الأكراد ودمشق يتفقان على إجلاء السوريين من مخيم الهول

الاتفاق يمثل تحولا محتملً في ديناميكيات سوريا السياسية والعسكرية، ممهدا للتنسيق حول قضايا حيوية كالموارد والمناطق الحدودية.
الثلاثاء 2025/05/27
جسر جديد لإجلاء الهول

القامشلي (سوريا) - أعلنت السلطات الكردية في شمال شرق سوريا الاثنين أنها توصلت إلى اتفاق مع الحكومة الانتقالية في دمشق لإجلاء المواطنين السوريين من مخيم الهول الذي يضم عشرات الآلاف من الأشخاص الذين يزعم ارتباطهم بتنظيم داعش.

وقال شيخموس أحمد، مسؤول في السلطة التي يقودها الأكراد وتسيطر على شمال شرق البلاد، إنه تم التوصل إلى اتفاق على "آلية مشتركة" لإعادة العائلات من مخيم الهول، وذلك عقب اجتماع بين السلطات المحلية وممثلي الحكومة المركزية في دمشق ووفد من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الذي يحارب تنظيم داعش.

وأكد على أنَّ الإدارة الذاتية ستمد يد العون لكل من يرغب بالعودة الطوعية إلى منطقته الأصلية، وأنَّ الإدارة الذاتية تضع الملف الإنساني فوق أي اعتبارات سياسية.

ونفى أحمد التقارير التي تشير إلى تسليم إدارة المخيم لدمشق في المستقبل القريب، قائلا "لم تكن هناك أي مناقشات في هذا الصدد مع الوفد الزائر أو مع الحكومة في دمشق."

وتُعدّ هذه الخطوة تتويجا لسنوات من المطالبات الدولية والمحلية لتحسين الظروف الإنسانية والأمنية في مخيم الهول. لطالما أشارت منظمات حقوق الإنسان على مدار سنوات إلى الظروف المعيشية السيئة وانتشار العنف داخل المخيم الذي يؤوي نحو 37 ألف شخص، معظمهم من زوجات وأطفال مقاتلي داعش وأنصار التنظيم. كما يضم المخيم عراقيين بالإضافة إلى مواطنين من دول غربية سافروا للانضمام إلى التنظيم.

ويضغط الجيش الأميركي منذ سنوات على الدول التي لديها مواطنون في مخيم الهول ومخيم روج الأصغر والمنفصل لإعادتهم إلى أوطانهم. وقد استعاد العراق أعدادا متزايدة من مواطنيه في السنوات الأخيرة، لكن العديد من الدول الأخرى ظلت مترددة.

أما بالنسبة للسوريين الموجودين في المخيم، فهناك آلية قائمة منذ عدة سنوات لإعادة من يرغب منهم إلى مجتمعاتهم في المناطق التي تسيطر عليها الإدارة الكردية، حيث تم افتتاح مراكز لإعادة دمجهم.

ومع ذلك، لم يكن قبل الآن اتفاق مع الحكومة في دمشق على إعادتهم إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المركزية.

ويمثل هذا الاتفاق بين السلطات الكردية والحكومة الانتقالية في دمشق أكثر من مجرد ترتيب لإجلاء السكان، فهو يعكس تحولا محتملا في الديناميكيات السياسية والعسكرية داخل سوريا.

ففي ظل سعي الأطراف الفاعلة لإعادة تشكيل المشهد بعد سنوات من النزاع، يبدو أن هناك إقرارا متزايدا بالحاجة إلى التعاون لمعالجة التحديات المشتركة، لا سيما تلك المتعلقة بالإرهاب والاستقرار الإنساني.

هذا التقارب، وإن كان بطيئا، يمكن أن يمهد الطريق لتنسيق أكبر حول قضايا حيوية أخرى، بما في ذلك إدارة الموارد الطبيعية والمناطق الحدودية.

ومع ذلك، فإن نجاح هذا التعاون على المدى الطويل سيتوقف على مدى قدرة الأطراف على تجاوز التوترات التاريخية وبناء الثقة، خاصة في ظل الضغوط الدولية المستمرة وتداخل المصالح الإقليمية التي لطالما عرقلت أي محاولة للتوحيد في سوريا.

ويُعتبر هذا الاتفاق جزءا من محاولات أوسع لتعزيز التعاون بين السلطات الكردية والقادة الجدد في دمشق، خاصة بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد في هجوم شنته المعارضة في ديسمبر.

وتتجه هذه المساعي نحو توحيد الفصائل المختلفة التي قسمت سوريا إلى دويلات صغيرة بحكم الأمر الواقع خلال الحرب الأهلية التي بدأت عام 2011 عقب القمع العنيف من قبل حكومة الأسد للاحتجاجات المناهضة للحكومة.

ويُنتظر أن يتبع هذا الاتفاق تنفيذ بنود اتفاق أوسع وقع في مارس الماضي بين الرئيس السوري أحمد الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الأكراد.

بموجب هذا الاتفاق، من المقرر دمج قوات سوريا الديمقراطية في قوات الحكومة المسلحة الجديدة، وخضوع جميع المعابر الحدودية مع العراق وتركيا، والمطارات، وحقول النفط في الشمال الشرقي، بالإضافة إلى السجون التي تحتجز نحو تسعة آلاف مشتبه بهم في تنظيم داعش، لسيطرة الحكومة المركزية.

ومع ذلك، فإن تنفيذ هذه الاتفاقات كان بطيئا، وتضغط واشنطن على تنفيذها، خاصة فيما يتعلق بتسليم دمشق إدارة السجون في شمال شرق سوريا. وسيمثل نجاح هذا الاتفاق في إجلاء المواطنين من مخيم الهول خطوة إيجابية نحو تحقيق الاستقرار وتخفيف الأعباء الإنسانية والأمنية في المنطقة، ولكنه يواجه تحديات جمة تتطلب تعاونا مستمرا بين جميع الأطراف المعنية.