اكتشاف نفطي يعيد المنطقة المقسومة بين السعودية والكويت إلى واجهة الإنتاج

بعد سنوات من الترقب عادت المنطقة المقسومة بين السعودية والكويت إلى واجهة المشهد النفطي مجددًا، مع الإعلان عن أول اكتشاف منذ 2020، ما يعكس تجدد الزخم في التعاون الثنائي بمجال الطاقة، ويؤكد الأهمية الإستراتيجية للمنطقة الغنية بالموارد في دعم الإمدادات وتعزيز الإيرادات.
الرياض/الكويت - شكل إعلان السعودية والكويت الاثنين عن أول اكتشاف نفطي في المنطقة المقسومة منذ إعادة تشغيلها قبل خمس سنوات، منعطفًا مهمًا في مسار العلاقات الاقتصادية بين الجارين الخليجيين، ولاسيما في قطاع الوقود الأحفوري.
وتوصل البلدان إلى تلك الموارد في حقل شمال الوفرة وارة – برقان الواقع على بعد 5 كيلومترات شمال حقل الوفرة، وذلك ضمن عمليات الوفرة المشتركة، وفقا لما أوردته وكالة الأنباء السعودية الرسمية.
وأشارت الحكومتان إلى أن ذلك تحقق من مكمن وارة في البئر وارة برقان – 1، حيث تدفق النفط الخام بمعدل تجاوز 500 برميل يومياً، وبكثافة نوعية تتراوح بين 26 و27 درجة أي.بي.آي.
وهذا الاكتشاف الأول منذ استئناف عمليات الإنتاج في المنطقة المقسومة والمنطقة المغمورة المحاذية لها منتصف عام 2020، ويصفه المسؤولون بأنه ذو أهمية عالية لما له من أثر إيجابي على موثوقية البلدين في إمدادات الطاقة وقدراتهما في قطاع التنقيب والإنتاج.
وتأتي الخطوة لتعيد تسليط الضوء على الإمكانات غير المستغلة في المنطقة المقسومة، وتعزز مكانة البلدين كشريكين رئيسيين في صناعة النفط العالمية، في وقت تشهد فيه السوق العالمية تقلبات حادة وتحديات متزايدة تتعلق بأمن الطاقة.
المنطقة المقسومة تمتد على 5770 كيلومترا مربعًا، وكانت تُعرف بالمنطقة المحايدة وتشمل حقولا منها الخفجي والوفرة
ويقول خبراء ومتابعون إن الإعلان يعد تأكيدا على أحقية البلدين بموارد المنطقة، خاصة وأن إيران حاولت على مدار سنوات طويلة ترويج أنها تمتلك حصة فيها، وخاصة الحقول في الجزء الواقع على سواحل الخليج العربي، بما في ذلك حقل الدرة.
وتمتد المنطقة المقسومة بين السعودية والكويت، العضوين في منظمة أوبك، على مساحة تقدر بحوالي 5770 كيلومترًا مربعًا، وكانت تُعرف تاريخيًا بالمنطقة المحايدة.
ولم تكن خاضعة لسيادة حصرية لأي من الدولتين عقب ترسيم الحدود في أوائل القرن العشرين. ومع ذلك اتفق الطرفان لاحقًا على تقاسم إدارة واستغلال الموارد الطبيعية فيها بشكل متساوٍ.
واتفق البلدان سابقا على أن ترعى شركة أرامكو مصالح السعودية في المنطقة خارج 6 أميال بحرية من المنطقة المغمورة المقسومة، فيما ترعى الشركة الكويتية لنفط الخليج مصالح الكويت في المنطقة المقسومة والمنطقة المغمورة المقسومة.
وفي شهر يوليو 2023 ناقشت اللجنة المشتركة الدائمة بين السعودية والكويت تسريع تنفيذ المشاريع النفطية في المنطقة المقسومة، بما يشمل العمليات في كل من الخفجي والوفرة، اللذين يتراوح إنتاجهما بين 500 و600 ألف برميل يوميا.
وبحسب بيان لوزارة النفط الكويتية حينها، فإن اجتماع اللجنة “جاء في توقيت مهم لمتابعة الأعمال وتنفيذ مذكرة التفاهم الموقعة في 2019، وتجاوز التحديات المرتبطة بالمشاريع، وتطوير الثروات الطبيعية في المنطقة.”
