السوشيال ميديا تعزز صعود "أدب المراهقين" في الجزائر

الجزائر - من زار الصالون الجزائري الدولي للكتاب سيصاب حتما بالذهول والفضول وستظل أسئلة كثيرة عالقة بذهنه للصور والمشاهد التي حملتها ذاكرته جراء وقوفه المحتمل على تناقضات وسلوكيات تبقى في حاجة إلى تفسير أو تبرير لكل الذي حدث أو المظاهر التي كانت خارجة عن المألوف ولو إلى حين.
فبين مشاهد التدافع الهستيرية التي نتجت عنها عملية بيع بالإهداء للكاتب السعودي، أسامة المسلم، والتي فرضت تدخل عناصر حفظ النظام، وبين المبيعات القياسية للتيكتور “لولا ديزاد” وهي الكاتبة المغمورة جدا، والإقبال الكبير على إصدارات دار النشر المصرية “عصير الكتب”، والكتب الدينية، والتهافت غير المسبوق على الكتاب والأدب المكتوب باللغة الإنجليزية، ثمة توجهات ظهرت للعلن لدى القارئ الجزائري تستحق الدراسة والتوقف عندها.
تحدث أحمد، وهو أحد الصحافيين المخضرمين، فقال إنه انبهر للتوافد الكبير على صالون الكتاب خاصة من قبل الشباب، معتبرا ذلك ظاهرة صحية تبعث على التفاؤل، معترفا في نفس الوقت أن تلك المشاهد كانت ستبدو غير واقعية وكأنها من الأحلام قبل سنوات قليلة فقط.
وتشدد نسرين، شابة جزائرية لم تتجاوز العقد الثاني من عمرها اشتغلت كمضيفة في دار النشر المصرية “عصير كتب”، على الإقبال القياسي على مختلف الإصدارات التي جرى عرضها والتي تراوحت بين الكتب الدينية والنفسية خصوصا، حيث كان للكاتب الفلسطيني أدهم الشرقاوي، مكان لافت. ولم تفلح نسرين، في تحديد أسباب هذا الرواج وراحت تفتخر بالاستقطاب الكبير الذي نجحت فيه دار النشر التي اشتغلت معها، وكأن لسانها أراد أن يقول إنها أدت مهمتها بنجاح، وإن الجزائري فعلا يعشق القراءة وتواق لها بخلاف ما يتردد هنا وهناك.
أما إمام مسجد “أنس بن مالك” بأحد أحياء أعالي العاصمة الجزائر، فلم ينس الإعلان قبل صعوده المنبر لإلقاء خطبة الجمعة، النجاح في تزويد مكتبة المسجد بأكثر من 150 عنوانا من مجالات دينية مختلفة، متوجها بالشكر لجموع المصلين الذين استجابوا للنداء الذي أطلقه قبل أيام من أجل استغلال فرصة صالون الكتاب للمساهمة في اقتناء كتب ومؤلفات ومجامع أوضح بشأنها أنه أشرف عليها شخصيا حتى لا تتعارض مع المرجعيات الدينية الحقيقية.
اجتهد البعض في تفسير التهافت غير المسبوق على بعض الكتّاب ومؤلفاتهم دون غيرهم، وربطوا ذلك بالثورة التي أحدثتها التكنولوجيات الرقمية والتأثير الواضح الذي تركته في طرق التواصل بين الناس.
يربط أحد الكتاب الجزائريين فضّل التحفظ على كشف هويته، حصول الكاتب السعودي أسامة المسلم، على “الجائزة الأكثر شعبية”، إضافة إلى أسلوب الأخير الخاص في الكتابة، إلى حضوره القوي على منصات التواصل الاجتماعي، لافتا إلى أن عدد معجبيه يتجاوز رقم 10 ملايين على منصتي تيك توك وإنستغرام، وهو ما سهل له الوصول إلى عدد كبير من الشباب الذين تستهويهم القصص والروايات التي يكتبها وينشرها، ومن بينهم قراء كثر من الجزائر، وهو ما ظهر جليا خلال الصالون الدولي للكتاب في طبعته الأخيرة.
لم يكن أسامة المسلم، أو رواية “الشوك والقرنفل” لزعيم حركة حماس الراحل يحيى السنوار، وحدهما من صنعا الحدث أو الاستثناء في هذه المناسبة الثقافية – الفكرية، بل حاولت التيكتوكر المعروفة باسم “لولا ديزاد” أن تنافس بدليل أن مؤلفها “ديناتور” حقق لها نجاحا خرافيا.
تزعم “لولا ديزاد” التي لديها عشرات الآلاف من المعجبين على منصة يوتيوب ونحو ألف آخرين على إنستغرام، أنها أول صانعة محتوى للرعب في الجزائر، وأنها تتناول قصص الرعب وقضايا جنائية حقيقية. وبفعل ذلك نجحت في بيع 700 نسخة من كامل الطبعة الأولى لـ”ديناتور”، فما كان منها إلا أن طبعت نسخة ثانية استجابة لطلبات المعجبين والمعجبات خاصة من المراهقين.
لم تتمكن أميرة، وهي مسؤولة بإحدى دور النشر، من فهم الأسباب التي جعلت من لولا ديزاد كاتبة بصفة نجمة فوق العادة، وراحت تتساءل بالمقابل عن الأمر الذي جعل كُتابا من مصاف حملة شهادة دكتوراه لا يستطيعون بيع أكثر من 100 نسخة لكل واحد منهم. حاولت أميرة، أن تلقي باللوم على التغيير الذي أصاب فكر الشباب الجزائريين وتأثرهم بالصراع الأيديولوجي الداخلي وتراكماته بشكل أو بآخر على نفسياتهم، قبل أن تستدرك وتشير إلى أن ما وقفت عليه يحتاج إلى دراسات معمقة من قبل كبار المختصين من أجل فهم صحيح ودقيق.
لكن مراد، وهو زميل لأميرة يشتغل بدار نشر أخرى، بدد شكوكها أو جزءا منها عندما أشار إلى أن مؤلفات كاتب ظل يظهر على برنامج تلفزيوني لاقت رواجا كبيرا في السابق لتهوي بنحو 70 في المئة عندما توارى عن الأنظار أو خَفُتَ ظهوره العلني. قد يكون لنجاح “خوف” أسامة المسلم، و”ديناتور” لولا ديزاد، تأكيد للصعود اللافت لما يسمى بـ”أدب المراهقين”، وانعكاس حقيقي للانخراط الجماعي للشباب في وسائط التواصل الاجتماعي وإسقاطاته على المشهد القرائي بشكل عام.
حقيقة لا يجب على المثقفين والأدباء من النخب الجزائرية نكرانها، فبدل من انتقاد الآخرين على “كتبهم الصفراء – التجارية”، يتعين عليهم الرقي بمحتوى الكتاب المعرفي النخبوي حتى يصل إلى قطاع واسع من القراء وخاصة الشباب من أجل صنع رأي عام واع بالتحديات المصيرية التي تواجهها الأمة من جهة، ومن جهة أخرى في إحداث نقلة علمية نوعية بـ”عقول أجيال جديدة مستنيرة بالعلم والإبداع والفكر السديد،” على حد قول الرئيس السابق لمجلس الشيوخ الجزائري صالح قوجيل.