عدم اكتراث شعبي بالانتخابات يهدد شعبية الأحزاب الحاكمة في العراق وشرعية نظامها

تحذيرات من عزوف قياسي خلال انتخابات نوفمبر القادم تكرسه مقاطعة مقتدى الصدر.
الثلاثاء 2025/05/27
ماذا لو ظلت الصناديق فارغة

تراجع اهتمام الشارع العراقي بالشأن السياسي وما يدور في كواليسه من صراعات على السلطة، تحوّل إلى واقع ملموس يبرز بشكل متزايد خلال المناسبات الانتخابية التي تشهد تراجعا في الإقبال الشعبي عليها يُخشى أن يبلغ خلال الانتخابات البرلمانية القادمة مدى مؤثرا على شرعية النظام القائم، خصوصا إذا أجري الاستحقاق في غياب أعرض قاعدة جماهيرية وأكبر خزان انتخابي متمثل في جمهور رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر.

بغداد- تستبق التحذيرات الصادرة في العراق عن سياسيين وحتى رجال دين من تراجع اهتمام الجمهور بالعمليات الانتخابية واهتزاز ثقته بما تتمخض عنه الصناديق من نتائج، موعد الانتخابات البرلمانية المقررة لشهر نوفمبر القادم مخافة حدوث عزوف انتخابي قياسي ينتقص من شرعية النظام القائم والقوى والشخصيات القائدة له والتي ينتمي أغلبها لأحزاب دينية بدأت بالفعل تواجه معضلة نضوب خزانها الانتخابي في معاقلها التقليدية.

وتسند حالةَ القلق على مصير الاستحقاق الانتخابي مؤشراتٌ أولية من بينها عدم مشاركة تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر صاحب أعرض قاعدة شعبية بين القوى الشيعية الحاكمة وكذلك أرقام محبطة تظهر تدني نسبة المقبلين على تحديث بياناتهم الانتخابية من المواطنين المؤهلين قانونا للمشاركة في الاقتراع.

صدرالدين القبانجي: مقاطعة الانتخابات تعني ضياع العراق وتقدم الآخر

وتحثّ مؤسسات ومنابر رسمية من يحق لهم التصويت على الاستعداد للاستحقاق الانتخابي والقيام بالإجراءات الضرورية لذلك، بينما يحذّر مهتمون بالشأن السياسي من العزوف الانتخابي ويشاركهم في ذلك رجال دين من منطلق أن للنظام القائم جذورا وأسسا داخل الحقل الديني بفعل طبيعة الأحزاب والقوى الرئيسية القائدة له.

وانطلقت إحدى أبرز التحذيرات من العزوف الانتخابي من مدينة النجف التي تشكل مركزا بارزا للتدين الشيعي في العراق والعالم، حيث حذّر الإمام والخطيب المعروف هناك صدرالدين القبانجي من مقاطعة العراقيين للانتخابات التشريعية القادمة.

وقال القبانجي في خطبة صلاة الجمعة الماضية إن “الانتخابات هي تعبير عن إرادة الشعب”، متسائلا “في ظل هذه الأوضاع التي نعيشها اليوم، ما هو الطريق الأفضل للإصلاح؟”

وفي تعبير عن أهمية الانتخابات لاستقرار نظام الأحزاب الدينية واستمراره، أجاب القبانجي على تساؤله بالقول إنّ “الإصلاح لا يكون من خلال المقاطعة بل من خلال العمل والحضور وانتخاب الأصلح”، معتبرا أن “المقاطعة تعني ضياع العراق وتقدّم الآخر.”

وتحاول الأحزاب المقبلة بشدّة، وعلى العكس من جمهور الناخبين، على المشاركة في الانتخابات تحفيز ذلك الجمهور على الإقبال على الاقتراع، خوفا من انكشاف عدم شعبيتها والانتقاص من شرعيتها.

ودعا ائتلاف النصر بقيادة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي في وقت سابق “جميع أطياف الشعب العراقي إلى تحديث سجلاتهم الانتخابية والمشاركة الفاعلة في الانتخابات.”

وجدّد المتحدث باسم الائتلاف سلام الزبيدي الدعوة إلى إجراء تعديلات على قانون الانتخابات والعملية الانتخابية بما من شأنه أن يعيد ثقة الناخب بصناديق الاقتراع ويشجع المواطن على الذهاب لتحديث البطاقة البايومترية والمشاركة في الانتخابات.

