حزام الأمان يزداد ذكاءً بفضل سباق الابتكار في السيارات

حزام الأمان لم يعد مجرد وسيلة دفاع سلبية، بل تطور ليكون عنصراً نشطاً وذكياً يشارك في حماية السائق والركاب قبل الحوادث وأثناءها. ومع الاتجاه نحو المركبات الذاتية والكهربائية يُتوقع أن يلعب دورًا أكبر في المراقبة الصحية وتقديم البيانات، وربما إنقاذ الأرواح بطريقة لم يكن أحد يتخيلها قبل سنوات قليلة.
لندن - يظل حزام الأمان في السيارة أحد أهم أدوات الحماية التي أثبتت فاعليتها لعقود. لكنه لم يَعد مجرد شريط يُربط على الصدر والخصر، بل أصبح عنصرًا متطورًا يتكامل مع أنظمة ذكية وأجهزة استشعار، ضمن منظومة متقدمة تسعى لتقليل الإصابات وإنقاذ الأرواح.
وأحدث الابتكارات في هذا المجال تُظهر كيف تطورت هذه التقنية البسيطة إلى أداة نشطة، قابلة للتفاعل، بل وحتى للمراقبة الصحية.
وواحدة من أبرز هذه الابتكارات هي أحزمة الأمان النشطة، التي تعمل بالتنسيق مع أنظمة الاستشعار في السيارة. فعند اقتراب وقوع حادث، تقوم هذه الأحزمة بشد نفسها تلقائيًا في جزء من الثانية قبل أن يبدأ الاصطدام، ما يضع الراكب في وضعية أكثر أمانًا.
وفي هذا السياق، صرّح أوليفر بريتز، مدير قسم السلامة في شركة مرسيدس – بنز، قائلًا “لم نعد ننتظر وقوع الحادث لنتفاعل، بل نستخدم كل البيانات لتقليل أثره قبل حدوثه بثوانٍ. حزام الأمان النشط هو جزء أساسي من هذه الإستراتيجية.”
أما الابتكار الأبرز الآخر فهو حزام الأمان القابل للنفخ، والذي طورته شركة فورد، ويُستخدم حاليًا في بعض طرازاتها، مثل إكسبلورر ولينكولن.
ويعمل هذا النظام بطريقة تشبه الوسادة الهوائية، إذ ينتفخ الحزام ذاته عند الاصطدام، فيوزع الضغط على منطقة أوسع من الجسم. ووفقًا لفورد، فقد ساهم هذا الابتكار في تقليل إصابات الرأس والصدر في المقاعد الخلفية بشكل ملموس.
وسبق أن قال جيم هولاند، نائب الرئيس التنفيذي للشركة الأميركية لهندسة مكونات المركبات والأنظمة، إنه “حزام يوفر الحماية المزدوجة: يثبّت الجسم ويخفّف الضغط. نتائج الاختبارات تفوقت على توقعاتنا.”
ومن الاتجاهات التي بدأت تأخذ حيزًا متزايدًا من الاهتمام أيضًا، دمج أحزمة الأمان مع أنظمة المراقبة الحيوية، ففي بعض النماذج الأولية التي طورتها شركات مثل تويوتا وهيونداي، تحتوي الأحزمة على مجسات دقيقة يمكنها قياس معدل ضربات القلب ومستوى التوتر، وحتى تحليل نمط التنفس.
وهذا النوع من التكنولوجيا قد يُستخدم في المستقبل لتحذير السائق في حال ظهرت عليه علامات الإرهاق أو ارتفاع مفاجئ في ضربات القلب، وربما تدخل السيارة في وضع القيادة الذاتية أو تقوم بتنبيه خدمات الطوارئ تلقائيًا.
وفي إطار التطوير نحو المركبات الذكية والقيادة الذاتية، تبرز أفكار جديدة تعتمد على دمج المستشعرات الحيوية داخل الحزام، حيث تعمل شركات مثل تويوتا على اختبار أحزمة مزودة بمجسات قادرة على قياس معدلات نبض القلب والتنفس.
وهذه المعلومات قد تُستخدم لتنبيه السائق عند رصد علامات إرهاق أو توتر غير طبيعي. وصرح يوجي كيتانيشي، الباحث في مختبرات تويوتا، قائلا “لا نريد فقط حماية الجسد من الصدمة، بل نحاول قراءة إشارات الخطر قبل أن تؤثر على التركيز أو تسبّب حوادث.”
ولا يمكن إغفال الجانب المتعلق بالراحة والتصميم، فقد شهدت أحزمة الأمان تحسينات كبيرة من حيث المرونة والتخصيص. وهناك اليوم سيارات فاخرة تقدم أحزمة قابلة للتعديل إلكترونيًا حسب طول جسم الراكب، مع تغليف جلدي أو قماشي فاخر، وألوان متنوعة تتناسق مع تصميم المقصورة.
وعلى سبيل المثال تقدم رولز رويس وبنتلي في سياراتهما الحديثة خيارات مخصصة لحزام الأمان ضمن برامج التخصيص الشامل للمستخدمين.