وجاء أول اكتشاف نفطي مشترك بين البلدين في المنطقة ليكون بمثابة انطلاقة حقيقية لعصر جديد من التعاون في مجال الطاقة، ولاسيما في منتصف القرن الماضي، حيث كان العالم يشهد سباقًا محمومًا نحو استكشاف واستغلال الثروات الباطنية.
وبدأت البوادر تظهر عندما منحت الكويت امتيازًا لشركة أمينويل الأميركية في عام 1948، لتبدأ عمليات المسح الزلزالي والتنقيب في الجزء البري من المنطقة.
وخلال عام 1953 تحقق أول اكتشاف تجاري للنفط في حقل الوفرة، الذي سرعان ما أثبت إمكاناته الكبيرة ليصبح أحد أعمدة الإنتاج النفطي في المنطقة.
في المقابل كانت السعودية قد منحت في وقت مبكر امتيازا لشركة باسيفيك وسترن أويل كوربوريشن الأميركية، والتي بدأت كذلك في عمليات التنقيب في المنطقة نفسها.
ومع تزايد الإمكانيات المكتشفة بدأت ملامح التعاون الرسمي تتبلور، خاصة بعد أن تأكد الطرفان من ضخامة الاحتياطيات التي تحتويها المنطقة المقسومة.
وتُعد المنطقة نموذجًا فريدًا في العلاقات الدولية، حيث إن كلتا الدولتين تتشاركان في السيادة على الأرض والموارد الطبيعية فيها، وتعملان على إدارتها بشكل مشترك من خلال شركات وطنية مملوكة للدولتين.
وبعد تطوير حقل الوفرة تم اكتشاف آخر مهم في الجانب البحري من المنطقة، وهو حقل الخفجي، الذي اكتُشف في عام 1960، وبدأ الإنتاج الفعلي منه في العام نفسه.
وخلال العقود التالية استمرت الحقول المشتركة في المنطقة المقسومة بتوفير إمدادات نفطية مهمة لكلا البلدين، كما ساهمت في دعم استقرارهما الاقتصادي، ووفرت نموذجًا فعّالًا للتعاون في قطاع الطاقة بين الدول ذات المصالح المشتركة.
3
شركات تعمل في المنطقة هي أرامكو لأعمال الخليج وشيفرون والكويتية لنفط الخليج
ورغم التحديات التقنية والسياسية التي مرت بها المنطقة، من بينها توقف الإنتاج لفترات قصيرة نتيجة خلافات فنية أو لغايات الصيانة، حرص البلدان دومًا على العودة إلى طاولة الحوار، وإعادة تنشيط الإنتاج بما يخدم مصالحهما المشتركة ويحافظ على التزامات البلدين في أسواق الطاقة العالمية.
وعاد الإنتاج من المنطقة المقسومة بعد توقف دام نحو خمس سنوات بين عامي 2014 و2019، إثر توصل السعودية والكويت إلى اتفاق نهائي لإعادة التشغيل المشترك للحقول البرية والبحرية.
ووقّعت الدولتان اتفاقية تقسيم المنطقة المحايدة في عام 1965، وملحقا لتقسيم المنطقة المغمورة في عام 2000، ومذكرة تفاهم لإعادة الإنتاج في نهاية 2019.
وكان البلدان قد أبرما في مارس 2022 اتفاقاً مبدئياً لتطوير حقل الدرة في المنطقة المغمورة. وتعمل في المنطقة المقسومة شركات أرامكو لأعمال الخليج، وشيفرون العربية السعودية، والكويتية لنفط الخليج.
واتفق الطرفان على تنظم عمليات الاستغلال والتأكيد على احترام السيادة الوطنية لكل دولة، مع ضمان التوزيع العادل للعائدات.
واعتبر خبراء هذا التطور علامة على مرونة العلاقات الثنائية، وحرص البلدين على الحفاظ على وحدة الموقف في سوق الطاقة العالمية، خاصة في ظل التغيرات الكبيرة التي شهدها القطاع من حيث العرض والطلب، والتوجهات العالمية نحو الطاقة النظيفة.
ولا تقتصر المنطقة على الإنتاج النفطي، بل تشمل جهودا بيئية وتقنية متقدمة لتقليل البصمة الكربونية، وتحسين كفاءة الإنتاج، وهو ما ينسجم مع رؤية السعودية 2030 والإستراتيجية الوطنية للطاقة في الكويت.
كما تعمل الشركات المشغّلة في المنطقة على تبني تقنيات الاستخلاص المعزز للنفط، وأيضا تحسين إدارة المكامن النفطية، بما يضمن استدامة الإنتاج لعقود قادمة.