سلام الزبيدي: نأمل أن تكون هناك مشاركة واسعة لأن المواطن هو مصدر السلطات

ونقلت وسائل إعلام محلية عنه قوله “نأمل أن تكون هناك مشاركة واسعة لأن المواطن هو مصدر السلطات وبالتالي عليه أن يكون فاعلا في تحديد مسار العملية الديمقراطية والسياسية من خلال المشاركة”، محذّرا من أنّ “عدم المشاركة في الانتخابات يسمح ببقاء نفس الآليات والوجوه ونفس الكتل السياسية المتنفذة والمهيمنة على مركز القرار والسلطة.”

لكنّ رفع شعار التغيير من خلال صناديق الاقتراع لم يعد يغري العراقيين الذين تشكلت لديهم قناعة من خلال المشاركة في الدورات الانتخابية المتلاحقة بأن الصناديق وأوراق الانتخاب ليست هي حقا من تحدّد من يقود البلد ويمسك بزمام سلطاته بل التفاهمات السياسية والتحالفات الحزبية المصلحية التي فتحت لها الباب الطبيعة المعيبة للنظام السياسي القائم على المحاصصة وأعرافه وقوانينه بما في ذلك القانون الانتخابي.

ويلقي قرار مقتدى الصدر بعدم مشاركة تياره “الوطني الشيعي” في انتخابات نوفمبر القادم بظلاله على المناسبة كون التيار يمتلك قاعدة شعبية عريضة بين الطبقة الأفقر والأكثر اتساعا في العراق، كما أنّ انتقادات الرجل ذي الكلمة المسموعة لدى تلك الأوساط للعملية السياسية والقائمين عليها ونعته المستمر لهم بالفساد، خلقت لتلك العملية سمعة سيئة وأشاعت مزاجا شعبيا معاديا لقادتها.

وتأخذ أوساط سياسية كثيرة على محمل الجدّ تأثير الصدر على الانتخابات القادمة وهو ما يفسّر كثافة المناشدات له بالرجوع عن قرار المقاطعة والتي صدرت عن قادة أحزاب ومسؤولين في الدولة من بينهم رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد الذي وجّه في وقت سابق رسالة إلى زعيم التيار دعاه فيها إلى العدول عن قرار عدم المشاركة في الاستحقاق الانتخابي، معتبرا أنّ “عملية سياسية لا يشارك فيها التيار الوطني الشيعي تبقى منقوصة.”

ولم يستجب الصدر لتلك الدعوة معلنا عن تمسكه بقراره قائلا عبر منصة إكس إنّه “حزين أن يشارك الشعب العظيم في انتخاب الفاسدين وسراق المال العام.”

انطلقت إحدى أبرز التحذيرات من العزوف الانتخابي من مدينة النجف التي تشكل مركزا بارزا للتدين الشيعي في العراق والعالم

ويؤكّد متابعون للشأن العراقي أن قرار رجل الدين الشيعي لن يكـون من دون تأثيرات ملموسة على مستوى المشاركة الشعبية في الانتخابات القادمة، لافتين إلى وجود مؤشرات مبكـرة على ذلك تتمثل في ضعف الإقبال إلى حدّ الآن على تحديث بيانات الناخبين رغم التسهيلات التي تقدمها السلطات للتشجيع على ذلـك ومـن بينها تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لفرق جوالة لتحديث بيانات الناخبين في منازلهم ودوائرهم الحكـومية، وكذلك تعميم مراكز التحديث ونشرها في عمـوم مناطق البلاد وجعلها تعمل دون انقطاع على مدار أيام الأسبوع بما في فيها أيام العطل الرسمية.

وجاءت الأرقام إلى حدّ مخالفة لتلك الجهود حيث كشف المركز الإستراتيجي (غير الحكومي) لحقوق الإنسان في العراق أنّ ثمانية ملايين ناخب من مجموع هيئة ناخبة تعدّ تسعة وعشرين مليون فرد لم يقوموا بتحديث بياناتهم، علما أن تحديث البيانات لا يعني مشاركة بشكل آلي في الاقتراع إذ إن الدورات الانتخابية السابقة أظهرت أن أعدادا كبيرة من المسجلين لا يتقدمون إلى مراكز التصويت يوم الانتخابات.

3