ومن الابتكارات المثيرة للاهتمام أيضًا، تلك التي تأتي من قطاع السيارات الذاتية القيادة، حيث يُعاد التفكير في شكل ووظيفة الحزام كليًا.
وبما أن الركاب قد يجلسون في وضعيات غير تقليدية مثل المقاعد القابلة للدوران أو التمدد، فإن شركات مثل تسلا وفولفو تدرسان إمكانيات تطوير أحزمة متعددة النقاط شبيهة بتلك المستخدمة في سيارات السباق، أو حتى أحزمة قابلة للتكيّف تلقائيًا بحسب وضعية الجلوس.
وقبل أسابيع أعلنت فولفو أنها ستطرح حزام أمان جديدا لأول مرة في سيارتها الكهربائية بالكامل إي.إكس 60 العام المقبل، والتي ستنضم إلى مجموعة سياراتها الكهربائية المتنامية، بما في ذلك إي.إكس 30 وشاحناتها الثقيلة التجارية أف.أتش لمسافات طويلة.
وتستخدم جميع أحزمة الأمان الحديثة ما يُسمى مُحدد الحمل للتحكم في مقدار الثبات الذي يُمارسه حزام الأمان على الراكب في حالة وقوع حادث.
وبينما صممت فولفو جهازا لمنع الركاب من الاصطدام بأجزاء أخرى من السيارة، فإنه يُمكنه أيضًا تخفيف الضغط بعد وقوع الجزء الأشد من الحادث لمنع الإصابات، مثل كسور الأضلاع الناتجة عن قوة مفرطة.
من بين النماذج اللافتة ظهور أحزمة تفاعلية بالصوت أو بالاهتزاز، مثل تلك التي اختبرتها شركة جنرال موتورز
وتقول الشركة السويدية إن تصميمها الجديد يزيد من قدرة حزام الأمان على تخفيف الحمل من ثلاثة إلى أحد عشر، ويزيد من عدد الإعدادات الممكنة، ما يُمكّنه من تحسين الأداء لكل حالة وشخص.
وبالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن تتحسن وظيفة حزام الأمان بمرور الوقت بفضل تحديثات البرامج اللاسلكية.
وفي بعض سيارات المستقبل المفاهيمية، مثل نماذج مرسيدس إي.كيو.إكس.إكس، تعمل الشركات على تطوير أحزمة متعددة النقاط ذكية، تضمن الحماية بغض النظر عن وضعية الجلوس، خاصة في السيارات ذاتية القيادة، حيث قد يختار الركاب أوضاع جلوس غير تقليدية.
ولم تغب الابتكارات المتعلقة بالراحة والتصميم تقدم شركات مثل بي.أم.دبليو وبنتلي أحزمة قابلة للتعديل إلكترونيًا، مصنوعة من مواد فاخرة مثل الجلد أو الألياف الخاصة، يمكن تخصيص لونها وملمسها.
وفي تصريح لمدير تصميم الأمان في بنتلي توم هيوز، قال إن “المستخدمين لا يبحثون فقط عن الأمان، بل عن تكامل الوظيفة مع رفاهية التجربة.”

وإلى جانب ذلك، ظهرت نماذج لأحزمة تفاعلية بالصوت أو بالاهتزاز، مثل تلك التي اختبرتها جنرال موتورز، والتي تُصدر اهتزازًا خفيفًا عند الانحراف عن المسار دون تشغيل الإشارة، ما يجعل الحزام جزءًا من نظام التنبيه المبكر للسائق.
والابتكارات لم تقتصر على التصميم والتكنولوجيا، بل شملت كذلك طرق تصنيع الأحزمة، فقد تم تطوير مواد جديدة تمتاز بالقوة والخفة في آنٍ معًا، مثل ألياف الكيفلار أو ألياف الأراميد، والتي تُستخدم أيضًا في الدروع الواقية.
فمن الناحية الصناعية، هناك تطور ملحوظ في المواد المستخدمة، حيث تستخدم شركات مثل تسلا أليافا متقدمة مقاومة للحرارة والقطع، مثل الأراميد، في تصنيع أحزمة الأمان، لتضمن خفة الوزن والصلابة معًا، وهو أمر بالغ الأهمية في السيارات الكهربائية.
وبدأت بعض الدول بمراجعة قوانين السلامة لتشمل الأحزمة الذكية كجزء من التقييمات الإلزامية، وبدأت شركات السيارات في اختبار تكامل تلك الأحزمة مع الأنظمة المتقدمة الأخرى، مثل الكبح التلقائي أو منع الانقلاب، ضمن ما يُعرف بأنظمة “السلامة الاستباقية”.
وتُلزم المعايير الجديدة في أوروبا الشركات بدمج أحزمة أمان ذكية ضمن تقييمات الأمان، ما يضع ضغطًا إضافيًا على المصنعين لتبنّي الابتكارات الحديثة.