القبور في شمال لبنان ملاذ علويين فروا من العنف الطائفي بسوريا

الحيصة (لبنان)- خلف مسجد غير مكتمل البناء في بلدة الحيصة بشمال لبنان يعيش الأحياء وسط الأموات في القبور. وبجوار أكوام القمامة وتحت ظل الأشجار العالية، يبحث رجال ونساء وأطفال من الأقلية العلوية السورية عن مأوى وسط القبور المحيطة بالمسجد، ويحمدون الله لأنهم استطاعوا الفرار من العنف الطائفي في بلدهم، لكنهم يشعرون بالخوف من المستقبل.
وقال رجل بعينين غائرتين “كل واحد عنده قصة رعب وصلتو لهون.” وروى آخرون يقيمون في المسجد قصة أم قتلها مسلحون مجهولون أمام أطفالها بعدما عبروا الحدود. وطلب جميع اللاجئين الذين تحدثوا إلى وكالة رويترز عدم نشر أسمائهم خوفا من الانتقام.
ولجأ نحو 600 شخص إلى المسجد حيث ينام المئات، من بينهم رضيع عمره يوم واحد، في الساحة الرئيسية. وفي الطابق الثاني غير المكتمل من المسجد تفصل ملاءات بلاستيكية منصوبة على عوارض خشبية بين العائلات المتضررة. وينام أشخاص على السطح، فيما نصبت عائلة خيمة تحت الدرج، وأقامت أسرة أخرى بجوار قبر أحد الأولياء. وينام البعض فوق القبور في المدافن المحيطة وآخرون تحت الأشجار وليس بحوزتهم سوى بطانيات خفيفة للتدفئة.
كل هؤلاء ليسوا إلا مجموعة من عشرات الآلاف من اللاجئين الذين فروا من سوريا منذ مارس عندما شهدت البلاد أسوأ إراقة دماء منذ أن أطاحت المعارضة بالرئيس بشار الأسد في ديسمبر. وقالت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في بيان إن نحو 40 ألف شخص فروا من سوريا إلى شمال لبنان منذ ذلك الحين.
ويأتي هذا الخروج في وقت يتعرض فيه تمويل العمل الإنساني لضغوط شديدة بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجميد المساعدات الخارجية وتفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية في وقت سابق من العام. وقُتل أكثر من ألف شخص منذ مارس في أعمال العنف التي اندلعت في الآونة الأخيرة بين قوات الأمن التابعة للحكومة السورية، التي يقودها إسلاميون، وبين مقاتلين من الأقلية العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد.
وسحق الأسد ووالده من قبله أي معارضة من السنة في سوريا، الذين يشكلون أكثر من 70 في المئة من سكان البلاد، لأكثر من خمسين عاما. واستحوذ العلويون، وهم فرع من الشيعة، على الكثير من المناصب العليا في الحكومة والجيش، وأداروا شركات كبرى. ويتهم العلويون الآن الحكومة الجديدة برئاسة أحمد الشرع بأنها تنتقم منهم، لكن الشرع يقول إنه سيسعى إلى تطبيق سياسات لا تقصي أحدا لتوحيد البلاد وجذب استثمارات أجنبية.
◙ موجة جديدة من اللاجئين السوريين بينما يتعرض تمويل العمل الإنساني لضغوط شديدة بعد قرار ترامب تجميد المساعدات
وأعلن ترامب في الأسبوع الماضي أنه سيرفع العقوبات عن سوريا مما أنعش الآمال في انتعاش اقتصادي، لكن هذا لم يخفف العبء عن اللاجئين في شمال لبنان الذين يواجهون صعوبات جمة في تلبية احتياجاتهم الأساسية. وقال إيفو فرايسن ممثل مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في لبنان في أبريل “المفوضية ووكالات أخرى ليست في وضع الآن يمكنها من أن تقول ‘يمكنكم الاعتماد علينا‘.”
ويتوافد المزيد من اللاجئين من سوريا يوميا. وقال ممثل عن المخيم طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية إن نحو 50 شخصا وصلوا على مدى يومين الأسبوع الماضي. وذكر متحدث باسم المفوضية أنها تزود الوافدين الجدد بمواد أساسية، مثل المراتب والبطانيات والملابس، وتقدم المساعدة الطبية والدعم النفسي. وأضاف “تجري المفوضية أيضا أعمال إعادة تأهيل في الملاجئ للتأكد من حماية الأسر.”
وفي المسجد الطعام شحيح، والمراحيض المتنقلة التي وفرتها إحدى منظمات الإغاثة امتلأت عن آخرها، وتراكمت القمامة وأصبحت مرتعا للحشرات. وقتل لاجئون ثعابين في المخيم، وتحدث أحدهم عن “أكبر ثعبان رأيناه في حياتنا.” وليس أمام أطفال المخيم أي مكان يذهبون إليه.
وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش إن أطفال اللاجئين سيجدون صعوبة في الالتحاق بالنظام الدراسي في لبنان، ويقول اللاجئون في المسجد إن المدارس الخاصة باهظة الثمن وقد لا تقبل الأطفال الذين يلتحقون في منتصف العام الدراسي.
وقال رجل آخر طلب أيضا عدم نشر اسمه “عم نصير مخيم لاجئين بلا ما نعرف (بدون أن ندرك ذلك).” وأضاف “بدنا مدارس وحمامات ومستوصفات.” وأوضح أنه فر من منزله في دمشق بعد أن أبلغه جاره بأن مسلحين يسألون عنه. ولا يتوقع الرجل العودة أبدا ويأمل في السفر إلى الخارج. لكنه قال في الوقت نفسه إنه يحتاج إلى حياة لأطفاله.
وتساءل وهو يشير إلى ابنه الذي يبلغ من العمر تسع سنوات “شو ذنبه؟… كان عبقري كمبيوتر وهلا ما عم يروح عالمدرسة.” واللاجئون في المسجد من ضمن ملايين الأشخاص الذين تضرروا من قرار ترامب في فبراير تجميد التمويل الأميركي للبرامج الإنسانية. وقال فرايسن إن المفوضية اضطرت إلى تقليص عملياتها من كل الجوانب في لبنان، بما في ذلك دعم اللاجئين السوريين.
وذكرت المفوضية في تقرير أن الأموال لديها تكفي لتغطية 14 بالمئة فقط من عملياتها المقررة في لبنان و17 بالمئة من عملياتها في العالم بنهاية مارس. وأضاف فرايسن “مساعدتنا ليست كما ينبغي أن تكون… كان لدينا دائما موارد في الماضي، أو كنا نستطيع جمعها بسهولة، ولت هذه الأيام، وهذا أمر مؤلم.” ويخشى الناس في المسجد من أن يطويهم النسيان. وقال رجل ثالث احمرت عيناه من قلة النوم “حقوق الإنسان كذبة، يشتغلون كما يريدون.”