بين المصنّعين وشركات الخدمات اللوجستية ومتخصصي البنية التحتية، كما يساعد قادة المدن على العمل مع قطاع شحن مجزأ في الكثير من الأحيان، يمزج بين شركات التشغيل الكبرى وشركات الشاحنات الصغيرة.

ديفيد سيبون: لا يُمكن مسح الكربون من الشحن البري بالهندسة فقط

وينصبّ التركيز في الهند، على طريق بنغالورو – تشيناي السريع، الذي يبلغ طوله 350 كيلومترًا، وهو مسار شحن رئيسي من المتوقع أن يزداد ازدحامًا في المستقبل. ومن المتوقع أن يتضاعف عدد الشاحنات على الطرق الهندية أربع مرات ليصل إلى حوالي 17 مليون شاحنة بحلول عام 2050.

وتضمن بحث لانشفيت 20 شاحنة كهربائية ثقيلة تعمل على طول الطريق لمدة ستة أشهر، وتغطي أكثر من 4 ألف كيلومتر.

وقد جُمعت بيانات آنية طوال التجربة لإثبات جدوى كهربة الشحن، كما يوضح ماديكيزيلا، ما يُساعد في توضيح لشركات الشحن أن التكاليف الأولية المرتفعة لشراء الشاحنات الكهربائية يمكن تعويضها من خلال وفورات تشغيلية كبيرة.

كما تعمل شبكة سي 40 سيتيز مع حكومات الولايات في الهند لوضع خارطة طريق محلية أوسع للطرق السريعة للسيارات الكهربائية، والتي ستشمل كهربة الشحن عبر “الرباعي الذهبي”، وهي شبكة طرق يبلغ طولها حوالي 6 آلاف كيلومتر تربط دلهي ومومباي وكولكاتا وتشيناي.

وفي المكسيك، إلى جانب بناء بنية تحتية جديدة للشحن، أطلقت لانشفيت شراكة مع بنك التنمية الألماني لتطوير برنامج تمويل الشحن الإلكتروني.

ويستهدف هذا البرنامج “المشغلين المتوسطين والصغار الذين يواجهون صعوبة بالغة في الحصول على تمويل ميسور التكلفة لتحولهم،” كما تقول ماديكيزيلا، التي تبحث وفريقها أيضًا عن سبل لتحفيز الشركات على التحول إلى المركبات الكهربائية.

شركة دايملر للشاحنات طوّرت نماذج أولية لشاحنات تعمل بخلايا وقود الهيدروجين، والتي ثبت أن مداها يتجاوز ألف كيلومتر في المرة الواحدة

وعلى سبيل المثال، عندما تكون جودة الهواء سيئة للغاية في مدينة مكسيكو، تمنع السلطات شاحنات الديزل من دخول المدينة لعدد محدد من الأيام.

وتعمل لانشفيت مع الحكومة المحلية لمحاولة تحويل هذا إلى ميزة تنافسية لمشغلي الشاحنات الكهربائية، من خلال إعفائهم من الحظر.

وعلى الرغم من أن مبادرة الشبكة لا تعتمد على أيّ تقنية، كما تقول ماديكيزيلا، لأنه “بسبب التأثير الذي أردنا إحداثه، وضمن الإطار الزمني المحدد، فإن التكنولوجيا التي مكنتنا من تحقيق هذه النتائج هي التحول إلى المركبات الكهربائية.”

15